| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 7 / 2 / 2015 د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
بمناسبة ذكرى 8 شباط الاسود:
أفكار عن محاولة البحث الثاقب عن اضطراب قيادة ثورة تموز
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
الزعيم الركن طه الشيخ أحمدتمر هذه الايام ذكرى 8 شباط الاسود، التي تبقى على مدى التاريخ موصوفة بهذه الشكل. اعدم وُصفي الى جانب الزعيم عبدالكريم قاسم، كوكبة من خيرة ما انجب الجيش العراقي على المستوى الوطنية او المهنية. تركز معظم الكتابات عن انجازات ثورة تموز1958 وتربطها باسم قاسم متجاهلة بوعي او بدونه دور العديد من الضباط اليساريين والمتنورين في تحقيق انجازات ثورة تموز المجيدة، وفي التأثير على بعض اتجاهات عبدالكريم قاسم التقدمية، حيث قلما تتوفر وثائق تمس هذا الامر، اضافة لتصفية حياة هذه المجموعة. كذلك نجد أن بعض الذين كانوا على قرب من ثنايا الامور صمتوا خوفاً او طوعاً. هذه المجموعة من الضباط ذوي الرتب العليا، التي كانت على تماس يومي مع قاسم، لعبت دوراً هاماً في التأثير على اتخاذ قائد ثورة تموز العديد من الاجراءات الوطنية. وقد تميزت عموما بنضج سياسي أعلى من طموح قاسم وكانت على تواصل وعلاقة اوثق بالقوى السياسية الداعمة لثورة تموز وبالذات الحزب الشيوعي العراقي، اضافة لكونها كانت اقدم في صلاتها بحركة الضباط الاحرار.
تلك القوى كانت اكثر ادراكاً للمخاطر التي احاطت بثورة تموز ، لذلك ظلّت متذمرة من سياسة الزعيم عبد الكريم قاسم ،الوسطية والمتراخية، مع اعداء ثورة تموز وقائدها. لقد عملت القوى المعادية لثورة تموز بإثارة الشكوك حول هذه المجموعة وتخويف قاسم منها وقد نجحت في هذا الامر. ابرز هؤلاء القادة كان (الزعيم الركن طه الشيخ أحمد، الزعيم الركن جلال الأوقاتي، العقيد فاضل عباس المهداوي اضافة لوصفي طاهر وماجد محمد امين).
في تقييمه لرجال تلك المرحلة يشير الفقيد قاسم الجنابي مرافق الزعيم عبدالكريم قاسم ان العراق خسر في 8 شباط 1963 شخصيتين عسكريتين مهمتين هما طه الشيخ احمد وجلال الاوقاتي وان قذى احذيتهم افضل من كل الذين جاءوا بعدهم (برنامج مهمة عراقية - الزعيم عبدالكريم قاسم - قناة العراقية). بقيت هذه المجموعة وقلة نادرة من الضباط القاسميين مثل الزعيم عبدالكريم الجدة مخلصة للنهاية لقاسم ولثورة تموز ودفعت حياتها ثمناً لهذا الموقف. لعبت هذه الشخصيات ادواراً هامة وكان ابرزها الزعيم طه الشيخ أحمد ، خاصة في السنة الاولى من الثورة فإضافة لكونه مدير الخطط الحربية العام كان (يقوم بواجبات المستشار الشخصي للزعيم عبد الكريم قاسم وموضع ثقته ويقوم بمهمة تنفيذ اوامره المتعلقة بقضايا الامن الداخلي وجمع المعلومات الخاصة ذات الطابع المؤثر والخطير على كيان الجمهورية - رسالة من السيد عربي فرحان للكاتب)، ويعتبره حازم جواد (أحد قادة انقلاب شباط الاسود ووزير داخلية الانقلاب) في صفحات مذكراته التي نشرت في جريدة الحياة اللندنية بانه كان الحاكم الفعلي للبلد في 1959 ويكتب عنه حنا بطاطو في كتابة المشهور عن العراق بانه القوى التي كانت تقف خلف العرش ، ويعزو الفقيد عامر عبدالله في صفحات مذكراته المنشورة في عدد من المجلات منها مجلة ابواب الصادرة عن دار الساقي، على ان احد اسباب عدم قدرة قيام الحزب الشيوعي بالتحرك ضد قاسم هو بسبب انقسام قواه العسكرية في الجيش بين طه الشيخ أحمد والمهداوي. هناك العديد من الشهادات بحقه وبحق هذه الكوكبة من القادة العسكريين الاماجد وغيرهم من الرتب الادنى. قسم من هؤلاء شارك في الحياة الحزبية والمدنية في فترة ابعاده من الجيش بمعنى إنه لم يكن اسير الثكنة وما تفرضه من طريقة تفكير محددة منهم جلال الاوقاتي، طه الشيخ أحمد، سليم الفخري، غضبان السعد وغيرهم. كما بقيت قضية الارتباط السياسي لهذه المجموعة يحيطها بعض الغموض اذا استثنينا جلال الاوقاتي وارتباطه بالحزب الشيوعي وفي فترة متقدمة قياسا مع الاخرين وقبل ثورة تموز ، فان البقية كانوا على علاقة بالشيوعيين بشكل او اخر، لكن للأسف لم يبحث او يؤرخ هذا الجانب. مثلا كتب لي الشخصية الوطنية المعروفة الدكتور على حسين الساعدي وهو ابن رجل الدين الشهيد الشيخ حسين الساعدي . كان الشهيد الشيخ حسين الساعدي مسؤول محلية العمارة للحزب الشيوعي . كتب لي مرة كيف كان يزور طه الشيخ أحمد برفقة ابيه عندما كان صغيراً في العمارة في فترة الانتخابات عندما رشح طه الشيخ أحمد للانتخابات في نهاية الأربعينيات عن لواء العمارة، وكان يجري التنسيق في امر الانتخابات ويقوم هو بالتسجيل والكتابة ويصف كذلك اناقته وبيته وهدوئه. بتقديري تسليط الاضواء عن ادوار هذه الشخصيات ومؤثراتها على قاسم ومساره يمكن ان يساعد في رسم صورة اوضح لمسارات ثورة تموز المجيدة.
قبل فترة وجيزة توفى المناضل سلطان ملا علي وكان عضواً في لجنة التنظيم العسكري المركزي للحزب الشيوعي بعد ثورة تموز 1958، كنت استغرب مضمون اللقاء الذي اجري من قبل صحيفة شيوعية، التي ركزت كالعادة على الاهتمام بأمور اخرى كمظاهرة معينة او لقاء بشخص معين دون التطرق لعمله الاهم في الجانب العسكري ولم يؤرخ الشيوعيين له شيئاً في هذا الجانب وفقدنا مصدراً هاماً عن تلك الفترة وعن التنظيم العسكري.
في كتاب العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسن (اللغز المحير. عبدالكريم قاسم. بداية الصعود الجزء 6) قبل الاشارة لما ورد، اشير الى إن الكتاب كتب بروحية العداء لقاسم، الا انه يحوي معلومات هامة وكثيرة، وهي اوسع ما كتب عن ثورة تموز والمفارقة فأن قراءة اجزاء الكتاب المتعددة توصل القارئ الى استنتاج ضمني معاكس لما اراده صاحب الكتاب (العروبي الاتجاه) بأن قاسم كان قائداً عسكرياً متميزاً وهو الرابط الاساسي لمجموعات الجيش المعارضة ويحظى اسمه بثقة معظم الضباط الوطنيين بدون منازع ويكفي ان يعرف بعض الضباط ان قاسم جزء من الضباط الاحرار حتى ينظموا لها. كان قاسم ذو كفاءة عسكرية متميزة وروح وطنية عالية ونزاهة وعفة وأمانة معروفة بين اوساط الضباط. وهو منظم كبير وذو عقلية استخباراتية وكان يقف على معظم التغيرات والاسرار في المؤسسة العسكرية. وقوف قاسم على راس حركة الضباط الاحرار كان ضمان حقيقي واساسي لنجاحها. وربطا لموضوع المقالة فقد وجدت في الكتاب الجزء 6 حيث ذكر الكاتب وهو شاهد على الحادثة في هامش الصفحة 84 ما يلي:
(وبعد ان ابدلت الثورة المصرية النظام الملكي بالنظام الجمهوري في 18 حزيران 1953 قررت حركة الضباط الاحرار في اجتماعهم في مسبح (جرداخ) الهندسة على وليمة (سمك مسكوف) التي دعاهم اليها مؤسس حركتهم رفعت الحاج سري تغيير النظام الملكي الى نظام جمهوري في حالة نجاح ثورتهم واذا بطه الشيخ احمد الذي كان مفاتحا بالأمر يستصحب معه الدكتور رفعة علي الذي كان على صلة بالحزب الشيوعي ويطلب تشكيل حكومة ظل وان يتولى هو وزارة الدفاع في هذه الحكومة وان يضم الدكتور رفعت الى التنظيم وقد رفض الطلب طبعا وقطعت صلة طه بالتنظيم). نفس الامر جرى تأكيده في ندوة افاق عربية العدد 7 سنة 1984 حول الموضوع. الكاتب يشن بعدها هجومه على الشيوعيين وعلى بيان اصدره الحزب الشيوعي في ايلول 1953 حول نشاط السفارة الامريكية وجواسيسها بين الضباط (الفاشست). (يبدو ان الكاتب حسب معلوماتي يقوم بالإسقاط القسري لبيان للحزب الشيوعي حول نشاط لمجموعة عسكرية أخرى على هذا الحدث)
يشير الشيوعي المخضرم السيد بهاء الدين نوري في مذكراته (ص 167- 169) ان الحزب الشيوعي واثناء انتفاضة 1952 حيث كان بهاء هو المسؤول الاول ، طرح تشكيل حكومة وطنية يقودها الجادرجي ويكون أعضاء فيها من ممثلي الأحزاب الوطنية ومن عناصر المعارضة المستقلين أمثال الجواهري وعبدالرزاق الشيخلي، ويحتفظ الشيوعيون بأهم مقعدين : وزارة الدفاع للضابط الشيوعي المفصول سليم الفخري ووزارة الداخلية لنائب نقابة المحامين المحامي والشهيد لاحقا توفيق منير. وقرأت قائمة التشكيلة الوزارية في المظاهرات، ويذكر المفاوضات التي جرت بين ممثلي الحزب (عزيزالشيخ و غضبان السعد) والجادرجي. طبعا الجادرجي رفض هذا الامر. لاحقا في نيسان 1953 اعتقل بهاء الدين نوري واودع السجن.
بالتأكيد كان هناك تأثير او رابطة بين ما أرّخه الاثنان، خاصة اذا علمنا ان الفقيد ثابت حبيب العاني ذكر إن طه الشيخ أحمد والفقيد غضبان السعد كان او من أسّس التنظيمات السياسية في الجيش العراقي، لكن ما حجم التأثير وطبيعته وغيرها من الأمور المترابطة بتاريخ هذه الكوكبة من الابطال والتي كانت قريبة جدا من قاسم.
بقي القليل ممن عاش تلك الايام و يعرف او سمع بعض بواطنها وخاصة في ما يمس هذه الحلقة المحيطة بقاسم اضافة لحلقة اوسع من الضباط الشيوعيين والوطنيين الذين دافعوا بكل بسالة عن ثورة تموز وقائدها وانجازاتها، وسعى غربان شباط الاسود ليومنا هذا الى تشويه التاريخ والحقائق والمحيطة بأحداث ثورة تموز والانقلاب عليها وما لاحقها من جرائم وخراب ظل العراق ووطناً وشعباً يدفع ثمنها ليومنا هذا. على النقيض من هذه الشخصيات كانت هناك شخصيات عسكرية ايضا قريبة من قاسم لكنها خانت ثورة تموز وقاسم وعبدت الطريق لنجاح الانقلاب منها مثلا الحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي حيث اظهرت الوثائق البريطانية المسموح نشرها بعد عشرات السنوات ارتباطه بالمخابرات البريطانية وهو اول مسؤول عمل على توفير الصلة للمخابرات البريطانية مع البعثيين في سنوات الثورة الاولى، ولا يمكن نسيان الدور الذي لعبه مدير الامن العام وهو أحد ضباط قاسم في التستر على نشاط الإنقلابيين ولعب دوراً هاماُ في تسهل نجاح الانقلاب المشؤوم.
ان البحث والدراسة والتوثيق لدور هذه الشخصيات التي كانت قريبة من قاسم، بالتأكيد سيعلب دوراً هاماً في تدقيق التصورات عن ثورة 14 تموز.