|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  16  / 7 / 2015                                علي عبدالواحد محمد                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

من خبرة التاريخ

علي عبد الواحد محمد

المشاكل التي تواجه الإنسان كثيرة ، ومتواصلة طالما بقي هذا الأنسان على قيد الحياة ، ولذلك فأنه محتاج دائما لخبرته الذاتية في التصدي لهذه المشاكل ولخبرة الآخرين من البشر في ذلك ، وكان هذا الأمر مصاحب دائما للوجود الإنساني ولذلك فقد قيل إن الإنسان كائن إجتماعي ، وسيبقى كذلك .

فشهدت المجتمعات البشرية هذا الشكل من الحاجة المتبادلة على مر مراحل التطور ، منذ المراحل الأولى وعندما كانت المجتمعات البشرية اشبه ما تكون بقطعان الحيوانات ، كان الترابط وثيقا لا تنفصم عراه لأن فيه تكمن امكانية مواجهة متطلبات الحياة ، فخبرة الإنسان الفرد غير كافية لمنحة هذه الإمكانية ، فهو في حاجة ماسة ايضا لخبرة القطيع بأكمله لإستمرار حياته ، التعاون في داخل المجموعة البشرية، والإعتماد المتبادل بين الأفراد يبلغ ذروته كلما تخصص بعض الأفراد في اداء عمل معين دون غيره من ضمن مجموعتهم تلك ، هذا التخصص ادى الى زيادة اولية في الحصول على بعض ما يتم جنيه ، وتهيئته للآخرين ، وهي عملية اخذت وقتا غير قليل من التطور ،  لتأخذ شكلا جديدا من العلاقة والتعاون بين الأفراد على اساس ما يقدمه كل فرد من المنفعة للآخرين وما يقدمه الآخرون للفرد ، في هذا المجتمع يتحقق ، ما بمكن قوله ( الفرد للمجموع والمجموع للفرد ) .

وفي سياق سعي البشر لتلبية متطلبات حياتهم التي كانت على حافة الجوع ، وعرضة للمخاطر الأخرى التي كان الناس يتعرضون لها في اية لحظة ، صارت الحاجة ملحة لأن يتخصص الأفراد بنوع من العمل الذي يحقق الفائض من الغذاء ويحقق الحماية اللازمة للأفراد وللمجتمع ، فأثمر تعاون اعضاء المشاعة عن تقسيم للعمل اتاح لهم ذلك ، بهذا الصدد يقول ابن خلدون في مقدمته وفي الباب الأول من الكتاب الأول منها في العمران البشري " ان تقسيم العمل هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن فيها الإنسان من الحصول على ما يحتاج اليه وإن التعاون يساعد ابناء المجتمع على ان يتخصص كل منهم في اختصاص يحتاجه الآخرون ".

وفي المقدمة نفسها يشير ابن خلدون الى ان لب عملية التعاون هو التبادل . ولكي تحصل عملية التبادل لابد من ان يكون هناك تقسيم للعمل ، ولابد من وجود الفائض في المنتوج ( المحصول ) الذي بدوره يكون نتيجة مباشره لتقسيم العمل ، ومن الجدير بالملاحظة ان تقسيم العمل لم يعد قاصرا على المجموعة الواحدة فقط بل تعداه الى المجموعات المختلفة فظهرت في التاريخ مجاميع اختصت بصيد الأسماك وهي المجاميع التي سكنت السواحل ، ومجاميع إختصت بصيد الحيوانات البرية ومن ثم مجاميع تربية الحيوانات ورعيها ، والمجاميع التي تصنع الأدوات التي تحتاجها المجموعات وظهرت التجارة والمهن الأخرى ، ولم يكن هناك موانع في تكون الأختصاصات في داخل المجموعة الواحدة او بين المجموعات المختلفة .

إن هذه التجمعات البشرية التي حتمتها سنن التطور الناتجة من تزايد الحاجات البشرية في كل الظروف ، وبالأخص منها الحاجات الإقتصادية ومتطلبات البقاء على قيد الحياة ، ادت فيما ادت اليه ، مع توفر العوامل التاريخية الملازمة المتعلقة بنمط الحياة المشتركة والنفسية المشتركة وطرق توفير مواد المعيشة ( الغذاء ) المشتركة والبقعة الجغرافية المشتركة واخرها اللغة المشتركة ،الى نشوء الأمم والطبقات الإجتماعية المختلفة في الفترات الصاعدة من التطور ، والتي تمثل فيها العوامل الإقتصادية عواملا حاسمة في هذا التكون ، فبدون تنظيم الإقتصاد ما كان يمكن للحياة ان تستمر وما كان للإنسان ان يعمر الأرض ، فالتجمعات البشرية كانت نتيجة لمتطلبات المعيشة ، وبدورها التجمعات البشرية وفرت متطلبات المعيشة ، ولم تعرف البشرية في مراحلها الأولى تجمعات بشرية اخرى خارج الحاجة لإستمرار الحياة والمعيشة ، فالتجمعات مثل تجمعات الجنود كانت للدفاع عن الوجود ، ففي المراحل الأولى كان الكل يدافع عن الكل ، وفي المراحل التالية كانت التجمعات مثل تجمعات الشرطة مثلا تحمي المصالح الخاصة والمصالح العامة (في المجتمعات الطبقية التي ظهرت لاحقا نتيجة عواملها الخاصة ، تغيرت الصورة واصبح الشعار السابق ، الذي كان ، الكل للواحد والواحد للكل ، اصبح الكل للواحد فقط ).

تأريخ التطور البشري الإجتماعي يخبرنا ، بأن القرى والمدن وبالتالي الدول تبلورت بسبب العامل الإقتصادي بالدرجة الأولى ، فالقرية كان اساس تكونها التطور الحاصل في الزراعة والرعي ، وكانت المدن قد ظهرت كأسواق لتصريف البضائع ومراكزا للتبادل ، وهكذا تكونت الممالك والإمبراطوريات القديمة بضم هذه القرى والمدن الى كيان واحد ، يتبعون نفس الحاكم ونفس الآله . ويسري نفس المفعول بالنسبة للدول الحديثة التكوين ، فقلما نشاهد الآن دولة ذات تأثير في محيطها الجغرافي ، وهي تفتقر للموانئ ، والطرق التجارية البرية والأساطيل التجارية الجوية والبحرية والبرية ، ويزداد هذا التأثير ليتعدى المحيط الجغرافي ، عندما تكون هذه الدولة تتمتع بالقدرات المالية والصناعية وتمتلك مواردا من المعادن والزراعة والمكتشفات العلمية ، ومن التطور في مجال البحوث الطبية والفضائية وغيرها ، فتأثير الدول الآن يحسب بمقدار تأثيرها في التطور العلمي والتكنولوجي والإقتصادي العالمي ، ولا يحسب على اساس طائفية الدولة ولا على اساس قوميتها، ولا حتى على اساس دينها .


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter