|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء  4  / 2 / 2014                               عبدالقادر البصري                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أنطباعات سريعة عن أمسية سينمائية

عبدالقادر البصري

ضمن النشاطات الثقافية التي تضمنها برنامج منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الدنمارك المخصص لأحياء الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي.. كانت الأمسية السينمائية التي عرض فيها فيلمين سينمائيين لمبدعين عراقيين من جيلين مختلفين هما المخرجان المبدعان محمد توفيق وفنار احمد.. الفيلمان يمكن تصنيفهما من الأفلام القصيرة ...

كان العرض الأول لفيلم " بلاد الرافدين 2020 " للمخرج الشاب فنار أحمد الذي ولد في براغ ودرس السينما في الدنمارك ،..
ورغم أنه لم ير العراق ، أستطاع صناعة هذا الفلم الجميل والمعبر عن الحالة العراقية وهذه التراجيديا المستمرة في الوضع العراقي.. الفيلم من الناحية الفنية والتقنية دنماركي المنحى وعراقي المضمون ..أنتج الفيلم عام 2008 وهو من الأعوام السيئة جدا من تاريخ العراق .

تدور أحداث الفيلم في أقبية وأنفاق عميقة تحت الأرض ، حيث تعيش ثلة صغيرة من العراقيين ، حياة تشبه الموت .. حياة متخلفة منقطعة عن المدنية والحضارة ويبدو أن هذه المجموعة القليلة العدد هي الفئة الناجية من الكوارث والموت المجاني الذي عصف ويعصف بالعراقيين.. ولكن اية نجاة هذه ؟؟ إنها شكل ومضمون اخر للموت البطيئ من خلال تسلل اليأس والملل والكأبة والضجر والمرض والوحشة القاتلة .. وبأعتقادي أن المخرج الشاب فنارأحمد قد أبدع في إعطائنا بصيصا ولو ضئيلاً من الأمل وذلك من خلال الفتى الصغير الذي يهرب من النفق ويترك للباقين رسالة ولكن هذا الهروب وإن كان محاولة جيدة ومهمة للخروج من هذا الواقع المأساوي نحو الحرية فهو بذات الوقت ليس جوابا على الوجهة الذي يمضي إليها والتي كما يبدو ضرب من السير إلى المجهول .

ثيمة الرسائل كانت فكرة جيدة حيث لا أحد يجيب على رسائل أفراد المجموعة مما يضطر كاتب الرسائل إلى كتابة أجوبة كاذبة ردا على رسائل المجموعة ، .. ولكن حتى هذا الأمر ينكشف ويختفي بذلك الأمل في النجاة .. الفيلم وكما نُقل عن المخرج (هو إنذار للعراقيين إذا ما أستمرت حالة العراق على هذا الشكل ، سوف لن يبقى الا عدد قليل منهم يعيشون في نفق مظلم) لقد تمكن المخرج فنار أحمد في فيلمه والذي شارك فيه عدد من الممثلين العراقيين المتميزين مثل الراحلة سهام علوان ، أسعد راشد ومحمد زلال والشاب سنان موسى ، بالاصافة إلى أخرين ، من توظيف امكانياتهم الفنية على افضل شكل . يذكر أن الفيلم حاز على جوائز تقديرية في عدة مهرجانات سينمائية منها مهرجان ابوظبي... بلاد الرافدين 2020 فيلم جدير بالمشاهدة .

أما الجزء الثاني من الأمسية فقد خصص لعرض فيلم (جلجامش وثلاثة كواكب) للمخرج المبدع محمد توفيق إنتاج 2011 هذا العمل وكما يقول المخرج " تجربة خاصة جدا وإرتجالي وتلقائي " ..الفيلم لا أحداث فيه ولا حكاية وهنا تبدأ المغامرة التي خاضها محمد توفيق وحين سُئّل هل إن إقدامه على صناعة هذا الفيلم مغامرة .. أكد إنها مغامرة كبيرة ومجازفة حقا ، حيث الشخوص لم يكونو أساسا ممثلين ولكنه كان يدرك جيدا وباطمئنان إلى أنهم مبدعون ويستطعون تقديم عمل ذا قيمة فنية وأضاف أيضا بأن هذا الفيلم عمل نوعي وفيه تلقائية ولكن أيضا قصدية حقيقية .

أن هذا العمل يحيلنا إلى إطروحة الفيلسوف جيل دولوز التي تركز على أن السينما ليست وسيطا لقص حكايات ولكنها وسيط لتوليد الأفكار ، وهذا ما حصل في شريط محمد توفيق حيث لم يحمل معه حكاية وإنما عمل من خلال الفيلم على جعل المبدعين الثلاث (فيصل العيبي ، أحمد المختار ، فاضل السلطاني) إلى إنتاج أعمال وأفكار من خلال الحوار العفوي وممارستهم التفكير المنتج ، ولابد من الإشارة إلى الألتقاط الذكي للصورة واللقطة السينمائية التي كان يقتنصها المخرج من خلال حيرة وإنهماك المبدعين الثلاثة في إنتاج اللوحة والمقطوعة الموسيقية والقصيدة .

إن الفيلم هو حلقة زمنية متصلة بين الحاضر والماضي والمستقبل ، حيث يقوم الموسيقي بإستشراف موسيقاه من خلال التاريخ والحاضر وكذلك يبدأ الفنان التشكيلي بوضع خطوط لوحته التي تنمو وتتداخل فيها الألوان بل تتصارع وتحتدم إلى النهاية .. ويقوم الفنان بين الحين والأخر بطلائها بألوان أخرى وكأنه يغطي المرحلة التاريخية بما يشير الى الحزن العراقي المتجذر والمستمر الى يومنا هذا ،.. لكن المحنة الأكبر هي محنة الشاعر الذي ترصد الكاميرا كل حركاته وانفعالاته... وتعابير وجهه والقلق الذي يعتريه وهو يبدأ بكتابة أولى الكلمات الى أن تولد القصيدة المصطبغة بالدم ، والذي نتلمسه أيضا من وجع لوحة الرسام وشجن الموسيقى ولوعة العازف .

أن هذا العمل النوعي الذي أستمر عرضه لمدة 24 دقيقه بيّن لنا قدرة المبدع محمد توفيق على إختراق المألوف والخوض في اعمال ابداعية غاية في التلقائية ولكنها ترصد غاية مهمة وهي ان الصورة نطقت بواقع عراقي عمره ستة آلاف سنة .



4 / 2 / 2014

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter