|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 19/9/ 2012                                 عبدالرزاق الصافي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 ترليون من نوع آخر!

عبد الرزاق الصافي

قبل حوالي العامين او اكثر كتبت مقالاً علقت فيه على ما اعلنته وكالة الطاقة الدولية من ان دخل دول منظمة اوبك لذلك العام ستبلغ ترليون دولار اذا واصل سعر برميل النفط مستواه فوق المئة دولار.ولا شك ان حصة الاسد من هذا الترليون هي من نصيب الدول العربية المنتجة للنفط. وقد استمر سعر البرميل فوق المئة دولار في العامين الماضي والحاضر. وها نحن في الثلث الاخير من هذا العام وما زال سعر البرميل فوق المئة دولار . وكنت تساءلت في المقال عما اذا كانت تلك الموارد النفطية الهائلة ستغير من اوضاع شعوب بعض البلدان المنتجة للنفط في ظل ما تعانيه هذه البلدان من فساد ونهب لمواردها من قبل الطغم الحاكمة المستبدة الفاسدة . واستذكرت في نهاية المقال بيت شعر قديم يقول :

قليل المال تصلحه فيبقى / ولا يبقى الكثير مع الفساد.

وقد جاءت اخبار هذا الشهر لتؤكد ما ذهب اليه الشاعر. إذ ذكر خبراء يستعين بهم البنك الدولي ان خسائر دول الربيع العربي والعراق من الفساد تبلغ ترليون دولار . وهو ما جعلني اعنون هذا المقال بـ"ترليون من نوع آخر". وورد في تفاصيل هذه الخسائر ان حجم الاموال المنهوبة من مصر على مدى ثلاثين عاماً من حكم مبارك تُقدّر بأكثر من مئة مليار دولار. ويقدّر حجم الاموال التي نهبت من دول الربيع العربي والعراق في عهد صدام حسين بما لا يقل عن ثلاثمئة مليار دولار تم سحبها من اقتصادات ست دول عربية هي مصر والعراق وتونس واليمن وليبيا وسوريا . وكان يمكن لهذه الأموال لو جرى استثمارها في التنمية البشرية والصناعية والبنى التحتية ان تزيدالناتج القومي على مدى الاعوام الاربعين المنصرمة بأكثر من ترليون دولار.

وتقول التقارير التي نشرت في الاعلام عن هذا الموضوع ان حجم الاموال التي هربها القذافي واولاده وحاشيته لا يعرف حتى الآن . ولكن هيئات مالية دولية افادت بأن رقم اربعين مليار دولار "متواضع"وان رقم خمسين مليار دولار ممكن تحقيقه بسهولة . وتشير المعلومات المتوفرة ان حجم الاموال "المفقودة " في تونس ، وهي بلد فقير وغير ذي موارد نفطية بلغت في عهد زين العابدين بن علي ، ما يزيد على الخمسة عشر مليار دولار. وكذلك حال اليمن إذ تردد ان ثروة الرئيس علي عبد الله صالح وابنائه ومساعديه تقارب الخمسة عشر مليار دولار . وفي سوريا تتحدث اوساط المعارضةعن نهب منظم لموارد الدولة منذ العام 1970 عبر سلسلة استثمارات خارجية سجلت بأسماء رجال اعمال موالين للنظام او حتى من ابناء النظام نفسه.وقدرت الاموال المغسولة للنظام على مدى الاربعين عاماً الماضية بين ثلاثين واربعين مليار دولار.

اما العراق في عهد النظام الدكتاتوري المنهار فقد جرى اقتطاع ما يزيد على الاربعين مليار دولار تم توظيفها خارج العراق عبر سلسلة استثمارات سرية لم يتم تجميدها او لم تستطع الحكومات العراقية المتعاقبة ان تسترد اجزاء منها. ويبدو ان هذا الرقم الذي تذكره هذه التقارير متواضع جداً . فمن المعروف ان الخمسة بالمئة التي كانت حصة كولبنكيان من موارد النفط العراقي صارت تذهب الى حزب البعث ،اي صدام وطغمته، في حسابات سرية غير معروفة في الخارج .

اما في ظل النظام الجديد الذي اعقب سقوط النظام السابق فإن هدر الاموال ونهبها فقد فاق التصور . وصارت الاموال التي تهدر وتسرق و"تضيع" بعشرات المليارات في ظل الادارة الامريكية ايام بريمر وبعد ذلك . ولعل آخر ما جرى الحديث عنه هو اختفاء اربعين مليار دولار ايام بريمر لم يعرف مصيرها حتى الآن ، فضلاً عن المليارات التي اهدرت في العقود الوهمية وفي استيراد معدات غالية الثمن لتحسين الكهرباء تركت في العراء لتتلف وغير ذلك من الفضائح التي تزكم روائحها الانوف .

وهكذا يثبت ان الاستبداد والفساد وجهان لعملة واحدة وما لم يجرٍ التخلص منهما سيظل المال العام نهباً للطغاة والفاسدين ويظل ابناء الشعب يعانون الفقر والبطالة وضعف الخدمات وتظل صيغة الشعب الفقير في البلد الغني مستمرة حتى يتمكن الشعب من التخلص من الطغاة والفاسدين.
 

لندن 11/9/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter