|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 12/10/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

رِعاية الكِبار

امين يونس

عندما يتعّود أحّدنا في الصغر ، على تَلَقي الرعاية والإهتمام من الوالدَين والأخوة الأكبر والأقارب .. ثم وبتقَدُم العمر .. حيث يرحل الوالدان أو يكبران ويُصابان بالأمراض .. وتتزوج الاخوات ويبتعدنَ تدريجياً في خضم الحياة .. ويتبعثر الأخوان كُل في جهة .. فيَحّلُ اليوم الذي ،  يكون  مطلوباً فيهِ من ذاك الطفل الذي كان صغيراً في ما مَضى .. ان يكون هو الراعي وهوالمُهتَم بشؤون " الآخرين " ! . هذهِ هي إحدى سُنن الحياة . لكن المُشكلة ، ان الامور لاتجري في الواقع ، بهذهِ " الميكانيكية " الجامدة في جميع الاحوال . أعرفُ اُمهاتٍ أفنَينَ ، ليسَ فقط زهرة شبابهُنَ .. بل كُل عُمرِهُنَ ، في خدمة العائلة .. من الزوج الى الأبناء والبنات والأحفاد ، ورَعتْهُم جميعاً كُل يوم ، بنكران ذات وصبر وتحمَلتْ المشاق والمُعاناة طيلة عقودٍ من الزمن ، وهّدها التعب والإجهاد .. الى ان صارتْ شُبه مُقعَدة .. ولم تَجِد مِنْ كُل الذين خدمَتْهُم ، غير الصَد ونُكران الجميل ! .

- قلتُ لإبنها : كيفَ تُعامل والدتَكَ بِكُل هذا الجحود ؟ .. إستغربَ من هذا الكلام ، وقال : بالعكس تماماً .. فهيَ على الرحب في كُل وقت .. وأنا وزوجتي لانُقّصِر تجاهها بشئ ، ونحنُ في خدمتها ونوّفِر لها كُل الضروريات اللازمة .. لكن المُشكلة ، انني أذهب للعمل صباحاً وأرجع في وقتٍ مُتأخِر .. وزوجتي تعملُ أيضاً وترعى الأطفال وتقوم بجميع أعمال المنزل لوحدها..  ووالدتي تُريد ان يجلس أحدنا الى جانبها دائماً ، ويستمع الى أحاديثها التي لاتنتهي .. وعندما تنهض زوجتي لإكمال الأعمال المنزلية ، او أذهب أنا للنوم .. فأن اُمي تزعل بِشدة وتتهمنا بأننا ، لانُبالي بِحالها واننا قُساة ! . ماذا أفعل ؟ أدري أنها مريضة ومتعبة .. لكن صّدقني ، ان عَمَلنا انا وزوجتي ، بالكاد يُغّطي تكاليف المعيشة .. وببساطة ، لانستطيع الإستجابة الى طلباتها .. والجلوس في البيت للإستماع الى قصصها !.

- قالَ الشيخ الطاعن في السن : أنا حزينٌ جداً .. لأنني في أواخر أيامي ، أشعرُ انني وحيدٌ تماماً .. تَصّور لديّ كومة أبناء وبنات وعشرات الأحفاد .. غير انني لا أرى أحداً منهم لأيامٍ مُتتالية وأحياناً لأسابيع وأشهُر ! .. انهم يتصورون ، بأنني صعب الإرضاء ودائم الشكوى .. يستغربون من تأفُفي ويتعجبون من تَذّمُري .. يعتقدون بأن جلبهم لي خدماً من مُختلف الجنسيات ، يخدمونني .. كافٍ .. يتصورون بأن توفيرهم القصور والمأكل والمشرب والدواء ، وصرفهم الاموال ببذخٍ ، عليَ .. كفيلٌ بإرضائي .. كَفكفَ دموعهُ قائلاً : .. لا اُريد الخدم والحشم .. اريد ان اُقبلَ اولادي .. وأتحدث اليهم .. وأطلع على احوالهم .. وأرى أحفادي وأحفظ أسماءهم ووجوههم .. أشعر بأن الجميع نبذني وانني وحيد !.

- حتى في مُجتمعنا " العشائري " و " القبلي " .. وبعدَ أن تكاثرَتْ الأموال السهلة ، خلال العشر سنوات الماضية خصوصاً ، وإغتنى البعض بين ليلةٍ وضُحاها .. وسيطرتْ المظاهر السطحية .. وتراجعتْ الإخلاق الحميدة وإنسحقتْ القِيَم النبيلة .. فأن البَشر أيضاً .. تبّدلوا تدريجياً . حتى كِبار السِن أصبحوا " مُزعجِين " ولجوجين ولا يستطيع أحد إرضاءهم ! .. وليسَ لدولتنا دور رعاية كافية ومُناسبة ، لكبار السن مثل الكثير من البُلدان .. ولا يملك المجتمع عموماً ، وَعياً صحيحاً في كيفية التعامُل مع هذا الأمر : فالفقير ، لايستطيع توفير وقتٍ كافٍ لرعاية الاُم الوحيدة .. والغني منشغِلٌ بذاتيته الإستهلاكية ، تاركاً الأب لرحمة الخَدم الاجانب ! .

 

10/10/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter