|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الاربعاء 14/11/ 2012                            عبدالرزاق الصافي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 تخبّط !

عبد الرزاق الصافي

لعل ادق وأصدق وصف للحالة التي تعيشها الحكومة العراقية هو الذي قاله نائب في احدى الكتل التي تتشكل منها الحكومة عندما قال انه تخبط. فهذه الحكومة التي تتألف من كل الكتل الكبيرة في البرلمان حكومة من نوع خاص، تكاد لا تشبه اية حكومة اخرى . فهي كما قلت تشترك فيها كل الكتل البرلمانية بحيث لم يعد في العراق معارضة برلمانية كما هو الحال في كل برلمانات العالم . ومع ذلك فإن بعض الكتل البرلمانية المساهمة في الحكومة تقوم بدور المعارضة رغم مشاركتها في الحكومة بنسبة كبيرة من اعضاء الوزارة. الامر الذي اعترف به وشكا منه رئيس الوزراء!

والتخبط الذي تحدث به النائب المذكور ليس جديداً. ولكنه بلغ في الاسابيع الأخيرة مستوى لم يسبق له مثيل طيلة السنتين ونصف منذ انتخابات ربيع 2010. فمنذ ما يزيد على الخمسة اشهر تفشل هذه الكتل ورؤساؤها في الاتفاق على عقد اجتماع للتداول في موضوع الأزمة المستعصية التي تعيشها الحكومة . الازمة التي تحولت من ازمة حكومة الى ازمة النظام الذي اقيم على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية . وعَجَزَ رئيس الجمهورية عن ان يجمع ممثلي الكتل واطراف الصراع، او على الأقل الرئاسات الثلاث:الجمهورية والبرلمان والحكومة لتدارس كيفية الخروج من الازمة.

وبسبب من هذه الحالة يكاد عمل الحكومة يصيبه الشلل وكذلك حال البرلمان الذي عجز عن تشريع القوانين المهمة التي يحتاجها الوطن : قانون النفط والغاز الذي ينظم كيفية ادارة الثروة التي تعتمد عليها ميزانية الحكومة بما يزيد على التسعين بالمئة . وقانون الاحزاب الذي يصعب من دون تشريعه اجراء انتخابات نزيهة وشفافة . وقانون انتخاب ينسجم مع الدستور ويلغي ما يتعارض معه كالقانون الذي سنه البرلمان ليشرعن سرقة اصوات الناخبين التي جرت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة . وقانون المحكمة الاتحادية العليا التي تفصل في دستورية القوانين ومدى التزامها بإحترام الحقوق الديمقراطية للشعب.وكذا الحال بالنسبة الى تنظيم احصاء سكاني دقيق لكي يجري الاعتماد عليه في تنظيم الانتخاب وحصة الاقليم من الميزانية العامة للدولة وخطط التنمية وغيرها من الامور.

وبلغ التخبط في الايام الاخيرة مستوى لم يسبق له مثيل . فقد ذهب رئيس الوزراء على رأس وفد كبير لتوقيع اتفاقيات تسلح مع روسيا وجيكيا بما يزيد عن خمسة مليارات دولار ، ولكنه ما ان وصل بغداد عائداً من جولته حتى جرى الاعلان عن الغاء الصفقة مع روسيا لما شابها من فساد. غير ان وزير الدفاع بالوكالة اعلن ان الصفقة لم تلغَ! وأشغلت الحكومة الناس بالحديث عن وجود فساد في البنك المركزي وجرى التشهير بمحافظ البنك المركزي المشهود له بالكفاءة والنزاهة محلياً وعالمياً واقصي عن موقعه هو وعدد من الموظفين في البنك قبل اجراء اية محاكمة اصولية . وكل هذا بسبب الرغبة في السيطرة على البنك وسلب إستقلاليته التي ينص عليها قانونه والدستور .

وجاء التخبط الاكبر في اواسط الاسبوع الفائت حين جرى طرح موضوع البطاقة التموينية على اجتماع مجلس الوزراء بشكل طارىء ومن دون وجود دراسة جدية للموضوع ليجري اتخاذ قرار بالاجماع بالغاء البطاقة التموينية وتعويضها بمبلغ تافه هو خمسة عشر الف دينار اي ما يعادل اثني عشر دولار بالشهر للفرد الواحد!

هذا القرار المرتجل الذي يجسد هزيمة الحكومة امام الفساد والمفسدين ويهدد الحد الادنى الضئيل من مستلزمات معيشة غالبية ابناء الشعب الذي يعيش ربعهم تحت مستوى خط الفقر بإعتراف الحكام انفسهم.

وقد اثار هذا القرار سخط الجمهرة الواسعةمن ابناء الشعب الذي عبروا عن سخطهم بالمظاهرات في العديد من المدن وفي الصحافة ، الامر الذي جعل غالبية الكتل التي صوتت الى جانب القرار في مجلس الوزراء الى التنصل من تأييدها لقرار الغاء البطاقة التموينية. مماحمل الحكومة على التراجع ومحاولة ايجاد طريقة لحفظ ماء وجهها.

ومما يزيد من بشاعة الموقف والتخبط الذي تعيشه الحكومة بكل مكوناتها هو استغلال الوضع من قبل المخربين والارهابيين للاستمرار في اعمال العنف والتخريب وقتل المواطنين الأبرياء واصابة العشرات والمئات منهم كل اسبوع إن لم يكن كل يوم.

ومع ذلك تظل الكتل المتنفذة سادرة في غيّها متجاهلة ما يعانيه الشعب من آلام وكوارث جراء هذا التخبط المشين!


لندن في 11/11/2012
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter