|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  9  / 3 / 2020                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المرأة و الحديد .... هل يلتقيان ..؟؟!!..

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)


في حقبة تاريخية تتقاطع فيها الحدود بين الآلام والآمال و بين الأحلام في التغيير والاحباط من فيضان العواصف والأوبئة و بين رؤى الثورة والانقلابات المنتمية وغير المنتمية الى استراتيجيات ... في عالم تختلط فيه كل القيم و تنعدم فيه الرؤية لشدة التحولات "المفاجأة"... ومعها تثار اسئلة تقبع في عمق الذاكرة التاريخية حول مفاهيم كثيرة و منها مفهوم الثورة و مفهوم التحول في البنية السوسيوسايكوليجية للمرأة ..

في العالم العربي والشرق الأوسط حيث عادت الحالة الثورية منذ أواسط السنة الماضية عاد ايضا السؤال عن دور المرأة و طموحها و وعيها السياسي و مشاركتها في ادارة التطور المجتمعي ..

لا ادري من الذي يملك "الحق المقدس" في تقديم المفاهيم العابرة "للأنا" أو في الحكم على دور هذا وذاك من الفاعلين ... لكن النمطية الثورية الكلاسيكية حيث يطغى خطاب "اهمية دور المرأة و ضرورة مشاركتها ووووو" قد يكون من التبسيطية خاصة الركون الى فرضية ان المرأة تملك كل الامكانيات للقيادة "لولا هيمنة الذكورية"... هكذا دون دراسة التحول في الثقافة و السلوكيات المترتبة على تغيير الدور الاجتماعي ..

في الذاكرة الثورية للمرأة المتعطشة للتحرر والتغيير تتجلى صور جميلة للعطاء و مقاومة الارث التاريخي للكلاسيكيات التقليدية و الصور النمطية عن "تقسيم العمل" بين المرأة والرجل ... لكن تبرز هناك ايضا طموحات تتجاوز احيانا كينونة المرأة من خلال تقمص الدكتاتورية في اعتى نماذجها..

هنا اريد ان اعود بالذاكرة الى شهور قليلة مضت .. الى تلك اللحظات حيث اخيراً ذرفت تيريزا ماي الدموع على عدم نجاحها في التحول الى آلة معدنية حيث استقلت من رئاسة الوزراء ... و لا ندري ان كانت تبكي على سلطة هوت من بين يديها أم غبطة كونها حافظت على بقايا المرأة فيها...!!..

وفق منطق الأنثروبولوجيا التاريخية فان الرجل "اعتاد" ان يرنو الى العنف و التسلط في فكره و سلوكه و حتى في ابتسامته و بكائه.. وربما يعود ذلك الى التراكم التاريخي في مسؤولية اتخاذ القرار واستخدام القوة الجسدية في تنفيذ كل ذلك مما حالت دون تحوله الى "الانسان النموذجي" كما تصوره الأساطير و تدعو اليه القيم الدينية و الكثير من المفاهيم الثقافية والفلسفية .... و لكن العلم الحديث و خاصة علم الجينات و دراسة طبيعة الهرمونات اضافت ايضا عناصر اخرى الى تفسير التكوين الصراعي داخل المنظومة النفسية لدى الرجل...

بطبيعة الحال هذا الكلام ليس تبريرا لأحد ان يستمر الرجل في غيه و لا يسعى الى تغيير منهجه الثقافي و السلوكي... لكن الموضوع هو عن اشكالية ما قد يندرج تحت عنوان "انسلاخ" المرأة عن اسس تكوينها النفسي و الاجتماعي لتتحول الى مسخ رجالي رهيب في ظل الحماسة "الثورية" لتحرر المرأة من هيمنة الذكورية الرجالية... و بذلك تحول طاقتها في بناء الأنسان و المجتمع الى مجرد آلة أو روبوت تبحث عن السلطة و تزرع الدمار بدل الابتسامة...

تاريخياً ايضا هناك للاسف بعض الدراسات تشير الى حقيقة مؤلمة و هي ان اغلب الحروب في تاريخ البشرية و أكثرها دموية كانت تقودها نساء

(https://www.economist.com/europe/2017/06/01/who-gets-into-more-wars-kings-or-queens?fsrc=scn/fb/te/bl/ed/princessesofthebloodwhogetsintomorewarskingsorqueens)...

وهذا هو الجرس الذي عادته تنتبه اليه المجتمعات لكن بعد حدوث الدمار (مع الاحترام لارنست هيمنغواي و روايته "لمن تدق الأجراس")...

في التاريخ الحديث فان شخصيات نسائية عديدة أظهرت درجات عالية من الطموح السياسي مثل مارجريت ثاتشر و مادلين اولبرايت وكوندوليزا رايس لكنها للاسف قدمت نماذج مرعبة في مركب "المرأة والحديد"...

لاشك ان النماذج النسائية المذكورة أعلاه لا يمكن اعتبارها "نماذج ثورية" وفق الرؤية الاخلاقية و الايديلوجية للكثير من الحركات السياسية في العالم الا ان هناك ايضا نماذج لا يمكن التهرب من تأثيرها التاريخي مثل ويني مانديلا التي تحولت الى قائدة مافيوية في ظل رئاسة زوجها المناضل الإنساني نيلسون مانديلا...

لكن المهم ان هناك الكثير من النساء في العالم وفي الشرق الأوسط من المعجبات بنموذج "المرأة الحديدية" و منهن بعض زميلاتنا العزيزات من الباحثات في الدراسات الانسانية و حتى بعض الشاعرات ... والأسباب كثيرة تتحرك بين محور القلق والتجربة الذاتية ومحور الصورة الذهنية التي ترسمها وسائل الاعلام عن نماذج كبرى مثل ثاتشر بريطانيا و أفلام هوليوود و النيو فيمينيزم
Neo-Feminism المدعومة بقوة من حركة Me-Too و طبعا لا ننسى طبيعة التغيير في وعي المرأة عن ذاتها وعن العبء التاريخي الطويل والشديد الثقل نتيجة التعرض للظلم والاهانة والتهميش على مدى آلاف السنوات ..

كما ان هناك الكثيرين من السياسيين في العالم الذين يعتبرون المرأة الحديدية نموذجاً لنكران الذات ومثال للقيادة الصلبة والمدافع عن المصلحة الوطنية.... الخ.. من أوصاف ليس لها علاقة بقيمة الوجود الإنساني لان التاريخ مليء بالكثير من الرجال "الأشداء" من الذين خلقوا الدمار في مجتمعاتهم وفي العالم تحت ذريعة ذات العناوين السياسية و التأويلات الثقافية و الفلسفية ..

في المقابل فان في نموذج تيريزا ماي يمكننا ان نتذكر الوجه الاخر ... الوجه الإنساني لدور المرأة المجتمعي ... الام تيريزا التي وان لم تكن ملاكاً بل انسانة ... لكن في صورتها وفي صورة مثيلاتها في كل الثقافات يمكننا ان نقرأ ان المرأة هي الحاجز النفسي والاجتماعي بين الانسان و الوحش... او بين الانسانية و الهمجية ... المرأة هي اخر جدار بين الواحة والصحراء ... بين الجنينة والغابة و لِمَ لا بين الجنة والنار ... هي اخر هفوة بين الحقيقة والخيال ... بين الحلم والموت .. و بين الحياة وما دونها..

مثيلات الام تيريزا كثيرات وكثيرات من النساء الثوريات عبر التاريخ والان و لابد ان تكون غدا اذا كان للانسان ان يتجاوز ازمة الوجود بسبب التلوث واللهاث وراء الصراع .. واعتقد ان الوعي الثوري لدى المرأة و داعميها من المثقفين لابد ان يقرأ التجارب بعناية اكبر خاصة ان التطور الراسمالي عموما والتقدم التكنولوجي المتسارع يحول الانسان بشكل اكثر اتساعًا وعمقا الى "الروبوت السعيد" .... حبي للجميع

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter