|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  2  / 4 / 2024                               د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة                                 كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حول بعض جوانب ازمة الشيوعي العراقي التنظيمية

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
(موقع الناس)

في أحد فيديوهات حفلة الحزب الأخيرة، رافقها هذين الشعاريين (الحزب والفكر لا يموت لارتباطه بمصالح الناس)، (سر بقاء الحزب صلابة تنظيماته الحزبية).

من اجل هذا الامر، لابد من سياسة تمثل الناس ومصالحهم وبمعني اخر الموقف من النظام القائم باعتباره باي درجة يمثل هذه المصالح. هذا الامر يتطلب تنظيم او حزب ينقل السياسة التي تمثل مصالح الناس الى ارض الواقع. بلا شك هناك ترابط وثيق بين التنظيم والسياسة وبالذات للشيوعيين.

+ واحدة من اساسيات المشروع الأمريكي ومنذ انطلاقته والمستند الى قوى عراقية ليبرالية – قومية - دينية، هي تهميش (حشع) (الحزب الشيوعي العراقي) وعموم اليسار ومشروع الوطنية العراقية ولأسباب عدة ابرزها، عقائدية، إضافة لتعبيد الطريق لمشروعه على كافة الأصعدة. استولى هذا التحالف على مخزون قديم - جديد من تراث واليات معاداة الشيوعية والوطنية في العراق.

+ عصفت نتائج الانتخابات الأخيرة بأوضاع (حشع) واظهرت عمق ازمته على كافة المحاور وهي ازمة وجودية تتعلق ليس بواقع الحزب الحالي وانما بمستقبله وإعادة الثقة به باعتباره أداة واقعية للتغيير في ظل ازمة القوى السياسية في العراق وانحطاطها ومجمل التغيرات التي رافقت المجتمع العراقي منذ عهد النظام الساقط ولحد الان.
في عمق هذه الازمة يصعب الحديث عن استراتيجية او تكتيك واضح لـ (حشع) يبرره الواقع منذ 2003.

من اجل تسهيل النقاش وبلورة ابرز جوانب الازمة ومن اجل توجيه النقاش صوب الحلول والمقترحات، اتوقف هنا بعض الشيء عند التنظيم باعتباره رافعة للسياسة، تنفيذا أو تعديلا أو تغييرا. وانطلق من سؤال محدد والذي يشكل احد ابرز الأسئلة الخلافية في طريقة تناول هذا الامر وهو :

هل توجد افاق للنضال الداخلي لأجراء انعطاف في الحياة الداخلية للحزب في ظل هذه القيادات والأوضاع القائمة؟
شخصيا وكما كتبت سابقاً لا اعتقد توجد افاق في هذا الامر، لا على مستوى القيادة ولا على مستوى معظم كوادره الوسيطة او قطاع واسع من قواعده ولأسباب عديدة منها:

- لا تمتلك قيادة الحزب أو معظم حلقاته الوسطية إرادة حقيقية وصادقة من اجل الاندفاع بهذا الاتجاه او اجراء انعطافه في الحياة الداخلية للحزب.

- انعدام رؤية واضحة عن حجم الازمة ومقدار حدتها على واقع ومستقبل الحزب. مازل هذا الامر يواجه باستهانة وبأساليب الشعاراتية او الشعبوية.

- يفتقد الحزب الى آلية سليمة ومختبرة ويمكن اغنائها وتطويرها لإدارة الصراعات داخل الحزب باعتبارها محرك لتطوير العمل ولم نشهد جهود جادة لخلق او تطوير هذه الالية. حتى جهود انشاء لجنة الرقابة المركزية بقيت في اطارها الشكلي ويقال إن وجودها الحقيقي انتهى عمليا.

- توارث نهج معين منذ ما بعد تموز 1959 واشتداده بعد 1964 ولحد الان. يعتمد بالأساس على القوى المتحكمة في السلطة في انجاز مهام ومطاليب الشعب والاعتقاد (الوهم) بإمكانية تطوير النظام السياسي القائم. هذه الفكرة العامة ممكن أن يؤكدها، ما صدر مؤخرا . ففي نشرة داخلية وبالذات بعد اجتماع اللجنة المركزية في شباط 2024 (18 صفحة) في التبرير والإصرار على نهج اثبتت الاحداث منذ 2003 ولحد الان فشله. هو أن يبقى ويستمر (حشع) باعتباره قوة معارضة لنظام المحاصصة ولكن بالحجم الذي تقرره القوى المتنفذة في نظام المحاصصة. الفوضى التنظيمية علاوة على الفكرية والسياسية في (حشع) هي المرتع الخصب لتحويل هذه السياسة الى نهج كامل. لا نعرف لحد الان ولم يبرر الواقع الاليات المطروحة لشعار التغيير الشامل.

- سياسة التهجيج والاجراءات الكيدية مع كل من لا يتفق مع السياسة المعلنة سياسيا او تنظيميا. ورغم المناشدات العديدة لسكرتير الحزب و (م. س) و لجنة الرقابة لإيقاف او التحقيق في هذه الأمور الا انه بقى موقفهم هو موقف المتفرج !!!. مازال هناك تحسس مفرط اتجاه أي نقد عقلاني. داخليا يوصف تحت باب ان صاحبه مشاكس، علنيا يواجه بسلوك التقسيط والتشويه وغيرها وفي ظل تراجع المستوى الفكري والسياسي في الكثير من الحلقات الوسطية أو قواعد الحزب ويصل الامر وفي أحيان غير قليلة الى حد الانحطاط.

- شعور عام بالخيبة وما يترتب على ذلك من نتائج. لا تستغرب ان تسمع عند احندام النقاش او الخلاف، ان قسم غير قليل من الحزبيين يطرح ان لا علاقة له بالأمر. سياسة (انا شعلية ولا تدخلوني في المشاكل).

- خطاب سياسي ممل ومكرر ولا يعدو في غالبيته سوى خطاب روزخوني واعلام مغلق ورتيب يفتقد الى روح التحريض ولا يجمعه جامع مع حزب يرفع شعار التغيير الشامل.
- لم نلاحظ اصطفاف جديد للكادر الحزبي، رغم تغير شعارات الحزب وصولا الى شعار التغيير الشامل، بل على العكس في الكثير من المفاصل كان هناك اصطفاف سيء للكادر غير الكفوء والمثقل قسم كبير منه بتاريخ غير طيب.

- الصراعات تدار على أسس نخبوية وفي ظل انعدام الشفافية في إيصال المعلومات لأطراف وقواعد الحزب. هذه القضية تاريخية وكتب الكثير عنها وعن المخاطر التي جلبتها لعموم نشاط الحزب، دون حل لهذا الاشكال واستمرار أعادة الكرة. منبع الاخبار هو من خارج الحزب. في الكثير من الأحيان يحصل من كان خارج الحزب على تفاصيل هذه الصراعات دون ان يحصل عليها من هو داخل التنظيم.

- هناك شكوك قوية حول معظم القيادات الشابة التي أدخلت الى اللجنة المركزية ليس فقط عن ما يتداول عن طريقة دخولها وانما تمتد الى كفاءاتها واختبارات النضال وعقليتها في التفكير الذي لا يعدو سوى امتداد للتفكير السابق.

- يجري الحديث عن الأرستقراطية الحزبية والامتيازات التي ضَمنها تحول قيادات الحزب الأساسية الى موظفين كبار في مؤسسات منظومة الحكم القائم. أضافة لقانون حل المليشيات والذي اسئ استخدامه وتحول الى طريق للفساد والإفساد في مشهد غريب عن الشيوعية العراقية وتقاليدها.

- هناك صعود عارم للبيروقراطية الحزبية سواء في ما تتخذه لجنة التنظيم المركزي (لتم) والمصادقة على تقارير المنظمات التي تحتوي معلومات تفتقد للمصداقية بما فيها القوى الحزبية وفعاليات ونشاطات شكلية وتشديد الصرعات الداخلية غير المبدئية وغيرها والتغاضي عن خروقات عديدة بما فيها قضايا الفساد وحتى بعض القضايا الأمنية.

- لحد الان لا توجد داخل الحزب سياسة حازمة بان تتحمل القيادة المسؤولة عن سياسة معينة نتائج عملها.
على المستوى السياسي مثلا وليس حصرا لم يجري استفتاء حول موقف مشاركة الحزب في الانتخابات الأخيرة. يستبدل هذا الامر حاليا بمودة جديدة وهي استمزاج رأي المنظمات الحزبية (كيف!!!). رغم الانعطاف الحاد عن موقف المقاطعة للانتخابات السابقة، الا أن قيادة الحزب استعاضت عن ذلك ومن خلال تخويلها باعتبارها قيادة منتخبة في اتخاذ قرار كهذا، متجاهلة المزاج الجماهيري المعارض للمشاركة والمزاج الحزبي الداخلي والذي جرى الالتفاف عليه بطريقة (الاستمزاج).

- الكثير من الرفاق الذين اشاروا الى العديد من مواقع الخلل فيما يخص سائرون مثلا او العمل الديمقراطي او الجماهيري او الوضع الداخلي للحزب وغيرها والذين تعرضوا نتيجة ذلك الى إجراءات عديدة او حُوربوا نتيجة مواقفهم، لم يتم انصافهم لاحقا او اتخاذ موقف إيجابي منهم، رغم أن الأيام اثبت صحة طروحاتهم أو بعض منها.

- تاريخيا كان الحزب يتجاوز محدودية عضويته ارتباطا بوضعه والوضع السياسي القائم بالاعتماد على توسيع وتنشيط عمل المنظمات (الديمقراطية) التقليدية (طلبة، شبيبة، نساء). واقع الحال انه لا توجد الان حواضن جماهيرية للحزب وبالذات خارج بغداد.
عموما لا توجد سياسة واضحة في مجال العمل الديمقراطي سواء في المنظمات التقليدية أو منظمات المجتمع المدني او منظمات الجاليات في الخارج والتي خسر الحزب الكثير منها بسبب السياسات الفوضوية وغير المسؤولة وتحول الكثير منها الى ممتلكات شخصية، غير تهم الفساد التي ترتبط بها.

- حضور مؤتمرات الحزب او كونفرساته تحول للبعض الى سفرة سياحية. لم اشاهد لحد الان ان قام مثلا مندوبي المؤتمرات منذ 2003 وحتى قبلها بعقد ندوات يتداول فيها واقع المؤتمر وطروحاته واهم جوانب عمله. جرى مؤخرا شيئا من هذا القبيل ولكن لم يتعدى ذلك في جوهره، سوى التهريج والمدح للنجاحات غير المحدودة وافاق تطور الحزب اللاحق وغير المحدود والبعض لا يعرف او لا يمتلك صورة واضحة عن جوهر نقاشات المؤتمر وما دار فيه. في كل الأحوال يبقى ما حدث في المؤتمر غير معروف وبانتظار ما يصدر لاحقا من اوراق محدودة التوزيع لا تغني ولا تسمن. احد أسباب ذلك عدم كفاءة المندوب وقلة المرشحين واحيانا انعدامهم وتدني معايير انتخاب المندوب وعموم النقاشات حول الوثائق والتي لم تتجاوز الشكلية. في مرات عديدة يكون المندوبون غير منتخبين، كما في الكونفرس الأخير او مؤتمرات سابقة ولكن البيان الصادر لاحقا عن الفعالية او النشرات الداخلية تتحدث بان المندوبين كانوا منتخبون وانكار استلام أي اعتراضات من التنظيم. البعض مازال تحت تأثير اعتقاد خاطئ، بان المؤتمرات تحل مشاكل الحزب وواقع الامر هي تحسم الامر في اتخاذ مواقف محددة وواضحة بقضايا الخلاف بعد ان تم انضاج النقاش عنها مسبقا.
- فشل سياسة ودعوة الرفاق السابقين للعودة للحزب. في مجالات عديدة لا تتواجد خطة واضحة في هذا الامر ولا توجد كفاءات لإدارة هذا العمل. غير ذلك، ان عدد غير قليل من الرفاق السابقين يرفض استقبال هذه الدعوة او ممثليها بشكل قاطع وقسم منهم يرفض اغراءات شاهدات التكريم التي أصبح توزيعها يفتقد الى أي معني حقيقي لها. هذا بسبب السلوك المشين وغير المسؤول وغير المبرر لبعض الأوساط الحزبية والذي لم يسعى للحفاظ على آصرة المودة والرفقة مع الكثير من هؤلاء وللأسف لم يجري ادانة هذه السلوكيات بالعكس كان في معظم الأحيان يجري السكوت عليها.

- انحسار الطابع المدني للحزب وتدفق المتدينين والتقاليد العشائرية وطريقة تفكيرها للحزب.

- سؤال يطرح نفسه، يلخص كل ما يجري، هل هؤلاء الذين يقفون على راس الحزب او منظماته المحلية هل هم حقا يجسدون قيادة للحزب ام إدارة عمل الحزب؟ وشتان ما بين المفهومين!!

- علنية الحزب تحولت الى قيد يحد من نمو عضويته وتأثيره وعموم نشاطه. لا توجد ضمانات في الواقع القائم ولا في القوى المتحكمة في السلطة. مازالت نكسات وضربات الحزب ولهيب الحرائق الذي التهم الحزب ومحيطه ماثلة امام الناس ويبقى السؤال قائم، الى متى يبقى الشيوعيون ضحايا إرهاب القوى الأخرى والسياسات التنظيمية الفاشلة؟. نحن بحاجة لإعادة تصوراتنا ومواقفنا حول علنية الحزب وما هو المطلوب منها.

- تاريخ الحزب القريب غير معروف وبالذات منذ 2003. كيف نستطيع تقييم هذا الامر (أي سياسة الحزب منذ 2003) ولا نعرف أي شيء عن ما دار داخل الحزب. لم تنشر محاضر الحزب ولا محاضر (م. س) ولا توجد مذكرات ومن عاش تلك الفترة في القيادة لا يتحدث عن شيء وما هي الخلافات والتوجهات التي كانت مطروحة وكم زكت الحياة من تلك الطروحات وغيرها. نحن دائما خلال السنوات الثلاثين الأولى بعد الحدث نكون بلا تاريخ. يأتي التاريخ الينا بعد ان يفقد معناه.

- كاريزما الموتى والشهداء مع كل التقدير لهم. كانت هناك دائما اوساط يخلق الحزب منها كاريزما او يستفاد من كاريزميتها. مثلا أوساط الثقافة التي خسرنا العديد من المواقع فيها. شخصيات السلام والدفاع عن حقوق الانسان والتي لم نعد نسمع عنها شيء جاد. الأنصار الشيوعيون وابطال العمل السري باعتبارهم جوهرة مناضلي الحزب. كيف تنظر عوائل هؤلاء وغيرهم من محبيهم ومن يحاول ان يقتدي بهم، حين يجد أن غالبيتهم خارج الحزب.

هذا ايضا يرتبط بالصورة التي يقدم الحزب نفسه للناس وكأنه مشروع للموت وليس مشروع للحياة.

 

23-3-2004
 

المداخلة قدمت في ندوة صفحة بلا زحمة للرأي الاخر على الزوم والمعنونة (بعد تسعين عاماً كيف هو وضع الحزب اليوم) في 24-03-2024
 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter