|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  11  / 11 / 2016                                 أمين كريم فرحان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



المؤمن والتدين
دراسه مبسطه في العلاقه بينهما

أمين كريم فرحان
(موقع الناس)

ان العقل الديني يطالعنا في النتاج الثقافي – الكتابي ، لدين او طائفه من حيث ارتباطه بالأله ، ابتداءا من النص المقدس وصولا الى ما دار حوله او تفرع منه من قضايا فقهيه وعقيديه (من العقيدة) ويمكننا ان نستطلعه في الاسفار والمجلدات التي لا حصر لها والتي تراكمت منذ بداية ظهور التفكير الديني ولليوم .

والعقل الايماني الديني نقصد به ذلك العقل الذي نقرأه في سلوك المؤمن في ممارسته لطقوسه وشعائره ويظهر في حياته اليوميه بمعزل عن النصوص وهو في جانبه الاهم سلوكي اجرائي .

والزمن محايد لان التحيز مرتبط بالانسان وافكاره فعندما هذا يضاف الى الزمن يصبح متميزا ، نحن كثيرا ما نتناول بيننا عبارات : ان الايام خدمت فلانا من الناس وان الزمن خان فلانا ، وفي الحقيقه ان الايام والزمن براء من الخدمه والخيانه .

لا يتميز زمن عن زمن الا بالاداء الانساني او بالاحداث التي تواجه الافراد والمجتمعات ولو ان الزمن بقي خارج الوعي الانساني لما كان للزمن من وجود قطعا .

وعندما نتحدث عن الزمن فليس القصد الزمن المجرد ، انما الزمن في علاقته بالناس ، وعلاقة الناس به ، يميزونه بارادتهم او بغير ارادتهم عن طريق القيام بنشاطاتهم المتنوعه ماديه كانت او معنويه .

ان الذي نقصده هنا ، الزمن بصفته ظرفا وتاريخا او بصفته اطارا لافكار الناس وتطلعاتهم ، لا الزمن في حالة تجرده عن العلاقات والافكار البشريه وان طريقة تعاطي الناس مع الزمن لا يمكن فصلها عن اتجاهاتهم الحياتيه وقناعاتهم واختصاصاتهم وتوجهاتهم ، اذ لا شك ان للفلكي وعالم الاثار والجيولوجي نظرة الى الزمن تختلف عن نظرة الاديب والشاعر وكذلك الصحفي الذي يلاحق اللحظه الاخيره وطبعا ان كل منهم يعيش زمنه .

من المعروف لنا كواقع معاش ان المتدين لا يتصالح مع زمنه فزمنه مدان وذلك لان ولاءه يكون لاْزمنه اخرى تتسم بالنقاء ، ان النقاء وراءه والخلاص امامه وهو دوما في مرحلة مخاض .

كيف يتصالح المؤمن مع زمنه وهو زمن الشهوات القاتله ؟ هو لا يرضى بأقل من الكمال ، هو لا يستطيع ان يسبغ على نفسه الرضا لانه يسعى الى الخلاص منه ، انه دوما مشتت بين الزمن الواقع والزمن الحلم .

المؤمن يعيش الماضي في الحاضر انه يجمد الزمن ولا يؤمن بالتطور سنة للحياة لان تفكيره مرهون باعتبار ان دينه او مذهبه او طائفته او ملته هي لحظة النقاء الاولى وربما الوحيدة ، وان كل ما جاء بعدها لم ولن يستطيع ان يستحضر درجة نقاءها .

ان هاجسه اذاً في حياته الحصول على لحظة النقاء هذه ولما كان هذا الحصول امرا محالا ، وهو قد الغى من تفكيره قدرة البشر على ان يعيشوا لحظه مشابهه لتلك اللحظه الاولى المرتبطه بالاشخاص الذين صنعوها ، من هنا عمل خياله على خلق البدائل للقبض على الزمن الحلم ولما كان الاصل محالا تعلق بالقيامه او المهدي المنتظر وتوسل الى ذلك بالصالحين والقديسين ريثما يحدث المطلوب ، وهنا يكون مجبرا ولا خيار لديه بأن يكتفي باستحضار بعض الشكليات , ظنا منه انه بذلك يعوض عما فاته من حقيقة تلك اللحظه الاولى من تدشين دينه او مذهبه او طائفته او ملته او نحلته .

ان التركيز على الفعل الايماني الشكلي الموروث اكثر حضورا واكثر تأثيرا في مجال الايديولوجيه الدينيه الايمانيه على حساب الايمان الشعوري القلبي ، فقد توقف المسلمون عند الوضوء كأجراء شكلي له طقوسه وهي طقوس تطهير الجسد اكثر مما توقفوا عند طهارة القلب والفكر .

ولذا نرى وضعية الايدي اثناء الصلاة في العقائد الموروثه من الماضي الايماني اكثر ثباتا من حضور النيه الصادقه مثلما كانت قضية رسم اشارة الصليب وطريقة اجراءها عند المسيحيين ، ان كل ذلك هو في الحقيقه تكريس لموروثات زمنيه حفرت مجراها وعمقت اثرها استنادا الى اراء الفقهاء عند المسلمين واللاهوتيين عند المسيحيين .

ان تعامل المسلم مع الحاضر لا يختلف كثيرا عن غيره من ابناء الديانات الاخرى ، المؤمن المسلم لم يتصالح مع زمنه الحاضر ويسعى لادانة هذا الحاضر حتى لو لم يصرح علنا بذلك فتصرفاته وسلوكه وافكاره توحي بما في اعماقه ، وان ادانته للحاضر واضحه في انه يعيش في الماضي في هذا الحاضر لصالح المستقبل .

انه يحاول استعادة المشروع النبوي والراشدي ولما كان عاجزا عن ذلك فهو يستعيده على شكل اطالة اللحى وحف الشوارب ولبس القصير من الثياب والافطار على تمرات في رمضان وغيرها وغيرها ، هو يستحضر هذه الشكليات كبدائل والمؤمن في هذا يعيش تناقضا داخليا ، ففي الوقت الذي يصر على استخدام السيف في ايقاع عقوبة الاعدام ، لا يتورع في استخدام اخر ما ابتكرته تكنولوجيا الاجرام من ادوات القتل والترويع لمن يختلفون معه في هذه الشكليات كما انه يستخدم ارقى ما توصلت اليه تكنولوجيا الصوت والاضاءه في المساجد والاماكن المقدسه غير عابيء بأن هذه الادوات لم تكن في عهد النبي ، كما ان استخدام ارقى ما توصلت اليه تكنولوجيا الكومبيوتر والمعلوماتيه في دراسات النص المقدس والذي هو نزل شفهيا ، انه يعيش في هذا تناقضا بين حياته المعاصرة وارتباطه بالماضي في طريقة تعاطيه مع القضايا الايمانيه ، انه يتناقض مع نفسه ومن هنا هو لم يستطيع ان يتبنى غير اكثر الافكار رجعية وانغلاقا ولا يقيم للقيم العقلانيه اي وزن .

ان هذا يكرس القلق بدل الطمأنينه التي يتوخاها المؤمن في ايمانه ، ومظاهر القلق عند المتدينين في عصرنا بارزة بحدة وكأن هناك ضياعا وكأن اربعة عشر قرنا لم تكن كافيه لارساء تقاليد ايمانيه ، ولفهم المقدس والتعامل معه .

يظهر هذا في الاختلافات الحادة بين مؤمن ومؤمن حيث يبدو كل منهما كافرا بنظر الاخر ، اليس هذا قلقا وعدم استقرار على مستوى عقيدة المؤمن وممارسته ؟

من هنا كان المؤمن كثير الاتهام لعصره ، غير قادر على التسامح الذي حاولت الاديان ان ترعاه وتطوره لجزء من الاخلاق الايمانيه فظهر القلق اضطرابا وعنفا .

المؤمن مشتت لا يريد التفريط بقيم أمن بها وخاف من التخلي عنها كما انه في ذات الوقت لا يريد ان يخسر الحياة المعاصرة بما تقدمه له من مغريات ورفاهية عيش .

والسؤال المطروح : هل بمقدور هذا النمط من المؤمنين النهوض بمجتمعاتهم بالمعنى الحضاري للنهضه ؟ .

لا نظن ذلك قطعا وامامنا اليوم الكثير من معطيات سلوكهم على الارض ، ان اول المباديء التي تحكم عملية النهوض الحضاري هي القناعه بضرورة ذلك ، قناعة تولد ارادة وهذه الارادة عليها ان تولد عنده ايمانا بتفعيل قوى الواقع لاحداث التغيير المنشود ، فمن كان يرى ان الواقع فاسد ولا خير فيه ولا يعيشه الانسان الا لتجاوزه اذ لا مصلحه له فيه ، وان سبيل النهوض ليس ارضيا ، وانه لا يمكن الاعتماد على هذا الواقع لاحداث التغيير المرتجى ، ولذا فان هذه الاعاقه لاحداث النهوض والتغيير مرتبطه بالعقل الايماني السائد الى حد كبير وهي حاضنه خصبه لقوى ذات فكر ورؤى وايديولوجيات دوليه ضمن مشاريعها لاستعباد الشعوب ونهب خيرات بلدانها .

لقد كان بروز الانتماء للزمن الماضي بما يحمل من تجارب وقيم اكثر وضوحا عند المؤمن المسلم في بيئه اسلاميه ولقد ازداد بروزا وحدة خلال الثلاثه او الاربعه عقود الماضيه ، وجاهرت الاتجاهات الاسلاميه الاكثر تشددا بجميع فئاتها واحزابها برفضها للواقع المعاش وكل مفرزاته الحديثه وعاشت تناقضا مع نفسها وعصرها وذلك بالولاء للماضي فكرا وعقيدة واسلوب حياة ، وطالبت بالعودة الى اسلوب ونمط الدوله الاسلاميه الراشديه ، وعمر قلبها الحنين الى عصر الرسول ، فحاولت وهي اليوم تحاول ذلك من خلال مشروعها السياسي .

ان هذا احال حياة المؤمنين الى مفارقات شتى وفي احيان كثيرة الى ضياع ، وذلك نتيجة لتنوع الولاء وتنازعه وعدم قدرتها على تحديد الانتماء احيانا ، ولا يغيب عن البال الصراعات التي حصلت فيما مضى بين الطوائف الدينيه والمذهبيه ، وما هو حاصل بينها اليوم ، وكذلك بينها بمجموعها مع اختلافاتها وبين من ينتمي الى العصر بوعي وبواقعيه .

لم تشغل بال الانسان على امتداد الحياة البشريه فكرة ، كما شغلته (فكرة الخلود) والاديان هي التي مهدت الطريق للانسان ليحيا هذه الفكرة حتى الان على المستوى النظري وهو لا يدري ان كان سيحياها على المستوى العملي ، فسلفه الاول آدم عاش التجربه بشكل مغاير ووعد اخلافه – حسب منطق التوراة – بحياة مثل حياته في الجنه اذا هم ساروا على طريقته ، وقدموا الفروض المطلوبه ؟.

لقد اخرج الله آدم من الجنه عقابا له على تلك الخطيئه القاتله ، واستمرت هذه العقوبه تتوارثها ذريته ، ويحملون وزرها وهم يعاقبون لليوم .

الاديان بدأت كل بدوره يضع شروطه على الانسان ليحصل على جواز المرور من دار الفناء الى دار البقاء وهذا الجواز يحتاج الى بصمات كثيرة وتواقيع اكثر ، لا يحصل عليها الانسان الا بأداء الفروض والغاء الاخرين وتكفيرهم والطعن بهم والايمان كل الايمان بأن الحقيقه هي ملكهم وحدهم ، انها طريق وعرة من اجل حلم جميل ، انها الجنه ، هي الخلود الابدي وهي المستقبل ، المستوى الثالث من المستويات الزمنيه التي تناغم عقل المؤمن وقلبه وتتنازع معه .

ان ما نراه لما يقولون ويكتبون منذ قرون عديدة في عمق التاريخ ان لكل دين جنته ، بل ان هناك جنه لكل طائفه خاصه بها وبالتالي فأن المؤمن عليه ان يعيش حلمه المستقبلي وينتعش هذا الحلم في داخله اكثر واكثر كلما كان اداؤه على مستوى احترام الزمن الماضي في الحاضر اكثر دقة ، بمعنى ان المؤمن كلما كان امينا على عقل الاسلاف ، ملتزما بنهجهم، ماضوي التفكير والرؤيه ، كان حظه من الزمن المستقبل ، الزمن الحلم اكثر وذلك لمقدرته على تحقيق الشروط وفك الطلاسم والشفرات الموضوعه للانس والجن على حد سواء ؟ .

ان منطق الاغراءات التي استخدمتها الاديان كحوافز للمؤمنين قد بقي الكثير منها في اطار الحسيات التي تخاطب الغرائز ، فالطعام والشراب والمغريات الجنسيه كانت في صلب الخطاب الديني الدافع للناس بالاتجاه الايماني .

ان المؤمن من صلب واجبه ان يكون حريصا على علاقته بربه طالما ان اجره سيحصل عليه من الحور العين والولدان المخلدون والخمر والعسل واللبن .

ان الضرر الذي يحيق بالجسد في حالة الكفر هو ضرر كبير وعند ذاك سيفشل في الامتحان امام ربه وسوف لن يحصل على طمأنينة جسده ودوام شبابه والتمتع بالملذات وكذلك فأنه سيحرم من الزمن القادم زمن الخلود الابدي .

ان صياغة النقيضين في الاديان وهي طرفي المعادله : (الجحيم – النعيم) و (الجنه – النار) قد كان لهما فعل السحر ومع كل ما لهما من تأثير فقد راكم الخيال الشعبي على مدى قرون طويله ما يزيد هذه الصورة بروزا كبيرا وتأثيرا في اوساط الفقراء والساذجين والمغفلين وعامة الناس البسطاء والذين لا يملكون ادنى معرفه وفهم لواقع الحياة ومسيرتها من هنا نستطيع ان نرى انه كلما اقترب المؤمن من الزمن الديني الايماني كلما ابتعد عن الزمن الدينوي ، بمعنى انه يبتعد عن واقعه الذي يعيشه في لحظه زمنه الذي يحيا فيه.

ومن المعلوم ان كل انسان حين يبتعد عن واقعه الذي فيه يحيا ويعيش ، فهو لن يكون فاعلا فيه ..

وختاما ما هو موقف العقل الايماني اليوم مما نحن فيه ، انه موقف رجعي متحجر ، علينا ان نحاربه .
 


المصدر :
العقل الايماني وصراع الازمنه ----------------- حسن ابراهيم احمد
مجلة النهج العدد 1











-

ا

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter