| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

االأثنين 30 /7/ 2007

 


 

شهادة على زمن عاصف
الجزء الأول

عبد الرزاق الصافي

الحلقة الثانية


كربلاء... حصن لم تخترقه الشيوعية
يستهل الصافي الفصل الثاني «سنوات الدراسة الثانوية» بقصة عن الملك فيصل الأول عندما زار كربلاء والنجف بعد تنصيبه ملكاً على العراق عام 1921، وسأل وجهاء كربلاء وعلماءها عما يطلبونه للمدينة، فكان طلبهم «تعمير العتبات المقدسة»، ولما توجه بالسؤال نفسه في النجف كان الجواب: «نريد مدرسة ثانوية».

ازدهار المسرح الطلابي
ويقول الصافي: «هكذا كانت مدرسة ثانوية النجف من بين أولى الثانويات في العراق، في حين ظلت كربلاء، وهي مركز اللواء (المحافظة) من دون ثانوية كاملة حتى أواسط الأربعينات. وكان خريجو مدرستها المتوسطة يتوقفون عن مواصلة الدراسة الثانوية، إلا ما ندر، حيث يذهب المتمكنون منهم لإكمال دراستهم الثانوية في النجف أو بغداد، أو يلتحقون بدور المعلمين الابتدائية والريفية. وكان من بينهم أخي عبد اللطيف الذي أكمل دراسته الثانوية في بغداد والتحق بكلية الهندسة بعد ذلك ليصبح مهندساً، وعمي جعفر الذي التحق بدار التدريب الرياضي ليتخرج معلماً للرياضة. دخلت الصف الأول في ثانوية كربلاء في العام الدراسي 1943 ـ 1944. وكان من بين مدرسينا المتميزين المتخرجين من دار المعلمين العالية (كلية التربية في ما بعد) الأستاذ عباس علي القره غولي الذي صار في ما بعد من أشهر مدرسي اللغة العربية في العراق. وكان جم النشاط، فإلى جانب اهتمامه بالتدريس قام باختيار مسرحية عراقية مثلها الطلبة، وقدمت على المسرح للجمهور، وأدى دور البطلة فيها حيدر عبد المجيد، ودور البطل رضا مرتضى، ومثل شهاب أحمد الكروي دور (بيبي خجاوي) وهي جدة بغدادية، فقد كان الوضع الاجتماعي في كربلاء لا يسمح بصعود بنات المدينة إلى المسرح، وأحسب أنه مازال حتى الآن كذلك مع الأسف! ولذا يقوم الرجال بتمثيل أدوارهن. وكان من بين من مثلوا أدواراً نسائية الفنان بدري حسون فريد في مسرحية (شمعدانات الأسقف) المقتبسة من بؤساء هوغو، وكذلك دور ليلى في رواية (مجنون ليلى) لأحمد شوقي اللتين أخرجهما الأستاذ مهدي جاسم في أواسط الأربعينات، وذلك في النشاط الفني الذي كان يقام خلال الدورة الصيفية التي كانت تنظم في تلك الأعوام. وكذلك الأستاذ إسحق الجواهري الذي درسنا الحساب، وكان من أصعب الدروس في الصف الأول، وتولى تدريس الرياضة في الثانوية عمي جعفر الصافي، رغم كونه معلماً وفق شهادته من دار التدريب الرياضي، وهي تعادل دار المعلمين الابتدائية، غير أن اختصاصه أهّله لشغل موقع مدرس الرياضة في الثانوية لعدم وجود من هو أجدر منه. ولذا أرجع المعلم حسن صفائي من تدريس الرياضة في المتوسطة ليكون معلماً لها في المدرسة الابتدائية الأولى. وبسبب نقص ملاكات التدريس وقتذاك، كانت وزارة المعارف العراقية تستعين بالمدرسين المصريين، وخصوصاً لتدريس اللغة الإنكليزية والعلوم، ولذا لم يخلُ عام من أعوام دراستي الثانوية من وجود مدرسين مصريين كانوا أهلاً لمهمتهم وجديرين بالحب والاحترام».
ويضيف الصافي: «في تلك الأعوام جاء إلى إدارة المدرسة الثانوية بعد الأستاذ صادق الحكيم، الأستاذ سامي الهلالي، وهو الأخ الأكبر لعبد الرزاق الهلالي الذي عمل في وزارة المعارف، ومن ثم في البلاط الملكي، وبرز في مجال التأليف. وجاء الأستاذ سامي الهلالي إلى كربلاء، على ما قيل يومذاك، (منفياً) بعد أن كان مديراً لثانوية البصرة، وذلك بسبب ميوله الديموقراطية، ولاصطدامه بعدد من المسؤولين الحكوميين في البصرة الذين طلبوا نقله.
اهتم الأستاذ سامي الهلالي بتعزيز مكتبة المدرسة وتشجيع الطلاب على المطالعة، وكان وراء تزويدها ببعض الكتب التقدمية، وكان ظريفاً وكثيراً ما داعب الأستاذ عباس علي القره غولي البغدادي برواية نكات عن البغداديين للطلاب قاصداً إثارته. وأتذكر أنه خطب فينا نحن طلبة الثانوية يوم انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا في التاسع من أيار 1945، وكنت يومذاك في الصف الثاني المتوسط، قبل أن ننطلق في مظاهرة موصى بها من السلطات العليا لإعلان البهجة بانتصار الحلفاء على دول المحور: ألمانيا وإيطاليا. ومما قاله في خطابه: ها قد انتهت الحرب بهزيمة ألمانيا النازية وسقوط هتلر، فلا داعي بعد الآن لتلطيخ جدران المراحيض بشعارات (يعيش هتلر) أو (يسقط تشرتشل)! وعلى ذكر يوم الانتصار على الفاشية والمظاهرة الطلابية التي نظمتها مديرية المعارف، وجاءت بالطلبة المبرزين وزودتهم بقائمة هتافات ليرددوها في المظاهرة، فكانوا يقرأونها من القائمة أثناء الهتاف، فقد فرحنا بتعطيل الدروس في ذلك اليوم الربيعي، والخروج إلى الشوارع».
ويتابع: «كان مرشد صفنا عندما كنا في الصف الثالث المتوسط الأستاذ ضياء الخزرجي الذي كان يمتاز بطيبته الشديدة وحبه لمهمته التعليمية. ولتقديرنا له ألححنا على توثيق إرشاده لصفنا بصورة تذكارية في أبريل 1946 هي الوحيدة من نوعها طوال أعوام دراستنا الثانوية. وكان الأستاذ الخزرجي والمدير سامي الهلالي كثيراً ما يختلفان وتصل الأمور بينهما حد القطيعة، وعدم تبادل التحية بينهما، فيتولى عمي جعفر مدرس الرياضة مصالحتهما عن طريق دعوتهما لتناول الغداء في بيتنا! أما المدرس الذي ترك أكبر الأثر في نفسي طوال سني الدراسة الثانوية فهو الأستاذ محمد السماوي الذي درسنا الجغرافيا وأحوال العراق والاقتصاد السياسي، (وصار بعد ثورة 14 يوليو 1958 مديراً للمعارف في كربلاء)، فقد كان حريصاً غاية الحرص على تطوير معارفنا، واهتم بالنشاط الاجتماعي اللاصفي، وإصدار النشرات الحائطية التي يحررها الطلبة، وإثارة المنافسة الإيجابية في ما بينهم، وكان من المبرزين في هذه النشاطات خصوصاً النشر: نزار كاظم الحسن الحلي؛ وصالح جواد طعمة؛ وعبد الباقي رضا؛ ومحمد جواد رضا؛ وزكي الحمداني...وغيرهم».

نقد بلا خوف
ويذكر الصافي «أنه من الفعاليات التي لا تُنسى والتي نظمها الأستاذ السماوي بالتعاون مع الأستاذ جعفر الصافي سفرة في عيد الأضحى في السنة الدراسية 1945 - 1946، وكنت يومذاك في الصف الثالث المتوسط، إلى البصرة ومنها إلى العمارة ثم الكوت فبغداد وعدنا منها إلى كربلاء، وكانت السفرة نافعة جداً في توسيع آفاقنا وفي تعريفنا بأجزاء عزيزة من الوطن. ومن لياليها الممتعة لقاؤنا بطلبة ثانوية العمارة وأساتذتها وبمبدعيها الشاعر الشعبي عبدالله جويعد، والمغني البارع عبدالرحمن شمسي الذي أصبح في ما بعد يلقب بلبل الجامعة. وكانت السفرة فرصة لمشاهدة (الگاري) واستعماله قبل إحالته إلى التقاعد في ذلك العام. كما أتيحت لنا فرصة زيارة المتحف العراقي والقصر العباسي الذي كان يعاد إعماره وقتذاك. ومن الطريف أن الأستاذ السماوي كان لا يتكلم في الصف بغير اللغة العربية الفصحى، وكان هذا الأمر موضع مداعبة له في الحفلات الطلابية عندما يجري تقليد الأساتذة من بعض الطلبة البارعين في ذلك، ويتقبل المداعبة هو والأساتذة الآخرون بروح طيبة.
وعلى ذكر هذا، وللمقارنة أذكر، أن الأستاذ الوحيد الذي كان يتكلم باللغة العربية الفصحى أثناء إلقاء محاضراته في كلية الحقوق في أوائل الخمسينات كان الدكتور مصطفى كامل ياسين، وقد اعترضت على ذلك الزميلة صبيحة المدرس، وهي من المذيعات المعروفات، وكانت من دورتنا في الكلية، فما كان من الدكتور مصطفى إلا أن قال لها: (إذا لم نتحدث بالعربية الفصحى في الصف الرابع في كلية الحقوق فأين نتحدث بها؟).
وكان الأستاذ السماوي يتقد وطنية ووعياً ونزاهة، وقد تفجر غضبه مرة لأن الوصي عبد الإله ذهب على حساب الدولة ليشرف على إدخال الملك فيصل في كلية هارو في بريطانيا. وقال في الصف من دون خوف أو وجل: (ما شغل السفارة العراقية في لندن إذاً؟ وما هو شغل الملحق الثقافي فيها، إذا كان إدخال الملك فيصل في كلية هارو يحتاج إلى أن يذهب الوصي بنفسه لإنجاز هذه المهمة، وصرف مبالغ طائلة على حساب الشعب؟). ولا بد لي وأنا أتحدث عن أساتذتي في تلك الفترة أن أذكر أستاذاً آخر لي خارج المدرسة هو الشيخ عباس الحائري، الذي كان يعمل بزازاً (بائع قماش) في سوق العرب، ويشغل دكاناً كان تحت تصرف عائلتنا، وسبق لوالدي أن عمل فيه أيام شبابه، ذلك أن والدي طلب إلي الدوام في الدكان خلال العطلة الصيفية في العامين الأوليين من دوامي في الثانوية لإبعادي عن (اللعب في الدروب)، على حد قوله».

ذكريات مع شيخ
ويشير الصافي إلى «أن الشيخ الحائري يتلقى دروساً في اللغة والشريعة في مدرسة حسن خان الدينية قبل مجيئه إلى متجره في الصباح، وأنا أعده أستاذاً لي بسلوكه ونزاهته وحبه للخير، ومرحه الكثير، رغم العمامة، فقد كان دكانه ملتقى شبيبة السوق، وبلغ من تحرره أنه كان يرافق هؤلاء الشبيبة في كرة القدم والسباحة. وأتذكر أنه التحق بمدرسة مسائية في الصف الخامس الابتدائي، هو وزميل له فقير ممن يدرسون معه العلوم الدينية في مدرسة حسن خان يتقاضى مساعدات مالية بسيطة من المشرفين على هذه المدرسة شأن طلبة الحوزات العلمية. ولما علم هؤلاء المشرفون بما أقدم عليه الشيخ عباس وزميله استشاطوا غضباً، ومنعوهما من مواصلة الدراسة في المدرسة المسائية الحكومية التي تدرّس العلوم الحديثة، وهددوا بقطع المعونة المالية عن زميله إن لم يكف عن الدوام في المدرسة، فاضطر للانسحاب لفقره، وعدم استطاعته الاستغناء عن المعونة، بينما واصل الشيخ عباس دراسته في المدرسة الحكومية لأنه لا يتسلم معونة ولأنه مقتنع بصحة ما يقوم به. وقال لي: (عجيب أمر هؤلاء، إذ يمنعوننا من تعلم أشياء تبين عظمة الباري عز وجل في خلقه للإنسان)، مشيراً بذلك إلى درس الأشياء والصحة الذي يتحدث عن جسم الإنسان وأجهزته ودماغه...».
ويقول الصافي: «بقيت صديقاً لأستاذي الشيخ عباس أزوره من آن لآخر، حتى عندما تركت المدينة للالتحاق بالدراسة في كلية الحقوق في بغداد في العام الدراسي 1948 ـ 1949. وأتذكر أنني زرته مرة، بعد أن صرت معروفاً في المدينة على نطاق واسع بأنني شيوعي. سألني بقلق: (هل صحيح أن الشيوعيين إباحيون، كما يُقال عنهم؟)، فقلت له: (أنت تعرفني جيداً، فهل يمكن أن أكون كذلك؟)، قال: (لا). فقلت له: (كن على ثقة أن رفاقي هم مثلي). وأحسست أنه صدّق ما أقول وفرح بذلك. وعند وفاة والدي في 28 سبتمبر 1954 شارك الشيخ عباس في التشييع، وحضور مجلس الفاتحة، وتقدم إلي بنصيحة ثمينة قائلاً: (إن خيرا ما تصنعونه لأبيكم هو إيفاء الديون التي عليه، وأنا أعرف عدداً لا بأس به ممن هو مدين لهم، ومستعد للاتصال بهم، وإعداد قائمة بذلك). شكرته من صميم قلبي على نصيحته واستعداده. وطلبت منه أن يشرع في الحال في إعداد القائمة، ولم ينته مجلس الفاتحة الذي استمر ثلاثة أيام كما هي العادة، حتى كانت القائمة حاضرة. وأتذكر جيداً أن مجموع الديون لم يكن يزيد على 102 دينار عراقي لعشرات من الناس، ما بين عطار وبقال وبائع قماش وغيرهم. فسلمته ما معي من نقود كدفعة أولى، على أن يسدد الباقي من إيجار الدكان، وقام بالمهمة خير قيام. ونقل إلي فرح بعض الدائنين الذين استغربوا الأمر، وتسديد ديون حسبوها ميتة، وتساءلوا عمن بادر لدفعها فأخبرهم أنهم أولاد المرحوم».
ويوضح الصافي «أنه في أواسط الأربعينيات نظمت وزارة المعارف دورات صيفية لطلبة المدارس الثانوية تضم برامج رياضية وفنية من رسم وخط ونحت ومسرح وسباحة بالإضافة إلى الحفلات الترفيهية، وكانت هذه الدورات تنتهي بمخيمات تشارك فيها مجموعات محدودة من كل لواء (محافظة). أقيم المخيم الأول صيف عام 1944 في سرسنك حيث كان الوصي عبدالإله يقضي بعض أيام الصيف. وحضر بعض حفلات المخيم الذي كان يشرف عليه عبد الرزاق الهلالي، ولربما كان تعرف الوصي عليه هو الذي فتح الطريق للهلالي ليكون من موظفي البلاط بعد ذلك، وكان من أبرز نشطاء المخيم في هذه الحفلات فخري الزبيدي الذي كان طالباً يومذاك. وأقيم المخيم الثاني في ساحة الكشافة ببغداد صيف عام 1945، وقد أتيحت لي فرصة المشاركة فيه وزيارة بغداد والتعرف على بعض معالمها، وهو ما لم يتح لي في زيارتي الأولى مع جدي التي سبق ذكرها. فلم تكن محلة الدهانة التي شاهدتها في المرة السابقة ببيوتها وأزقتها وأسواقها لتختلف كثيراً عن كربلاء، غير أن المخيم الذي أقمنا فيه هذه المرة كان في ساحة الكشافة، وهي - كما هو معروف - ملعب كبير ذو مدرجات واسعة، لم أر مثله قبلاً. وكنا نسبح في مسبح دار التدريب الرياضي المجاور لساحة الكشافة وهو أمر جديد علينا، إذ كنا نسبح في كربلاء في جدول صغير هو نهر الحسينية الذي لا يزيد عرضه على بضعة أمتار وعمقه عن متر ونصف المتر إلى مترين. وأتيحت لنا فرصة الذهاب إلى قلب بغداد النابض شارع الرشيد بصخبه ومتاجره ومكتباته ومقاهيه، مروراً بشارع الإمام الأعظم وبيوته المتميزة بالطراز الجديد الذي صارت تبنى به البيوت في عشرينات القرن العشرين وثلاثيناته وساحة باب المعظم حيث تقع المكتبة العامة وقاعة الملك فيصل الثاني (قاعة الشعب في ما بعد)، ومدخل وزارة الدفاع الفخم والميدان حيث يرقد طوب (مدفع) أبو الخزامة، وصولاً إلى جامع الحيدر خانة وساحات بغداد وجسريها الحديديين على نهر دجلة الرائع الذي لم تسبق لي رؤيته، وغيرها من معالم بغداد التي تبهر أنظار الصبيان الذين جاؤوا من مختلف المدن العراقية».

زملاء الدراسة
ويلفت الصافي إلى «أن أهم فعاليات الدورتين الصيفيتين المذكورتين هي المسرحيات التي سبق أن ذكرتها، وكذلك مشغل الرسم الذي كان يشرف عليه الأستاذ الشاعر مظهر أطيمش، والحفلات الترفيهية في الأماسي إلى جانب الرياضة والفروسية والسباحة. وكان من الفعاليات الجميلة في الحفلات الترفيهية طيلة أيام الدراسة الثانوية التمثيليات الهزلية التي كان يقدمها الثنائي المبدع: عزيز صادق وشهاب أحمد الكروي. ومن الذين لمعت أسماؤهم من طلبة ثانوية كربلاء في ما بعد في الحياة السياسية والثقافية والفنية والاقتصادية: الدكتور سعدون لولاح الذي صار يعرف بسعدون حمادي، إذ أكمل دراسته الجامعية الأميركية في بيروت ونال الدكتوراه في أميركا وعمل في الصحافة بعد ثورة 14 يوليو 1958، إذ رأس تحرير جريدة الجمهورية التي استولى عليها عبدالسلام عارف، واستوزر بعد انقلاب فبراير 1963 وانقلاب 7 يوليو 1968 وشغل وزارات الإصلاح الزراعي والنفط والخارجية، ورئاسة الوزراء في أعقاب قمع انتفاضة مارس 1991 المجيدة. وكان آخر منصب له هو رئيس ما يسمى المجلس الوطني في نظام صدام حسين حتى انهياره في التاسع من أبريل 2003 . والأستاذ بدري حسون فريد الذي درس الحقوق في بغداد، وبرز في مجال التمثيل المسرحي، ودرّس في كلية الفنون الجميلة بعد تخرجه في إحدى الجامعات الأميركية حيث درس فن التمثيل. ورجل الأعمال جاسم محمد الباقر الذي قطع دراسته في كلية التجارة والاقتصاد في بغداد لينصرف إلى ميدان رجال الأعمال الذي حقق فيه نجاحاً مرموقاً في اليابان والكويت ولبنان وأخيراً في البرتغال. والدكتور عباس النصراوي الذي أكمل دراسته الجامعية في كلية التجارة والاقتصاد في بغداد، ونال شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات الأميركية، وعمل في وزارة المالية بعد ثورة 14 يوليو 1958 ثم غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية للتدريس في إحدى جامعاتها، وبرز في مجال البحث في الاقتصاد العراقي وأصدر الكثير من الأبحاث والكتب في هذا المجال. والدكتور كاظم حبيب الذي أكمل دراسته الجامعية في جمهورية ألمانيا الديموقراطية، ونال فيها شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، ودرّس الاقتصاد في جامعة بغداد في السبعينيات من القرن الماضي، وعيّن في المجلس الزراعي الأعلى لإبعاده عن التدريس، وهو مؤلف غزير الإنتاج في المجالات الاقتصادية والسياسية والتاريخية، وشغل مراكز قيادية في الحزب الشيوعي العراقي. والدكتور إبراهيم محمد حسين فرج الذي أكمل دراسته ونال شهادة الماجستير في أميركا والدكتوراه في الهندسة في بريطانيا، ودرّس في كلية الهندسة في جامعة بغداد. والدكتور محمد رضا علي الذي أكمل دراسته الجامعية ونال شهادة الدكتوراه في الهندسة في إحدى الجامعات البريطانية، ودرّس في كلية الهندسة في جامعة بغداد، وله اهتمامات فنية في مجال الرسم. وصادق الخطيب الذي أكمل دراسة الحقوق في بغداد ومارس المحاماة في كربلاء وصار رئيساً لبلديتها لبعض الوقت».

مبادرة «شيوعية»!
يقول الصافي: «رغم أن الحزب الشيوعي العراقي بدأ يتحول إلى حزب جماهيري منذ أواسط الأربعينيات، وتمتد منظماته إلى مختلف أنحاء العراق، وتصل نشراته وبياناته إلى عشرات الآلاف، ظلت كربلاء خالية من أي تنظيم شيوعي، في تلك الأعوام. وفي العام 1945 قام حسن النقّاش، وهو شاب من أسرة حرفيين كسبوا لقب النقّاش، لأنهم كانوا يمتهنون النقش على النحاس، قام بالتعاون مع مواطن آخر هو محمد علي الملقب بابن الحبوبة (والحبوبة هي القابلة) بإعداد بيان يتحدث عن فضائل الشيوعية ويدعو لاعتناقها، ولطبع البيان بنسخ عدة استعانا بمكتب لطبع العرائض لصاحبه السيد جعفر العادلي، يحوي آلة طابعة يعمل عليها العادلي لقاء أجور. وبعد طبع البيان قام النقّاش وزميله بتوزيعه، عن طريق إرساله بالبريد، على عدد من الناس الذين حسبوهم مؤثرين، أو يمكن أن يكونوا مؤثرين، ومنهم عباس مال الله، وهو رجل أمي، صاحب مقهى معروف في محلة باب العلوة، التي تحول اسمها في ما بعد إلى محلة باب بغداد. ونظراً إلى أن الشيوعية والدعوة إليها ممنوعة بنص في قانون العقوبات البغدادي، وتصل عقوبتها إلى الإعدام، إذا ما توجهت الدعوة إلى أفراد الجيش والقوات المسلحة، فقد ألقي القبض على الثلاثة وسيقوا إلى المحكمة بتهمة ترويج الشيوعية، ولم يكن صعباً على الادعاء العام التابع لدوائر الأمن، إثبات الواقعة لوجود المستمسك المادي، ولذا فقد حكم على حسن النقّاش بالسجن ثلاثة أعوام، باعتباره محرر البيان، وعلى محمد علي بالسجن عامين، وجعفر العادلي عام واحد لمساهمتهما في (جريمة ترويج الشيوعية). وخرج المحكومون تباعاً بعد قضاء محكومياتهم في السجن، وكان آخرهم حسن النقّاش الذي أنهى محكوميته عام 1948، غير أنه بدلاً من أن يبقى في الوطن، ويواصل ما بدأه بإعداد البيان، سواء أكان ذلك بشكل مستقل، أم بأن يجد طريقه إلى الحزب الشيوعي العراقي، الذي توسع نشاطه وكانت محاكمة الرفيق فهد ومجموعة كبيرة من كوادر الحزب وقادته عام 1947، التي كانت وقائعها تنشر في الصحف، قد عرفت الرأي العام العراقي أكثر بالحزب وأهدافه، أقول بدلاً من ذلك ترك النقّاش الوطن، وذهب إلى إيران».
ويضيف الصافي: «أتذكر جيداً أن أخي عبد اللطيف، وكان شيوعياً مرتبطاً تنظيمياً في بغداد، سألني في النصف الثاني من عام 1948: (من هو حسن النقّاش، وهل أعرف شيئاً عنه) وذلك لأن أخي لم يكن في تلك الأعوام في كربلاء، بل يدرُس في بغداد منذ العام الدراسي 1942 - 1943 لإكمال دراسته الثانوية ومن ثم في كلية الهندسة فأخبرته بما أعرف. وفي ما بعد علمت أن حسن النقّاش، كان قد اجتاز الحدود الإيرانية - السوفياتية طالباً اللجوء السياسي، ولا بد أنه قدّم نفسه باعتباره من أنصار الشيوعية وأنه حكم بسبب ذلك. وأفترض أن الرفاق السوفيات سألوا الحزب الشيوعي العراقي عنه، ويقيناً أن الجواب ساعده على تلقي الدعم والمساعدة من السلطات السوفياتية، إذ علمت أنه أكمل دراسته العليا هناك. والغريب أنه لم يرد له ذكر بعد ذلك، رغم كل ما جرى في العراق، وخصوصاً في أعقاب انتصار ثورة 14 يوليو 1958، وظهور الحزب الشيوعي العراقي إلى العلن، وكثرة الوفود الشيوعية العراقية إلى الاتحاد السوفياتي ومئات، وربما آلاف، الطلبة العراقيين في جامعات الاتحاد السوفياتي، والنسبة الأكبر بينهم من الشيوعيين وأصدقائهم. ولا يفوتني أن أذكر أن أخا حسن النقّاش، إبراهيم النقّاش أظهر عواطفه الحارة تجاه ثورة 14 يوليو 1958 بإهدائه صينية نحاسية إلى محكمة الشعب، تحوي نقوشاً عن وقائع الثورة، ومن بينها محكمة الشعب، علماً بأنه لم يكن له أي نشاط ظاهر قبل الثورة، ولم تكن له صلة بأي تنظيم على ما أعرف».

«مزار» جديد في كربلاء!
يذكر الصافي «أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية أو بعدها بقليل، أي في ربيع عام 1945 أو عام 1946 شهدت مدينة كربلاء حادثاً ذا دلالة. فقد زعم شخصان أنهما اكتشفا قبراً لأحد أبناء الإمام الحسن العسكري الإمام الحادي عشر عند الشيعة الاثني عشرية، في مكان يقع على الطريق بين كربلاء وبغداد، الذي لم يكن غيره يومذاك في ناحية الحسينية على بعد بضعة كيلومترات عن المدينة، ويمكن الوصول إليه سيراً على الأقدام بمحاذاة جدول (الحسينية). لقد كان اختيار الوقت (الربيع) والمكان في بستان قريب من الطريق العام، في منطقة كلها بساتين موفقاً في استجلاب أنظار أهالي كربلاء للحدث. وسرعان ما أطلقت الشائعات عن (كرامات) هذا الابن، أي ابن الإمام الحسن العسكري. وانهال الناس على زيارته، وتقديم النذور والذبائح طلباً لبركاته وكراماته. ولم يمض وقت طويل حتى جرى الانتباه إلى حقيقة أن الإمام حسن العسكري، حسب ما هو معروف ومتداول عند الشيعة الاثني عشرية، ليس له من الأولاد غير ابنه محمد، وهو المهدي المنتظر، الإمام الغائب الذي ينتظر الشيعة ظهوره بعد غيابه الطويل ليملأ الأرض عدلاً وخيراً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. كما أن خلافاً دب بين الشخصين اللذين ادعيا اكتشاف القبر حول قسمة الموارد الجديدة، مما أدى إلى إلقاء القبض عليهما والتحقيق معهما. وظهر أثناء التحقيق أنهما زورا شاهد القبر الذي هو قطعة رخام مكتوب عليها بالخط الكوفي ما أرادا خداع الناس به، ولذا جرت إحالتهما إلى المحكمة بتهمة النصب والاحتيال، وحكم عليهما بالسجن جراء إقدامهما على هذه الفعلة النكراء.
وبعد اكتشاف هذه الواقعة، تساءلنا ونحن فتيان في بدايات الوعي، ماذا لو أن هذين المحتالين لم يخطئا هذا الخطأ الفاضح، باختيار من زعموا أنه ابن الإمام الحسن العسكري، واختارا واحداً من أبناء إمام آخر معترف بوجوده، ولا يعرف مكان قبره؟ ألم يكن من الممكن أن يكون بعد فترة قصيرة أو طويلة مزاراً محترماً يحظى بمقام كبير، من ضريح تعلوه قبة فخمة، ومنائر عالية، ويحوطه صحن واسع، تشد إليه الرحال وتقدم إليه النذور لينعم بها سادنه وخدام روضته؟ وكم من قبور ومقامات لـ(أولياء) في طول البلاد الإسلامية وعرضها، ربما كانت على هذه الشاكلة؟».

الرأي العام الكويتية - 8/7/ 2007

يتبع

¤ الحلقة الأولى