|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 11/2/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

نصيحة

امين يونس

" إكتشفتُ عن طريق الصُدفة ، ان إبن صديقي ، يُخالط بعض الشباب المتهورين والفاسدين ، وكنتُ واثقاً من تلك المعلومة ، فرأيتُ انه من الضروري ، إخبار صديقي ، لكي يردعه وينصحه ويتدارك الموضوع .. لكنني تفاجأتُ بِردة فِعل الصديق ، الذي إمتعَضَ وقال بأنه لا يُصّدِق على الإطلاق ، ان ولده الشاب الخلوق المؤدَب ، يلعب القمار ويشرب الكحول ويُدخِن ... الخ . بل انه أي صديقي ، لم ينجح في إخفاء إستياءه من كلامي ، وأشعَرَني بأنني مُخطئ تماماً " . على أية حال ، لم أندم على صراحتي معه ، وتحذيري له من مَغَبة سلوك إبنه .. لأنني أعتبر نفسي صديقه فعلاً .

بعد أشهُرٍ قليلة .. إتصَل بي الصديق ، وأخبرني ان إبنهُ مُعتَقَل ، حيث قُبِضَ عليه مُتلبساً في سرقة أحد المحال التجارية بِمعية زمرته الفاسدة .. وإعترفَ بأنه مُشارك في وكرٍ للقمار وسبق لهم القيام بعدة سرقات اُخرى من ضمنها سرقة منزله ! . طلبَ مني صديقي ، أن أتصل بالمُحامي الذي أعرفه ، عّله يُخّفِف بعض الشئ من العقوبة المتوقعة .

المُشكلة ، أن أحدنا " يعتقد " أنهُ أحسن الناس وأكثرهم ذكاءاً وأحقهم بِنَيل الإمتيازات.. وتَجُرهُ العاطفة الخادعة ، الى الإعتقاد بأنه مركَز الكون .. وأن عائلته متفوقة على أي عائلة اُخرى .. وان أولاده وبناته ، فوق كُل الشُبهات .. بل يصل به الأمر ، فيعتقد ان أي نصيحة او إنتقاد .. هو دلالة على الحَسد ، ومحاوَلة للإنتقاص من موقعهِ الإعتباري .

والمُشكلة الاكبر .. ان الأمر لا يقتصر فقط ، على العلاقات الإجتماعية العادية والبسيطة .. بل في الواقع ، ينجرُ أيضاً على نظام الحُكم والإدارة بصورةٍ عامة .. فأمثال صديقي أعلاه ، الذي أعْمَتْهُ العاطفة الساذجة ، عن رُؤية الحقيقة .. وقادهُ الحماس وجرَيان الاموال بين يديهِ ، الى نُكران إحتمال خطأ الإسلوب الذي يُدير بهِ عائلته .. الى أن إنكشفتْ الخفايا بِقسوةٍ ، آذّتْهُ ولم ينفع الندم . أمثالهُ .. على الأغلب ، هُم الذين يُديرون معظم مفاصل الحُكم عندنا .. ويستحوذون على السُلطات بأجمعها . وحتى لو كانوا يمتلكون أصلاً .. بعض الصفات الجيدة .. فأن غالبيتهم ، وبعد مُزاولة " السُلطة " لمدة .. فأنه يفقد هذه الصفات وسط خضم الإغراءات المتوالية .. ويتعود على الإمتيازات .. ويُصّدِق تدريجياً : أنه [ مُختلِف ] عن الناس العاديين .. وأن من حَقِه الحصول على مكاسب كبيرة .. وليسَ هذا فقط .. بل انه من الطبيعي ، ان يُعّين أقرباءه في المكان الذي يديره .. وينمو في خلايا مُخه ، تَصّورٌ جازم .. انهُ وعائلته وأبناءه وأقرباءه .. ليسوا مثل الآخرين .. وان هذا المنصب قد خُلِقَ له هو بالذات ! .. وأن أبناءه الحلوين ، مِثالٌ رائع للجيل الجديد ، الذي يجب ان يتحضر لإستلام المَهام في المرحلة المُقبلة .. وأن مُستشاريهِ ومُساعديهِ .. مُختارون بِدقة ، وانهم عنوانٌ للإستقامة والإخلاص والنُبل ! .

مثل هذا المسؤول .. لا تنفع معه النصيحة ، ولا الإنتقاد ولا تشخيص السلبيات .. لأنه لا يسمع إلا ما يُريد هو ان يسمعه .. فبدلاً من " دَوشة " المُنتقدين وإزعاج الناصحين .. فأنه يُفّضِل الإستماع الى المديح والثناء والنكات والتهريج ! .

  

9/2/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter