| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأثنين 20/6/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

شارع الرشيد

عدنان حسين

تركتُ ساحة التحرير يوم الجمعة (عمود أمس: كنتُ في ساحة التحرير) على حملات الكرّ والفرّ الاستفزازية لكن غير العنفية من جانب المتظاهرين من أنصار رئيس الوزراء لإرغام المتظاهرين الآخرين على ترك الساحة. عدتُ إلى ساحة الخلّاني لأركب إلى شارع المتنبي. قال لي شرطي المرور الذي سألته كيف الوصول إلى ساحة الرصافي أو ساحة الميدان، إن الطريق الوحيد المفتوح باتجاه باب المعظم أو ساحة الميدان هي شارع الشيخ عمر، لكنه أستدرك قائلاً: "طريق طويل ومزدحم.. أحسن لك أن تمشي شارع الجمهورية على قدميك". أخذت بنصيحته ولكنني سلكتُ شارع الرشيد الذي يأخذني مباشرة إلى شارع المتنبي، ولكي ألوذ من الشمس الكاوية برواقيه التاريخيين الطويلين المُعمدين والمُسقفين، ولأستعيد ذكرياتي القديمة مع الشارع الأروع في تاريخ بغداد.
هذا الشارع الذي يبلغ عمره الآن قرناً من الزمان كان قبل أن أضطر للهجرة إلى الخارج في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، درّة التاج البغدادي، محالّه تزدهر بالألوان وتعبق بروائح الشاي المخدّر والقهوة المحمصة والزيتون المخلل والسجق والعصائر والكعك والعطور الباريسية.. أهله باسمون دائماً ومُشاته أو المنتظرون عند مواقف الباصات الحمر لا يخشون على أناقتهم من أوساخ أو مياه قذرة.. كان يبدو مثل صبية ناضجة هُيِّئت للزفاف إلى عريسها.
لكن شارع الرشيد اليوم حكاية أخرى، مختلفة تماماً.. لا يماثله شارع آخر في العالم في سوء حاله ومآله إلا شوارع بغداد الأخرى... كل شيء فيه قذر وكئيب. تتطاير في جنباته قصاصات الورق وأكياس النايلون والغبار، ويضجّ هواؤه بروائح المياه الآسنة المتدفقة من الأزقة البائسة على جانبيه.. بدا لي الشارع مثل شخص بكى كثيراً على نفسه حتى جفت الدموع في مآقيه ولم يعد يستطيع البكاء وراح ينظر في البعيد كما لو انه بلا روح.
أمس أشرتُ إلى أن الحكومة جنّدت قوات كبيرة العدد والعدة للمرابطة في ساحة التحرير والساحات القريبة والشوارع المؤدية إليها.. بالطبع هذه الجحافل لم تتطوع من أجل الخدمة العامة، وإنما هي تؤدي خدمة مفروضة عليها، وتحصل مقابل هذا على تخصيصات مالية. وإذ نتحدث عن عشرات العربات المدرعة ومئات الجنود ورجال الشرطة والضباط فان التكاليف المقدّرة تصل إلى مئات آلاف الدولارات في كل يوم جمعة.
من خلال تجربتي بزيارة ساحة التحرير على نحو متواتر أيام الجمع يمكنني عرض مراهنة مع أي كان. أراهن على أن الأمر لا يحتاج أكثر من 5 – 6 عربات مدرعة وسيارتي إسعاف و50 – 60 عسكرياً من باب الاحتياط، ذلك انه ثبت بالدليل القاطع أن الاستفزازات وأعمال الشغب المحدودة التي وقعت في بعض أيام الجمع إنما كانت بمبادرة من القوات الأمنية أو العناصر الموالية إلى الحكومة التي تسعى إلى الخلاص من وجع الرأس، التظاهرات.
بغداد وشوارعها التي تغصّ بالأزبال والمياه الثقيلة أحوج ما تكون إلى هذه المئات من آلاف الدولارات المصروفة على الحشود العسكرية في العاصمة كل يوم جمعة.. أنفقوا هذه الأموال وغيرها على الخدمات من أجل توفير الاحتياجات الأساسية.. كافحوا الفساد، وتجاوبوا مع مطالب المتظاهرين التي اعترفتم بأنها مشروعة، وستجدون أن الناس لن تحتاج إلى التظاهر، وأنكم لن تحتاجوا إلى حشد الجحافل العسكرية في الساحات والشوارع.




العدد (2166) الأثنين 20/06/2011






 

 

 

free web counter