|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  6 / 10 / 2023                                علي عبدالواحد محمد                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل يتكيف الفاسدون ماليا واداريا
مع فسادهم

علي عبد الواحد محمد 
(موقع الناس)

الناس وعلى مختلف مشاربهم، يملكون قيما خاصة بهم أو توارثوها فيما بينهم، وكونت جزءا من شخصياتهم تحتم على حاملها نوعا معينا من السلوك الذي يتوائم مع هذه القيم.

وتدل بحوث ودراسات علماء الإجتماع، ومنهم علماء النفس الإجتماعي على وجه الخصوص الى إن التخلي عن هذه القيم أو الإبتعاد عنها يسبب للإنسان المعني ألما داخليا وحالة من التوتر النفسي أو من الإجهاد العقلي وعدم الراحة فإذا كان يحمل قيما إيجابية عن الأمانة والصدق والإخلاص ، وقام بممارسة أفعالا أو سلوكا يتنافى مع هذه القيم، فهو من جهه يحمل قيما نبيلة ومن جهه أخرى يمارس سلوكا يتقاطع مع هذه القيم فيصل الى حالة 
conitive dissone التنافر المعرفي .

فما هو التنافر المعرفي ؟
النظرية في علم النفس الإجتماعي صاغها عالم
 النفس الإجتماعي ليون فستنغر Leon Festinger المولود في 8 مايو 1919 والمتوفي في11 شباط 1989 والتي أطلق عليها إسم التنافر المعرفي توضح أن البشر ميالون الى خلق حالة من الإتساق الداخلي أي التوافق ما بين سلوكهم وبين القيم التي يؤمنون بها ، وعندما يحدث التناقض بين هذه القيم والسلوك الذي يمارسه الشخص ، ينتابه حالة من التنافر وعدم الإرتياح النفسي، فيلجأ الى خلق الحافز الذي يزيل هذا التنافر .(يمكن للقارئ الكريم الإطلاع على تفاصيل شرح هذه النظرية عبر اليكوبيديا)

كيفية خلق هذا الحافز الذي يعالج التنافر
إن المطلوب هو قيمة جديدة، يخلقها المرء لنفسه، وهي أما أن يقوم برفض السلوك المسبب لحالة التنافر واما أنيقوم بتبرير فعلته ويقنع نفسه بأن ما قام به من سلوك يتطابق مع مصلحته وإن القيم السابقة لم تكن لتحقق مصالحه .

ففي الحالة الأولى عندما يكون الحافز هو رفض السلوك المتنافي مع القيم المعتادة، والتمسك بهذه القيم ، فينتابه شعور بالراحة النفسية نتيجة عودته للتوازن والإتساق بين القيم والسلوك، فيسير على هذا المنوال رغم بعض حالات التحسر على فقدانه فرصة قد تبدو ثمينة ظاهريا للإستفادة الذاتية غير المقبولة إجتماعيا ، والتي رفضها أصلا.

أما صاحبنا في الحالة الثانية، الذي يكون حافزه، التكيف مع السلوك الجديدعن طريق تعديل قيمه حيث يقيم ملائمة لهذا السلوك الجديد،مع القيم و مع السعي لخلق وإيجاد المبررات التي تزين له سلوكه هذا وتلمعه له.

الفاسدون في بلادنا
يمثل الفاسدون في بلادنا وغيرها من البلدان الحالة الثانية المذكورة اعلاه فكيف تم لهم ذلك؟
في هذه الحالة يتم للفاسدين من التلاعب في قيمهم ، وخلق قيم جديدة تعيد لهم الإتساق والإنسجام مع السلوك الفاسد ولا يتوانون عن خلق المبررات والتفسيرات التي تتوائم مع وضعهم الجديد ، فكل ما مارسوه من السحت الحرام والتلاعب بالقوانين والتعليمات والتجاوز على حرمة المال العام ، وطبيعة واجباتهم الوظيفية تجد تفسيراتها عندهم بما يتلائم مع مصالحهم وسعيهم الى الإثراء على حساب المواطن والدولة ، ولم تسلم حتى التفسيرات الدينية وغيرها من تخريجاتهم ، وكل ذلك يفسر على أساس الإستحقاق الطبيعي لهم لاسيما إذا كان مقرونا بتشريعات قانونية فيصل بهم منطقهم الى أحقيتهم في الإستحواذ على كل شئ دون الشعور بالذنب . إذاً في هذه الحالة تسنى للفاسدين ومن خلال التخلص من التنافر المعرفي ومن الضيق المرافق له ، حينما مارسوا سلوكهم المشين في السرقة العلنية للمال العام ، لأنهم أولا وقبل كل شئ فكروا بتحقيق مصلحتهم الطاغية في الإثراء من هذا المال من خلال وظيفتهم الإجتماعية ، حيث طغى هذا التفكير واصبحت قيمته هي القيمة الطاغية، التي دفعتهم الى سلوك الأفعال الشائنة والى خلق التفسيرات والمبررات الملائمة لها ، فتفننوا في تحقيق الخيانة والسرقة للمال العام تحت مختلف الذرائع والحجج وبذلك تخلصوا حتى لو ظاهريا من القلق والضيق الذي تسببه الآفكار والمدارك المتناقضة .

الهوامش
الحصول على الحاجات الضرورية التي هي حاجات موضوعية ليس للوعي دخل في حدوثها مثل الحاجة للأكل والحاجة للشرب والحاجة للتنفس والحاجة للعيش ، وينعكس عن هذه الحاجات المصالح أو المصلحة ولتحقيق المصلحة يلعب الوعي دور في تحقيقها فعندما يراد الى تحقيق الحاجة للأكل يختار الأنسان وجبته المفضلة والتي يشتهيها بين مجموعة من الوجبات ، في هذه الحالة لعب الأختيار الدور المهم في تحقيق المصلحة، اي إنها خضعت لتحقيقها الى الوعي وينعكس عن هذه المصلحة ما ندعوه القيم ، التي هي تعطي التعليل الإدراكي للمصلحة ولماذا كانت بهذا الشكل وليس بغيره ، وهذه القيم تتأصل في إدراك ومعرفة الإنسان وعند تعارضها مع سلوك الفرد تسبب له الألم والضيق وما نسميه التنافر المعرفي او التنافر الإدراكي .
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter