|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 11/1/ 2013                              أمين يونس                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

من وحي الثلج

امين يونس

- منذ ساعاتٍ يتساقط الثلج بغزارةٍ مُدهشة .. تُذكرني بِسِني السبعينيات ، حين كان سُمك الثلج يبلغ في كانون الثاني وشباط ، أكثر من متر .. في العمادية وسرسنك . الان في مركز العمادية ، تجاوز الستين سنتمتر ، وفي مركز دهوك وصل الى قرابة العشرين سنتمتراً .. ومازال يسقط ، إذ من المتوقع ان تتضاعف هذه الأرقام خلال الساعات القادمة .

لا أدري .. هل هي حالة فردية أم أنها غريزة عامة .. فالثلج يجلب الفرح والمرح .. وللأطفال خاصةً .. طبعاً أعني بذلك .. الأطفال الساكنين في بيوت دافئة .. حيث تتوفر وسائل التدفئة والوقود الكافي .. والطعام والشراب . حيث يخرج الكبار والصغار ، لللعب ورمي كرات الثلج على بعضهم البعض .. وسط الضحكات وإلتقاط الصور التذكارية .. ثم يصعدون في سياراتهم ، ذات الدفع الرباعي ، التي لاتعطلها الثلوج .. ويعودون الى منازلهم .. حيث الدفئ والأمان والراحة .

- لكن واقعنا ، ليسَ بهذه الصورةِ الوردية على طول الخط .. فعلى بعد كيلومترات قليلة ، من هنا حيث أسكن .. هنالك مُخيَمٌ لللاجئين السوريين .. القليل القليل منهم ، يسكنون في بيوت بسيطة .. والغالبية في خيمٍ وسط هذا الجو القارس البرودة والثلج المنهمر .. في ظروفٍ بالغة الصعوبة ولا سيما للأطفال والشيوخ والمرضى . ناهيك عن المواطنين السوريين في الكثير من المدن والبلدات السورية ، والمفتقرة الى كافة الخدمات الاساسية .. من كهرباء وماء وخبز ودواء .. وسط الدمار والخراب والعنف .. سواء من النظام او من الجيش الحُر او عصابات الجريمة المنظمة .

- نحنُ هنا في المُدن الآمنة .. نتذمرُ من تعطُل الطُرق بسبب الثلج ، وصعوبة التنقُل .. فكيف بشابات وشباب حزب العمال الكردستاني ، الرابضين في أعالي الجبال في قنديل والمناطق الحدودية وداخل تركيا ؟ حيث يلاحقهم النظام التركي بِكُل طريقة مُتاحة ، وتحاصرهم السماء بهذا الكَم الهائل من الثلوج ؟ بِغض النظر عن الإختلافات السياسية معهم .. فأن هؤلاء المُقاتلين يستحقون كُل الإعجاب والإحترام .

- في هذهِ الأجواء المناخية القاسية للغاية .. ينبغي ان ننحني تقديراً لشرطة المرور المتواجدين في الشوارع ، والدفاع المدني وسائقي الإسعاف .. وكذلك البيشمركة في رباياهم وجنود الجيش في ثكناتهم وأماكن واجباتهم الميدانية .. وعموماً الى كُل الذين " يعملون " فعلياً خارج بيوتهم ، لتأمين الخدمات والحماية لنا . لا أقصد بالطبع أقليم كردستان فقط .. بل في كُل العراق من اقصاه الى أقصاه .. بل ينبغي توجيه تحية خاصة ، للمعتصمين والمتظاهرين من أجل حقوقهم " المشروعة " في كُل مكان .

- انا جالسٌ الان .. في صالة منزلي وقربي مدفأة ، أنظر الى الثلج المتساقط بغزارة من النافذة المُطلة على الشارع .. بعد ان إطمأننتُ على عودة اولادي من دوائرهم ومدارسهم " حيث ان الكثير من الشوارع داخل المدينة قد تعذرَتْ فيها حركة السيارات " .. ولدي نفط يكفيني لعدة أيام ومواد غذائية أيضاً . فأنا عملياً .. اُمارسُ النمط البرجوازي الصغير في التفكير والتصرُف .. ذلك النهج التافه الأناني .. الباحث عن الراحة الشخصية بالدرجة الاساسية . ترى كَم طفلٍ الآن وفي هذه اللحظة ، يقشعر بدنه الصغير من البرد .. ويئن من الجوع .. هنا في مدينتي او الاقليم او العراق او المنطقة عموماً ؟ ألا أتحملُ جُزءاً من المسؤولية في تَرّدي أوضاع الفقراء والمُعدَمين ؟ هل ان التضامن المعنوي يكفي في مثل هذه الحالات ؟

..........................

انها مُجرد مراجعات ذهنية حول العدالة المفقودة .. من وحي الثلج .

 

10/1/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter