|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  22  / 11 / 2014                                 عدنان حسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

شنــاشيــــل :

تعلموا من داوود أوغلو

عدنان حسين

أضطرُّ من حين إلى آخر لتنبيه عامل الخدمة في مكتبي لكي يقدّم الشاي أو القهوة إلى النساء قبل الرجال من ضيوفي. وفي كل مرة يعتذر ويأتي بحركة تشير إلى انه قد نسي تنبيهاتي السابقة.

بالنسبة لي ، لا يرجع الأمر الى إصابة هذا الشاب بنوع من ضعف الذاكرة أو فقدانها، وإنما إلى درجة التحضّر المتدنية التي يحوزها. هو قادم من بيئة فقيرة، تعليمه محدود الى درجه انه، مثلاً، لم يدرك ان اضطراره الى تقريب الأشياء من عينيه ليتبيّن تفاصيلها راجع إلى ضعف في نظره يحتّم عليه مراجعة طبيب اختصاصي بالعيون، وهو ما فعله بعدما ألحّت عليه السكرتيرة بفعل ذلك، وقد بدا سعيداً ومتوازناً عندما بدأ بوضع النظارة الطبية على عينيه.

التحضّر هو الذي يدفع بشخص في مقام رئيس وزراء، هو رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، لزيارة أحد مستشفيات بغداد، مقتطعاً وقتاً من برنامج زيارته الرسمية الى عاصمتنا، من أجل أن يعود فرداً عراقياً عادياً من عابري السبيل في أحد الشوارع صدمته واحدة من السيارات المتكون منها موكب الضيف التركي. وظهر داوود أوغلو على شاشات التلفزيون يقف عند سرير العراقي المصاب في المستشفى مطمئناً إلى حاله.

ربما لم يعلم داوود أوغلو بالحادث مباشرة، لكنّ مرافقيه المتحضرين نبهوه إلى ذلك فبادر، بتحريض من تحضّره، للقيام بواجب زيارة المواطن العراقي.

في المقابل ، فان عدم التحضر هو الذي جعل أحد رؤساء الوزارات السابقين في دولتنا الحالية يتغافل عن تسبّب موكبه في مقتل أحد العراقيين العاديين عند قيام رئيس الوزراء السابق، يوم كان رئيساً للوزراء، بزيارة إحدى الدوائر الحكومية.. يومها لم يتوقف الموكب لنقل الرجل المقتول في ذلك الحادث الى المستشفى علّ فيه بقية من حياة تحفظ له حياته، ولا أمر رئيس الوزراء ذلك بتعويض عائلة المواطن المقتول الذي لم يكن له من ذنب سوى ان حظه العاثر جاء به إلى المكان الخطأ في الزمان الخطأ. ربما لم يعرف رئيس الوزراء (السابق) الى اليوم بالحادث، ولكن لأنه غير متحضر أحاط نفسه بمرافقين ومساعدين من طرازه لم يفعلوا ما فعله مرافقو رئيس الوزراء التركي.

والتحضّر أيضاً - فضلاً عن الوطنية - هو الذي يأخذ بالسفير الأميركي في بغداد إلى أربيل لزيارة مخيمات النازحين من المناطق الواقعة تحت الاحتلال الداعشي، ليقف بنفسه على حال النازحين واحتياجاتهم والتأكد من وصول مساعدات بلاده إليهم.

في المقابل كذلك فان عدم التحضر - زيادة على عدم الوطنية - هو الذي يجعل معظم أعضاء مجلس النواب (برلماننا) ألا يخطر في بالهم التوجه إلى أربيل لزيارة مخيمات النازحين بدلاً من الطيران إلى عمان أو بيروت أو دبي في واحدة من عطلاتهم الكثيرة.

في الأقل، تعلموا التحضّر من الإسلامي أحمد داوود أوغلو، يا نوابنا ووزراءنا، وأنتم في معظمكم تتبارون فيما بينكم بالتظاهر بإسلاميتكم، محابسَ ومسبحاتٍ وجباهاً مسوّدة وخطاباً حافلاً بالآيات والأحاديث النبوية والإمامية!


المدى
العدد (3221) 22/11/2014
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter