|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  16 / 6 / 2013                             أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ثقافة ال ( يارمَتي )

امين يونس

" أحد معارفي ، يعمل منذ سنوات ، في قطاع ( الإستثمارات العائد لأحد الحزبَين الحاكمَين ) .. والى جانب عملهِ الرئيسي ، فأنهُ يقوم أيضاً ، بتوزيع الرواتب على المنتسبين نهاية الشهر ، وذلك للتغيُب المُعتاد للمُحاسب المُنشغِل في مهامٍ اُخرى . المُهم .. أن المسؤول المُخضرَم .. كان يتفقد الأحوال .. فسألَ صاحبنا أعلاه : هلَ أعطَيتَ * يارمَتي * للمنتسبين ؟ ال * اليارمتي * بالكردية ، تعني ( مُساعَدة أو مَعونة ) ؟ .. فَردَ : لم أعطِ أي يارمتي يا أستاذ . قالَ المسؤول : كيفَ ذلك ، أليسَ اليوم هو نهاية الشهر ؟ أجابَ صاحبنا : تعني [ الراتب ] أستاذ .. نعم لقد وّزعته .. لكنه ليسَ يارمَتي ، أي ليسَ مُساعدة ولا معونة .. بل أنها أجورهم المُستحقة لقاء عملهم لِشَهر ! " . هذا الجواب ، لم يعجب المسؤول قطعاً .
السيد المسؤول .. يَصِف الراتب ، ب " المُساعدة والمعونة " .. ليسَ سهواً ولا خانهُ التعبير .. بل انهُ في عقلهِ الباطن ، يعتقد جازماً ، ان المال الذي يوزعه نهاية الشهر على الموظفين والمهندسين والعُمال ، ما هو إلا نوع من المُساعدة ، يُقّدمها هو وحزبه ، لهؤلاء الناس .. ومن قبيل " المِنّة " التي يستحقونَ عليها الشُكر والتبجيل ! .
ينسحبُ الأمرُ .. على كافة مرافق الإدارة .. فالحكومة أي السُلطة أي الحزبَين الحاكمَين.. تعتبرُ ان الأموال العامة والميزانية ، التي تحتَ أيديهم .. هي " ملكَهَم " ! .. أو على الأقل .. تتصّرَف كما لو ان هذه الأموال ، هي من حقهم ، ولهم حُرية التصرف بها . وقيادات هذه الاحزاب ، " ثّقفَتْ " كوادرها ، وأدخلتْ في عقول وأذهان منتسبيها ، ان ما يقومون به شئٌ طبيعي ! . والمُصيبة ، ان هذا النَمط من " الثقافة " إنتشرَ في جسد الأقليم بصورةٍ دراماتيكية .. وإنتقلَ من الاحزاب الحاكمة ، الى الغالبية العُظمى من الدوائر .. فترى المُوظف الذي يقوم بِجزءٍ من واجباته الوظيفية المُعتادة .. يعتبر ذلك " إنجازاً " ، وفضلاً على المواطنين ! . ومُدير الدائرة الذي ، يتمتع بإمتيازات كبيرة .. مُنخرِطٌ بتنفيذ طلبات رؤساءهِ " والتي بِمُجملها مُخالِفة وغير قانونية " .. ويلوي عُنق القانون ، بحيث يُلائم جشع المسؤولين والرؤساء ! . وكُلما إرتقيتَ درجة في سُلَم المسؤولية والوظيفة .. فأن ثقافة ال " يارمَتي " أي المُساعدة او المعونة .. تتجّذر فيك ، بحيث تصبح جُزءاً لا يتجزأ من تصرفك اليومي ! .
فإذا بّلطتَ بضعة كيلومترات من الشارع " حتى لو كان بأضعاف الكُلفة الحقيقية ، وفوق ذلك بمواصفات هزيلة " .. فأن ذلك [ إنجاز ] . وإذا بَنيتَ مدرسة أو مستشفى " بعد المُدة المُقرِرة وبإفتقارٍ الى الشروط الرصينة " فهو [ تنفيذٌ للخطط ] . وإذا فّرطتَ بأراضي الدولة ، وسمحتَ للجَشعين والطُفيليين ، بالإستيلاء عليها .. فأن ذلك تحت عنوان [ المُساطحة ] ..
ان تراكُم مُمارسات ثقافة ال " اليارمَتي " .. وتفّشي عقلية : العَطية / الإهداء / المُساعدة / العَون / التكريم ... الخ ، من هذه الكلمات المُراوغة .. تُكّرِس العلاقة المُشّوهة ، بين السُلطة والمُواطن .. بين المتبوع والتابع .. السّيد والعَبد ! .
......................................
ليكُن واضحاً .. أن : الأمن والامان / السكن المُناسب / التعليم الجيد / الغذاء المتوازن / الرعاية الصحية المعقولة / الخدمات الاساسية / حرية الرأي والتعبير . هذه كُلها [[ حقوق ]] طبيعية للمُواطن . وان ( جميع ) مَنْ يضطلع بمسؤوليةٍ في الحكومة .. هُم خَدم للشعب .. وأن الذي يعمل في أي مجالٍ ، ليسَ بحاجة الى " يارمتي " .. بل يستحق ان ينال جميع " حقوقه " وأجوره ، مرفوعَ الرأس ، بدون مِنّةٍ من أحد ! .

 

14/6/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter