|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 16/1/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سوء الحَظ

امين يونس

" إشتكى لي مُتذمِراً من الفشل المتواصل لأبناءه ، سواء في الدراسة او الحياة العملية .. مُرجِعاً ذلك الى " سوء الطالع " و " قلة الحَظ " .. ولكي يؤكِد لي صحة رأيه .. فلقد أسهبَ في شرح " جهوده " التي بذلها في سبيل أولاده ، منذ ان كانوا أطفالاً صِغاراً .. و كُل الامور التي وّفَرها لهم .. وانه لم يبخل عليهم بشئ ، فلقد كانوا " أفضل " من جميع أقرانهم في جميع الأوقات .. من حيث المأكل والملبَس ومَصرَف الجيب .. لا بل ان كُلاً منهم كان له سيارته الخاصة حتى قبلَ ان يبلغ سن البلوغ .. وكلهم كان لهم مدرسوهم الخصوصيون منذ المرحلة الإبتدائية ! .. ولم يفلح احدهم في الحصول على شهادةٍ مُعتَبرة . وحتى في الاعمال ، فانهم يتسببون دائماً في خساراتٍ متتالية . بينما اُنظر الى عائلة فلان ، الذي كان بالكاد يستطيع إعالة أولاده .. فأن جميعهم أصحاب شهادات عُليا وناجحون في عملهم ! .. أليسَ هذا سوء حظ ؟! " .

صاحب العائلة الاولى ، يُؤمن بالحظ ، ويعتقد انه فعل الكثير لأولاده ، من خلال البذخ المُبالَغ فيه وغير المدروس " منذ طفولتهم المُبكرة لغاية بلوغهم ".. من دون التعايش معهم يومياً ، ومراقبتهم عن كثب ، وأين وكيف يقضون أوقاتهم ومَعَ مَنْ وفي أية مجالات يصرفون الأموال التي تحت ايديهم ؟ ومن دون مُتابعة دراستهم ومن دون الإعتناء بتربيتهم وغرس القِيَم الجيدة في نفوسهم .. هذه كُلها مُقدمات .. لِما آلَ إليهِ اولاده .. ولا علاقة للأمر بالحَظ أبداً .

صاحب العائلة الثانية .. كان يتابع اولاده بِكُل جدية ، سواء في البيت او المدرسة او الشارع .. يُفتش عن تفاصيل أصدقاءهم ومن أي العوائل هُم وأخلاقهم ، ويمنع اولاده من الإختلاط بالسيئين ، ويشجع أبناءه على التفوق والمُثابرة ، وتعويدهم على حُب العمل والإخلاص والإبداع .. لهذه الاسباب .. أبناءه ناجحون .. ولا علاقة للأمر بالحَظ والطالع .

.................................

يمكن تشبيه الأب او المسؤول عن العائلة الأولى .. بحكوماتنا السابقة ولا سيما الحالية ، في العراق واقليم كردستان .. فأنهم لايُرَبون أبناءهم " أي الشعب " بطريقةٍ صحيحة .. ولا يدركون ان توفير الحَد الادنى من الرواتب والاجور والخدمات البسيطة ، ليسَ كافياً على الإطلاق .. فأب العائلة الفاشلة .. كان في الواقع ( بعيداً ) عن ابناءه ولا يقضي الوقت الكافي معهم ، للإطلاع على مشاكلهم ومساعدتهم في حلها ، وتركهم للآخرين ! .. ونفس الشئ ، فان الحكومات والانظمة عندنا .. بعيدة في الحقيقة ، عن الشعب والجماهير ، وهنالك حواجز كثيرة بينهما .. وان هذه الانظمة ، لم تهتم ب [ تربية ] الأولاد منذ الصغر تربية حسنة ، وبدلاً من ان تصرف الميزانية على " التربية والتعليم " ، فأنها كانتْ دوماً عرضةً للفساد والنهب ، وتبذيرها على مشاريع التسليح وامور غير مُجدِية . وتبعاً الى تكريس هذا النوع ، من التعامُل والتربية .. فمن المنطقي ومن المتوقع .. ان يكون الابناء " الشعب " ، فاشلون .. يُعانون من المشاكل المستعصية ، يقعون في المطبات ، لايمتلكون اُسُساً متينة تؤهلهم للتغيير نحو الاحسن وقيادة المرحلة القادمة .

هنالك بُلدان ، ليسَ لها موارد كبيرة ولا نفط .." مثل العائلة الثانية ".. لكن شعوب هذه البلدان ، ناجحون متفوقون ، يعيشون برفاهية .. لأن آباءهم حرصوا على تربيتهم منذ البداية ، وفق أحسن الأساليب ، وتعبوا في متابعتهم وتوجيههم .. فان هذه الشعوب " محظوظة " بآباءها .

أما نحن فأن " طالعنا سئ " لأن آباءنا غير جديرين بالأبوة ! .

 

14/1/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter