| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عدنان حسين
adnan255@btinternet.com

 

 

 

الأحد 19/6/ 2011                                                                                                   

 

شنــاشيــــل :

كنتُ في ساحة التحرير

عدنان حسين

لم تكن هذه المرة الأولى التي أزور فيها ساحة التحرير في بغداد يوم الجمعة، فمنذ 25 شباط الماضي أصبح يغريني النزول عند هذه الساحة والمرابطة فيها تحت نصب الحرية الشامخ لساعة أو بعض الساعة، تأييداً للشباب المتظاهر المطالب بحقه وحق الشعب العراقي كله في حياة كريمة، فشل الإسلام السياسي المهيمن على العملية السياسية في توفيرها ولو بأدنى مستوى، فشلاً ذريعاً لا يضاهيه إلا فشل حزب البعث من قبل في تحقيق أيٍّ من أهدافه: الوحدة والحرية والاشتراكية، بعد 35 سنة من حكم مطلق.

ونداء الواجب المهني هو أيضاً كان دافعاً قوياً للحضور المتواتر كل أسبوعين أو ثلاثة في ساحة التحرير والوقوف تحت نصب جواد سليم، ففضول المعرفة الميدانية ورغبة الشهادة العيان على ما يجري من أحداث غير عادية لم تخفت جذوتها في القلب والعقل مع تقدم السن.
تحمستُ أكثر لزيارة الساحة الجمعة الأخيرة بعد أحداث الجمعة السابقة التي شهدت صولة حكومية جديدة، هي صولة "التواثي" أو "الشوميات"!.. رغبتُ في التعرف عن قرب على الكيفية التي وقعت فيها أحداث تلك الصولة، أو بالأحرى الخطأ الجديد الذي تبرعت الحكومة بإيقاع نفسها فيه وتقديمه هدية مجانية إلى معارضيها وخصومها، لتزيد من رصيدها السمين من الأخطاء التي ارتكبتها تجاه المتظاهرين حتى قبل أن يبدأوا تظاهراتهم في 25 شباط، فهي اتخذت حيالهم موقفاً عدائياً سافراً غير مبرر ويتعارض مع أحكام الدستور، فيما كان يمكن لرئيس الوزراء، لو فكّر هو ومستشاروه بطريقة مختلفة، أن يجعل من المتظاهرين أصدقاء وأنصاراً له ومن حركتهم قوة إسناد له لا تكلّفه شيئاً بخلاف ما يحدث مع جماعات الإسناد العشائرية.
ركبتُ باتجاه الباب الشرقي، عند الوصول قرب مفترق الطرق عند مجلس محافظة بغداد في الصالحية سألني السائق إن كنت أرغب بعبور جسر السنك أو جسر الجمهورية.. تركت الخيار له فاتجه إلى جسر الجمهورية، ولما وصلناه وجدناه مغلقاً، فعندنا إلى جسر السنك الذي ما أن عبرناه إلى ساحة الخلاني حتى وجدنا الطرق المؤدية من الخلاني إلى ساحتي التحرير والطيران مغلقة هي الأخرى، فما كان إلا أن أترجل واتجه إلى ساحة التحرير عبر شارع الجمهورية.. كانت الطريق حافلة بالعربات العسكرية وبعناصر الجيش والشرطة. الأمر نفسه كان مع مداخل ساحة التحرير الأخرى.. لا مبالغة إذا ما قلت إن عدد العربات وعناصرها كان بعدد المتظاهرين أو أكثر.
عندما دخلت الساعة التاسعة والنصف كان نحو 250 من المتظاهرين الرجال يحتلون موقع وسط الساحة الذي اعتاد أن يحتله منذ 25 شباط شباب الفيسبوك وأنصارهم الذين لم يظهروا في الساحة هذه المرة... كان من الواضح أن المتظاهرين الجدد من أنصار رئيس الوزراء، فشعاراتهم وهتافاتهم تكرر"كل الشعب ويّاك نوري المالكي" ... ظلوا وحدهم هناك يهتفون ويقرعون الطبول ويرقصون، وفي حدود الساعة العاشرة تجمع تحت نصب الحرية مباشرة، حيث كنت أقف، نحو 150 من الرجال والنساء.. وقبل أن يرفعوا هتافاتهم وشعاراتهم الأولى رفع رجل أشيب منهم صوته بان يلتزموا الشعارات المتفق عليها ولا يطلقوا أي شعار استفزازي.. بدأوا بالشعارات العامة التي اعتاد المتظاهرون على ترديدها والمطالبة بتوفير الخدمات ومكافحة الفساد والمناهضة للبعث والتكفيريين، مضافاً إليها شعار إخراج المحتل. بعد دقائق ترك أنصار رئيس الوزراء موقعهم المميز وداروا في جزء من الساحة ثم تقدموا نحو المتجمعين تحت النصب واخترقوهم بصورة استفزازية على نحو جلي للغاية.. أحتفظ أصحاب المظاهرة غير الحكومية بالهدوء وغيّروا مكانهم فلاذوا بمظلة تقف فيها عادة سيارة مسلحة للشرطة.. أنصار رئيس الوزراء ظلوا يحومون حولهم ويخترقونهم، فاضطروا إلى العودة لمكانهم الأول تحت النصب مباشرة، ولكن لم يكفّ أنصار رئيس الوزراء عن عمليات الاختراق.. المتظاهرون الآخرون أظهروا حكمة فقد كانوا أحياناً يرددون هتافات أنصار رئيس الوزراء نفسها من قبيل "صدام انعدم موتوا يا بعثية"، ولكن عندما يهتف أنصار رئيس الوزراء هتافات تمجّد بالمالكي يرفع أولئك أصواتهم: "يا مالكي طير طير .. حلَت أوقات التغيير"، أو "الشعب يريد إسقاط النظام".
عندما غادرت الساحة في العاشرة والنصف كانت عملية الكرّ والفرّ السلمية هذه مستمرة على قدم وساق تحت نصب جواد سليم مباشرة بينما الموقع الأثير لمتظاهري الفيسبوك ظل خالياً.
لم تترك تجربة الشهادة العيان هذه أي شك لديّ في أن أنصار رئيس الوزراء لديهم هدف واحد من النزول إلى ساحة التحرير وسواها هو وقف التظاهرات التي بدأت في 25 شباط. أما قضية جريمة عرس الدجيل فلم تكن إلا حجّة. ومن دون تردد أقول إنني وجدت ما جرى في الأسبوعين الأخيرين في ساحة التحرير مسيئاً إلى رئيس الوزراء والى حزبه كثيراً، ربما أكثر مما أساء موقف العداء الصارخ لحركة التظاهرات التي تؤكد حق الشعب العراقي في حياة كريمة.



العدد (2165) الأحد 19/06/2011






 

 

 

free web counter