|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  18 / 3 / 2015                                 علاء مهدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



ما وراء الكلمات

حرية المعتقدات الدينية في العراق . . خلفيات ووقائع وتطلعات
لنبدأ بإلغاء المحاصصة الطائفية المقيتة وإلى الأبد ..!

علاء مهدي – سيدني

لا يخفى على احد حجم الظلم الذي وقع على اتباع الديانات والمذاهب في العراق خاصة على مكونات المجتمع العراقي الصغيرة بحجمها والكبيرة ببعدها التاريخي وقدمه عبر مراحل نشوء العراق كدولة ليكون بشكله الجغرافي الحالي . والمتتبع لأحداث العراق تاريخيا سيجد ان بعضا من تلك المجاميع الصغيرة تعرضت لحملات إبادة بشرية كادت فعلا ان تنهي وجودها لولا إيمان أتباعها العميق باهمية البقاء والتواصل رغم تلك الظروف العصيبة والمدمرة التي مروا بها.

لقد شجعت بيئة العراق منذ القدم على قيام ونشوء مجموعة كبيرة من الديانات السماوية وغير السماوية وكذلك المدارس الفلسفية والفقهية الامر الذي أوجد مساحة واسعة للمقارنة بينها ضمن جدالات فقهية وفلسفية ووجودية اتصفت في بعض الأحيان بالهدوء والحريّة والاحترام المتبادل بين الفرقاء وتارة اخرى بسيادة الرعب والحروب والابادة وغير ذلك.

ان الإصرار على البقاء والعيش على ارض الاجداد لكل تلك المكونات العرقية والدينية والمذهبية رغم كل المضايقات والحروب الدامية التي راح ضحيتها آلاف البشر لا لسبب سوى لأنهم يؤمنون بـ أو يتبعون افكاراً دينية ومذهبية مغايرة لما يؤمن به الآخرون فيه دلالة على قوة الارتباط القومي بالتواجد مع القوم - القبيلة - الطائفة المتأصلين في العراق من ناحية وعلى قوة العلاقة بينهم وبين الوطن - العراق- كوطن يعتزون بارتباطهم الجذري به كونه وطن الاجداد الذي لم يكن لديهم خيار استبداله من قبل من ناحية ثانية.

اتذكر انني وصديق من الطائفة المندائية التقينا بشخص عراقي عن طريق الصدفة في مدينة نيويورك الامريكية في العام ١٩٨٤ فدعانا لزيارته في محله التجاري في ضاحية بروكلين بنفس المدينة. لبينا دعوته بعد فترة ، حيث إستضافنا وقدم لنا قهوة عراقية ، ونحن في مكتبه لاحظ صديقي ان "نجمة داود" كانت موجودة على منضدته مما دعانا للاستفسار منه عما اذا كان يهوديا عراقيا. إستفسارنا كان بداعي الفضول وليس لسبب آخر خاصة وإنني وصديقي كنّا قد هاجرنا أو هجّرنا من العراق لأسباب طائفية أو دينية في حينه على الرغم من ان كلينا يؤمن بالعلمانية فكرا وممارسة.

اجاب مضيفنا بنعم ، واسترسل يخبرنا بما حدث لعائلته. قال: كان والدي يملك شركة استيراد وتصدير أدوات احتياطية للسيارات الامريكية بشارع الرشيد ببغداد وكان وضعنا المالي والاجتماعي جيدا جدا ، وفجأة حصل ' فرهود اليهود ' والتسفيرات فهربنا من العراق تاركين خلفنا أملاكنا المنقولة وغير المنقولة. كنت في حينها طفلا صغيرا. توجهنا الى ايران التي فضلها ابي على اسرائيل في حينه ، وهناك أسس والدي شركة مماثلة لشركته في بغداد بسبب من علاقاته التجارية الجيدة مع الموردين الأمريكان. واسترسل قائلا ، في العام ١٩٧٨ ، حدثت الثورة الاسلامية في ايران واضطررنا للهرب للمرة الثانية تاركين أملاكنا خلفنا ناجين بأنفسنا وأتجهنا هذه المرة الى اسرائيل حيث كانت الخيار الوحيد في حينه. إلا أننا لم نتمكن من الصمود بوجه ممارسات الصهيونية وعنصرية النظام الاسرائيلي والمجتمع ضدنا كوننا من اليهود الشرقيين لذلك قرر والدي الرحيل الى بريطانيا ومن بعدها الى الولايات المتحدة الامريكية. وأضاف بان والده ووالدته توفيا في الولايات المتحدة الأمريكية ودفنا هناك على الرغم من وصيتهما بأن يدفنا في العراق . كما أشار إلى أن اللغة العربية بلهجة عراقية هي اللغة التي تستخدمها العائلة وان طعامهم لازال عراقيا وبدأ بذكر الأكلات العراقية التي نعرفها جميعا، وذكر انهم لايستمعون من الغناء والموسيقى سوى للمقامات والأغاني العراقية القديمة ويوميا. قال: لازلنا عراقيين على الرغم من اننا عشنا في ايران وإسرائيل وبريطانيا وأمريكا ورغم كوننا من اتباع الديانة اليهودية ونجيد العربية والفارسية والعبرية والانكليزية كتابة وقراءة الا ان ارتباطنا مازال عراقيا بامتياز . تألمنا كثيرا في حينه وطيبنا من خاطره وعندما عدنا لزيارته في محله التجاري بعد حين وجدنا ان محله لم يبق منه سوى اثار الحريق الذي أتى على كل شيء فيه. كان محله التجاري كبيرا وواسعا يتعامل بالملابس المستعملة - لنكات - في منطقة شعبية وخطرة بضاحية بروكلين كانت مسرحاً للعديد من الجرائم. وبذلك فقدنا التواصل معه لأننا لم نكن نملك أية وسيلة أخرى للإتصال به في ذلك الحين.

على الرغم من أن ماحدث ليهود العراق قد تم توثيقه من قبل بعض المؤرخين العراقيين وأن الكثير منا لازال يتذكر تلك الحوادث سواء كشاهد عيان أو عن طريق الإستماع لقصص عن الحوادث التي مروا بها وكيف تمت معاملتهم. مع ذلك فإن المآسي التي حطت على رؤوس العراقيين من الكورد الفيلية من قبل النظام الديكتاتوري السابق وترحيلهم وتسفيرهم ومقتل الكثير منهم خلال عبورهم المناطق الجبلية الوعرة وماتعرضت له عوائلهم ونساؤهم من عمليات إعتداء وأغتصاب جنسي فاقت في دمويتها تلك الأحداث التي صاحبت عمليات تهجير اليهود.

ومايقال عن مآسي العراقيين من الكورد الفيلية لايقارن بما مورس من تصرفات إجرامية ودموية من قبل النظام الديكتاتوري السابق ضد العراقيين مما كانوا يصنفون بالتبعية الإيرانية. والحديث عن هذه الفئة من العراقيين حديث مؤلم وحزين حيث أتبع النظام الإستبدادي السابق إسلوباً مختلفا في تعامله القاسي والإرهابي معهم حيث كان يتم إعتقال الرجال القادرين على حمل السلاح وتسفير باقي افراد العائلة من الشيوخ والنساء والأطفال من دون أي إعتبار للأمور الإنسانية التي توصي بها اللائحة العالمية لحقوق الإنسان أو اية مبادئ دينية أو مذهبية أو اية إعتبارات أخرى. كانت العوائل العراقية المسفرة تمشي لأيام وليال على الأقدام في طرق جبلية وصحراوية، وكان أفرادها ليسوا عرضة لهجوم الحيوانات البرية المتوحشة فقط، بل أيضا لغزوات من عصابات مجرمة كانت تتعاون مع سلطات النظام حيث يتم إخبارهم بمواعيد التسفير لكي يتم الإعتداء عليهم وسرقة مايحملوه من متاع ومجوهرات ونقود على قلتها.

أما المجازر التي ارتكبت بحق المسيحيين والإيزيديين والشبك والكاكائيين وعدد آخرغير قليل من أتياع ديانات ومذاهب عديدة كان العراق عبر تأريخه الطويل حاضنة له ، فقد كانت مجازر إبادة بشرية لم تختلف عن تلك التي مورست ضد الأرمن على أيدي جلاوزة وجندرمة السلطان العثماني في بداية القرن الماضي والتي ستمر ذكراها المئوية قريبا دون أن يعترف العالم المتحضر الحالي بتلك الجريمة النكراء التي لم يشهد مثلها التأريخ القديم أو العالم الحديث ودون أن يقدم إعتذارا رسميا للأرمن أو تعويضهم عن جريمة إبادة أكثر من مليون شاب خلال أيام معدودة لأسباب دينية وطائفية. لقد عانى مسيحيو العراق وإيزيدييهم والشبك والكاكائيون من عمليات إضطهاد وتصفية وإبادة ليس فقط للبشر بل لممتلكاتهم وآثارهم ومقدساتهم الدينية والمذهبية ، فتم تدمير الكنائس ودور العبادة وسرق الممتلكات المنقولة ، والمقتنيات وأعتدي على النساء والبنات والقاصرات وتم بيعهن في أسواق النخاسة وعادت أسواق العبيد تمارس أعمالها ببيع وشراءالبشر الذين ولدوا أحراراً.

وكان للصابئة المندائيين حصة كبيرة من الإرهاب الطائفي والديني حتى كادت طائفتهم الصغيرة أن تختفي من الوجود بفعل محاولات الإبادة التي تعرضوا لها من قبل العشائر والسلطات والمنظمات الدينية المتطرفة. لقد قدم الصابئة المندائيون الكثير من الضحايا بسبب من إنتمائهم الديني على الرغم من تعايشهم مع العشائر العربية وأختلاطهم وتقاربهم وتشابه عادات معيشتهم خاصة في الملبس والمأكل وحتى الأسماء لكن كل ذلك لم يشفع لهم فلم يملكوا للخلاص من ذلك سوى الهجرة إلى خارج العراق وهاهم ينتشرون في القارات ويؤسسون مجتمعات وان كانت مغلقة من أجل الحفاظ على الطائفة إلا انها مجتمعات حضارية مثقفة تدين بالولاء للوطن الأم.

كل ذلك حدث ولازال يحدث تحت نظر وعلم عالمنا المتحضر !
كل ذلك حدث عبر عقود طويلة من الزمن وتحت أنظمة ملكية وجمهورية وديكتاتورية وطائفية ودينية ، كل دساتيرها تنص على حرية المعتقد الديني والإنتماء القومي وتنادي بالعدالة الإجتماعية والتساوي بين المواطنين دون النظر لمعتقداتهم الدينية والطائفية وغيرها. إذن اين يكمن الخطأ ومن هو السبب في ديمومة هذه الممارسات الإجرامية التي لو جمعناها لكانت حصيلتها تفوق الجرائم التي صاحبت أيا من الحربين العالميتين؟

انها دعوة صريحة للقيام بحملة وطنية لتثقيف المجتمع العراقي على إسلوب أحترام الأخرين من أتباع الديانات والمذاهب المختلفة.

انها دعوة صريحة للسلطة التنفيذية في العراق ومن خلال برامج التعليم المدرسي في كل مراحل الدراسة لتدريس مادة التربية الوطنية على أن يشرف على مادتها متخصصون علمانيون.

إنها دعوة صريحة للسلطة التشريعية لوضع قانون يحكم العلاقات الدنيوية ويوفر مساحة كافية من الحرية لكل المواطنين العراقيين من حملة الجنسية العراقية لممارسة طقوسهم الدينية بكل حرية ووضع عقوبات صارمة على من يعتدي على حرية الآخرين.

إنها دعوة صريحة للطبقات العراقية المثقفة للإمتناع عن ذكر أو الإشارة إلى أسماء الأديان والطوائف والمذاهب في كتاباتهم وممارساتهم اليومية وإعتبار ذكر ذلك أو تصنيف الناس وفقها من مظاهر العنصرية المقيتة.

إنها دعوة صريحة للنظام العراقي لإلغاء مبادئ الحكم وفق المحاصصة الطائفية المقيتة التي أثبتت فشلها حيث كانت السبب في كل ما جرى ويجري في العراق الآن. فهل هناك من يسمع؟!

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter