|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  27 / 5 / 2015                                 علاء مهدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ما وراء الكلمات

أين الجيش العراقي !

علاء مهدي – سيدني

يتفق العراقيون على أختلاف مآربهم ومشاربهم ، معتقداتهم وأديانهم وطوائفهم ، أشكالهم وألوانهم ، على حب العراق كل على طريقته الخاصة ووفق نظرته التي تنسجم مع المبادئ التي يؤمن بها حتى وإن كانت تلك النظرة ضيقة. وبعودة "بانورامية" سريعة لتفاصيل الأحداث التي مر بها العراق خلال الفترة منذ تأسيسه وحصوله على الإستقلال ولغاية الآن سنجد أن الظروف الحالية التي يعيشها العراق والعراقيون تعتبر الأسوأ من كافة النواحي الحياتية والسياسية وغيرها منذ إستقلال العراق على أقل تقدير. وتحديدنا لهذه الفترة يعود بالدرجة الرئيسية إلى إعتقادنا بأن استقلال العراق وقبوله عضواً في منظمة الأمم المتحدة كدولة مستقلة تعتبر نقلة نوعية وإن كان ذلك على إستحياء من حقبة التخلف التي كان العراق يعيشها تحت ظل الإحتلال العثماني إلى مرحلة جديدة متحضرة نوعما خاصة وأن أغلب الدول التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى والتي تم إستعمارها من قبل الدول العظمى الفائزة بالحرب قد شهدت تطوراً ملحوظاً في مرافقها المختلفة سواء كانت الحياتية والمعيشية أو الثقافية والتعليمية وإن كانت تلك الخطوات قد حدثت خدمة لمصالح الدول المستعمرة.

وإستكمالاً لمتطلبات تأسيس الدولة الحديثة فقد تم تأسيس الجيش العراقي في العام 1921 ، وقوته الجوية في العام 1931، وأعقب ذلك تأسيس القوة البحرية العراقية في 1937. وكما يعلم الجميع فإن إحتفالاً سنويا برعاية حكومية بعيد الجيش العراقي كان يتم في السادس من كانون الثاني من كل عام تشارك فيه كل قطاعات الجيش ودوائر الدولة والأحزاب السياسية وقطاعات الشعب المختلفة ، الإحتفالية التي لم تتغير رغم التقلبات التي حدثت على الأنظمة السياسية في العراق بفعل ثورة 1958 والإنقلابات التي تبعتها. وقد تطور تسليح الجيش العراقي وتدريباته الفنية على مختلف الصنوف العسكرية بعد ثورة تموز 1958 بسبب من أن قيادة الحكومة في حينه كانت عسكرية بالدرجة الرئيسية وقيام علاقات سياسية ودبلوماسية وإقتصادية بين العراق والإتحاد السوفيتي ودول المنظومة الإشتراكية والصين ودول منظومة "عدم الإنحياز" في حينه حيث بدأ العراق بإرسال بعثات لطلبة وضباط عراقيين إلى تلك الدول للدراسة والتدريب على مختلف الصنوف العسكرية. وقد إستمر تطور الجيش العراقي حتى بعد إنقلاب شباط 1963 الأسود والإنقلابات التي تبعته حتى إحتلال العراق في 2003 على الرغم من تسييس الجيش وحصر الإنتماء لحزب البعث لكل منتسبيه ، وعلى الرغم أيضا من محاولة إعادة تشكيل قيادات الجيش العراقي من مكون طائفي معين خلال الفترة من تشرين الثاني 1963 وحتى 2003 حيث كانت تخصيصات الدفاع والتسليح ضخمة ضمن ميزانية الدولة العراقية السنوية، ربما بقصد التهيئة للقيام بمهمات حربية سواء مع الكورد في الداخل العراقي أو لاحقاً مع إيران وبعدها الكويت.

ولابد من الإشارة إلى أن التطور لم يشمل الجيش العراقي بكل صنوفه من ناحية التسليح والتدريب فقط بل تطورت وسائل الدراسة والتدريب في الكلية العسكرية العراقية وكلية القوة الجوية العراقية وكلية الشرطة وبقية المعاهد العسكرية العراقية حتى أن العديد من الزعماء العرب تخرجوا من الكليات العسكرية العراقية. كما أشتهرت كلية القوة الجوية العراقية بتخريج طيارين عراقيين على مستويات عالية من الكفاءة والمعرفة.

وبقرار تعسفي غير مدروس على الأقل من وجهة نظرنا ، أصدر الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر قراراً بحل الجيش العراقي الذي بلغ عداد أفراده في ذلك الحين الأربعمائة الف عسكري وهو عدد يقل بكثير عن عدد أفراده أبان الحرب العراقية الإيرانية حيث كان قد تجاوز المليون في حينه. وكانت حجته في إصدار القرار أن الجيش العراقي كان مواليا للنظام الديكتاتوري وهذه الحجة بحد ذاتها تعتبر غبية وتدل على عدم دراية وإطلاع المحتل الأمريكي على طبيعة بناء مؤسسات الدولة والتغييرات التي تحصل عليها بعد كل تغيير بسبب ثورة أو انقلاب عسكرية وهكذا.

لقد كان ولّد هذا القرار نتيجتين سلبيتين ، كان لهما تأثيراٌ مباشراٌ على الوضع العام في العراق وهما:

أولاً ، ان العراق قد فقد كادره العسكري المتقدم كله وفي كل قطعات الجيش العراقي في يوم واحد. ولكن بعيداً عن الجانب السياسي الواحد (البعث) الذي أصطبغ به الجيش وقياداته العليا وولائها لقيادة النظام الديكتاتوري فإن قيادات الجيش العراقي العليا وطبقة الضباط وضباط الصف كانت تملك خبرات عسكرية أكتسبتها بسبب من الحروب الداخلية التي مارسها النظام البائد ضد الكورد (في كوردستان العراق وحركات الأنفال الإجرامية وغيرها من العمليات التي قام بها النظام في حينه) ، كما أن إشتراك الجيش العراقي بكافة صنوفه في حرب شعواء دامت لثماني سنوات مع إيران وجيشها الذي كان يعتبر متقدما بين جيوش دول المنطقة أبان حكم الشاه، قد منحه خبرة عسكرية كبيرة تفتقدها الجيوش العربية في الدول المحيطة بالمنطقة مما ولد تخوفاً لدى دول الخليج والسعودية من قوة الجيش العراقي وقدراته العسكرية. وقد أضافت حرب الخليج الثانية خبرات أضافية أخرى للجيش العراقي رغم هزيمته النكراء في الكويت وطرده منها خلال أيام معدودة بخسائر بشرية لم تعلن عنها إحصائيات دقيقة، وخسائر في المعدات قدرت قيمتها ببلايين الدولارات. ومع الإفتراض -غير المعقول- بأن الحاكم المدني قد عين لحكم العراق دون منحه فرصة الإطلاع على طبيعة تأسيس الجيش العراقي وصنوفه وخبراته والنتائج المحتملة لإتخاذ قرارات بحله وغير ذلك وأنه كان يعمل بدون مستشارين أمريكان أو عراقيين، فإن حل الجيش العراقي بهذا الإسلوب قد أفرغ العراق من قوته العسكرية بالكامل. تلك القوة العسكرية التي بذل النظام الديكتاتوري جهداً ومالاً على بنائها لتكون القوة الرادعة لكل محاولات تغيير النظام البعثي خاصة وأن ديكتاتور العراق لم يكن عسكريا ولم تكن لديه خبرة عسكرية وأن إرتداءه البزة العسكرية كان بحد ذاته إهانة للمؤسسة العسكرية العراقية. ومن جانب آخر وجد أفراد الجيش العراقي أنفسهم بدون وظيفة وفقدوا رواتبهم ومخصصاتهم المجزية ، فباتوا بين ليلة وضحاها عاطلين عن العمل ، غير قادرين على الإستمرار بتوفير متطلبات العيش وفق المستوى الإجتماعي والإقتصادي التي كانوا عليه قبل الإحتلال وبالتالي كان عليهم إيجاد ما يعوض خسارتهم فلم يجدوا سوى محاربة النظام الجديد وبأشكال وتنظيمات مختلفة من ضمن تجمعات سياسية وأحزاب ممنوعة وكتل طائفية ومنظمات إرهابية وإجرامية حيث سادت الشارع العراقي لسنوات طويلة عمليات خطف وقتل وأغتيال وسلب ونهب وإعتداء وإغتصاب كان أبطالها أفراداً من الجيش والقوى العسكرية المنحلة.

ثانياً ، وعلى الرغم من إصدار الحاكم المدني قراراً بإعادة تشكيل الجيش العراقي بعد شهر من قرار حله ، فإن قرار الحل لم يشر إلى طريقة تسليم الأسلحة المتواجدة لدى أفراد وعناصر الجيش السابق وفي ثكناتهم العسكرية حيث قاموا بالإحتفاظ بالأسلحة الخفيفة وحتى بعض الأسلحة الثقيلة التي وجدت فيما بعد على أسطح المنازل كمدفعية مقاومة الطائرات وغيرها. إن الإبقاء على الأسلحة بيد افراد جيش منحل فقد مورد رزقه الوحيد وفقد كل مخصصاته السخية قد ساعد بشكل أو بآخر في نشوء منظمات إرهابية أو حزبية موالية للنظام البائد تحت ستارة الإرهاب ومنظماته. أن وجود السلاح بيد المواطنين وخاصة منتسبي ميليشيات الجيش الشعبي وبقية التنظيمات التي أسستها الدولة العراقية في حينها والتي كانت مرتبطة بأبناء الديكتاتور ورجالات النظام والعائلة وغيرها وسلاح الجيش العراقي قد تسبب في وجود سوق عراقية سوداء لبيع السلاح وتداوله بين المواطنين مما رفع من نسبة الإجرام والإعتداء والإغتيال وبالتالي أصبح العراق بؤرة للجريمة المنظمة مما جعل مهمة القضاء عليها من أصعب المهام وذلك لصعوبة السيطرة عليها خاصة وأن نظام ماقبل الإحتلال ، ونظام المحاصصة الطائفية الذي جاء به الإحتلال ، كلاهما أعتمدا النظام القبلي المتخلف والذي يقوم أساساً على توفر السلاح بين أفراد العشيرة وبالتالي فقدت الدولة سيطرتها على الوضع بصورة عامة. ناهيكم عن أن وجود السلاح بيد المواطنين قد زاد من نسبة الجريمة.

ففي الوقت الذي أجد فيه أن الحالة المأساوية التي وصلها العراق الآن كانت نتيجة حتمية للإحتلال الذي تم في 2003 والذي لم يتم وفق دراسة للطبيعة العراقية ميدانياً بل تم أتخاذ القرار أعتباطياً وبالتالي فإن نتائج ذلك يتحمل وزرها الأكبر المحتل الأمريكي وحلفائه. فأنني أعزي الهروب والتخاذل العسكري الذي سقطت بسببه الموصل وصلاح الدين والأنبار وربما ديالى بعد أيام قليلة ، ونتائج ذلك من تدمير للبنى التحتية والقتل والذبح وتدمير الآثار وغير ذلك من النتائج كلها كانت نتيجة ليس للإحتلال فقط بل لقرار الحاكم المدني بحل الجيش العراقي الأمر الذي يستدعي محاسبته عليه.




 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter