عدنان حسين
     


|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  19 / 8 / 2017                                 عدنان حسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

شنــاشيــــل :

موقف حكومي صحيح وآخر سياسي ليس كذلك

عدنان حسين 
(موقع الناس)

هذا بالضبط هو الإجراء الصحيح والخطوة السديدة للتعامل مع تقارير وسائل الإعلام والمنظمات الدولية في ما يتعلق بالانتهاكات المنسوبة إلى القوات الحكومية أو عناصر فيها في مجال الحقوق والحريات العامة والشخصية.

كان نظام صدام من أكثر الانظمة الاستبدادية في العالم قسوة وهمجية، وكان التعدّي على حقوق الانسان ومصادرة الحريات سياسة منهجية له، لكنّه على الدوام اتّبع سياسة الإنكار رداً على ما يُنشر في وسائل الإعلام وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، ولم ينفعه ذلك في شيء.

نظامنا الجديد المستمدّ شرعيته من دستور 2005 الذي كفل الحقوق والحريات وحرّم التجاوز عليها، لم يمض بعيداً عن فلك نظام صدام، فالحقوق والحريات الخاصة والعامة تعرّضت إلى انتهاكات، بعضها كان خطيراً، وكانت مؤسسات الدولة، إلى جانب المنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة غير الشرعية، من أكبر مرتكبي هذه الانتهاكات، وبخاصة في عهد الحكومة الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2010 – 2014)، فقواتها وأجهزتها مارست الاعتقال والاختطاف والتعذيب وقمع التظاهرات بالقوة الغاشمة والتعدي على مؤسسات إعلامية وإعلاميين مارسوا حقهم وواجبهم في النقد.

بدرجة أخف استمرّت الحال في عهد الحكومة الحالية، لكنّ ساحات العمليات الحربية لتحرير المناطق التي احتلّها تنظيم داعش الارهابي، شهدت انتهاكات من عناصر في القوات المسلحة النظامية وقوات الحشد الشعبي والبيشمركة، ولم نتردّد وغيرنا عن كشفها والمطالبة بعدم تدنيس حرب التحرير بممارسات خارجة على القانون. منظمات حقوق الانسان الدولية ووسائل إعلام اجنبية دأبت من طرفها على التنبيه لحصول هذه الانتهاكات، وهو ما قوبل في الغالب بالإنكار من حكومتي بغداد وأربيل.

في مفاجأة سارة أعلن المتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي الخميس الماضي أن العبادي "يولي أهمية كبيرة لمتابعة جميع التقارير الإعلامية أو تلك الصادرة عن منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان والتي تتضمن اتهامات لبعض منتسبي القوات العراقية بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين"، وأنه "وجّه بتشكيل لجنة مختصة في رئاسة الوزراء لتقصّي الحقائق" بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية "من أجل الوقوف على الحقائق واتخاذ الاجراءات القانونية وإحالة من تثبت بحقهم هذه التهم إلى القضاء"، وقد باشرت اللجنة عملها.

نعم، هذا هو الإجراء الصحيح والخطوة السديدة. لا ينبغي اعتبار عناصر القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والحشد والبيشمركة ملائكة. كما في كل انحاء العالم، فإن هذه الأجهزة لا تخلو من المتجاوزين والمحتالين والسرّاق والقتلة. لا يوجد جيش أو شرطة أو أجهزة حكومية في العالم خالية تماماً من هؤلاء.

الإنكار لا ينفع، بل هو يزيّن للجهات والعناصر الخارجة على القانون الاستمرار في ممارساتها. الصحيح هو إجراء تحقيق شفاف وإعلان نتائج التحقيق ومعاقبة المتجاوزين لردعهم وغيرهم عن الإتيان بالأفعال نفسها أو ما يماثلها في المستقبل.والصحيح قبل هذا التزام الشفافية أمام الإعلام والمنظمات الحقوقية. هكذا تتصرف دولة المواطنة التي يفكّر المسؤولون فيها بأنّ قوتها واستقرارها وتنميتها إنّما تكون بتأكيد وتثبيت سلطة القانون، وليس بالخروج عليها وبالتستر على هذا الخروج.

في هذا الإطار أيضاً يتعيّن التعامل مع ما يُنشر ويُقال من آراء عبر الإعلام، فليس من المقبول أن يُستخدم سلاح التهديد ضد أصحاب الرأي. وهنا أشير تحديداً الى قضية الزميل د. كاظم المقدادي الذي حتى لو كان في ما قاله تجاوزاً وتجنٍّياً على زعيم التيار الصدري، فالردّ عليه لا يكون بالتهديد والتحريض والتخويف .. الأسلوب الصحيح هو الردّ بالمثل عبر الإعلام، أو باللجوء إلى القضاء.. بهذا تُبنى وتترسّخ دولة المواطنة التي نعمل لها، وبغيره تتزعزع أركانها.
 

المدى
العدد (3999) 19/8/2017 
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter