|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  8  / 3 / 2015                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حرب "الأصنام" ..؟؟..!!.

د. اكرم هواس *

قبل ايام أظهرت داعش فيلما وزعته اغلب وكلات الأنباء و وسائل الاعلام في العالم عن تحطيم التماثيل و قطع الاثار في داخل ومحيط متحف الموصل ... شيء مثير رغم انه ليس امر جديدا و لا غريبا... فالاسلام حاله حال الديانات السماوية ... او الديانات المؤسسة على فكرة الاله الواحد الأحد ... لا تقبل باي شريك لهذا الاله الواحد الأحد... والتماثيل ... بغض النظر عن مادة صنعها... سواء خشبا او معدنا او حجرا... كان يعتبرا صنما... و الصنم هو رمز غير ناطق... او هو شيء لا ينفع و لا يضر وفق منطق القرآن... و لكن عندما يحوز على اهتمام الناس فانه يتحوّل الى شريك لله.... لان اهتمام الانسان هو مركز إيمانه ... والإيمان يجب ان يكون لله الواحد الأحد .... لانه الخالق والمدبر الوحيد... وعليه فهو الوحيد الذي يستحق الإيمان به... وهذا هو المنطق الذي على اساسه قام النبي ابراهيم بتحطيم الأصنام ... رغم انه كان يعرف ان تلك الأصنام لا تنافس قدرة الله في اي شيء سوى انها تستحوذ على إيمان بعض الناس...

هذه حقيقة يعرفها كل المهتمين بعلم الاثار وانثروبولوجيا التطور الاجتماعي وظهور الأديان .... كما ان هناك حقيقة ثانية يعرفها هؤلاء ايضا وهي ان استكشاف الاثار القديمة كان عملا أساسه دراسة المجتمعات القديمة وتطورهما... ثم تحوّلت تلك الاستكشافات وتعرضت .... كأي شيء اخر في هذا العالم... الى عملية السلعنة... اي أصبحت سلعا تباع وتشترى ... اي انها أصبحت تجارة مربحة بين اللصوص والأغنياء..... بعض الأغنياء يحتفظ بتلك الاثار في قصورهم للتباهي وكذلك كنوع من الاستثمار... واخرون طوروا فكرة لاستثمار و هكذا أقيمت المتاحف الكبرى هنا وهناك في الدول الاستعمارية لحفظ تلك الاثار وعرضها للجمهور مقابل مبالغ مالية... مع فتح اسرار بعضها للدارسين...

والفيلم الذي عرضته داعش بنيت فكرته على أساس هاتين الحقيقتين .... شخص ظهر في الفيلم وقال اننا نحطم هذه الأصنام رغم انها يمكن ان تباع بالملايين... وهذا الكلام يمثل طبيعة رسالة داعش التي لا تختلف كثيرا عن طبيعة رسالة حرق الطيار الأردني.... انظر مقالتنا بذلك الشأن... فالهدف إعلامي تستحوذ من خلاله داعش على اهتمام وسائل الاعلام في العالم ... وفي نفسه الوقت تؤكد وجود مؤسسات دولة خلفها... اي مؤسسات دولة داعش... فالعمل اي تحطيم الآثار بهذا الشكل المنظم وتحت أنظار الاعلام لا يمكن ان يكون مجرد رد فعل أشخاص متعصبين... بل يعتبر عملا قانونيا... يستند الى شرائع قائمة تدار أمور المجتمع على اساسها... ثم ان تطبيق القانون غير قابل للبيع والشراء... لانه يمثل قوة الدولة ونظامها...

بكلام اخر... ان داعش ارادت ان توصل رسالة مفادها ان الدولة قائمة ومؤسساتها تقوم بعمل نظامي قانوني... طبعا نحن لا نعرف اذا كانت الاثار التي تعرضت للتحطيم هي فعلا اثار حقيقية لان بعضها كان صلدا و مقاوما للضربات القوية التي تنهمر عليها وهذا يطرح اشكالية تقنية حول المواد التي صنعت منها تلك الاثار وقوة صلابتها... كما ان هناك سؤالا حول عدد الاثار التي كانت موجودة في متحف الموصل وهل تعرضت جميعها للتحطيم ام ان قسما منها قد تم بيعه فعلا....وأسئلة كثيرة اخرى... يمكن ان تطرح دون إمكانية إيجاد اية اجوبة ....

لكن كان هناك أمر اخر حققته دعاية داعش وهو ظهور الكثير من الأصوات التي تدعو وتتمنى لو ان الغرب استولى على جميع الآثار وحوّلها الى متاحفه المحفوظة "من كل سوء"... في وقت انبرى "المثقفون" يتحدثون عن الاثار باعتبارها تمثل هوية العراق والعراقيين ...!!!..

ترى ما أهمية تلك الهوية التي تحفظ في متاحف الغرب وتفيد الغرب تجاريا وعلميا .... وبماذا يختلف الامر اذا عادت الاثار الى تحت الثرى كما كانت قبل ان يستخرجها المستعمرون...؟؟.. هل يعتقد هؤلاء "المثقفون" بان العراقيين لم تكن لهم هوية يعتزون بها قبل ان يأتي المستعمرون ويسكتشفون ... او يصنعون ... لهم تلك الهوية التي لم تعلن عن نفسها عبر آلاف السنوات وانتظرت مجيء المنقذ الغربي...؟؟؟..

هناك من هؤلاء "المثقفين" من يعتقد ان جهات خارجية تحاول محو الذاكرة العراقية.... كلام مهم ومنطقي في ظل الفوضى العراقية وتدخل الجميع في شؤونه... لكن السؤال الذي تطرحه السوسيولوجيا الاجتماعية هو: ... بماذا خدمت هذه الاثار في الحفاظ على الوحدة الاجتماعية العراقية..؟؟.. هل منعت هذه الذاكرة التحارب بين المجموعات الاجتماعية العراقية..؟؟... ربما نجد الف تبرير وتبرير ونظريات مؤامرة وغيرها للاقتتال الداخلي.... ولكن هل يمكننا في النهاية ان نفترض ان الرموز الحضارية القديمة قد زادت من تحالف المنتمين والمؤمنين بتلك الحضارات التاريخية .... ام انها تلعب بين الحين والاخر في إذكاء الخلافات والتناحرات وايضا الصراعات والقتال...؟؟؟...

هل يحتاج العراقيون بما يذكرهم كل يوم عن اختلافاتهم و روايات تبادل الانتصارات والهزائم بين المجموعات الحضارية القديمة.... ام يحتاج العراقيون الى هوية وذاكرة حضارية جديدة تجمعهم على أسس من المساواة والفصل بين حاضرهم ... الذي ممكن ان يصنعوه بأيديهم .... وماضيهم بغض النظر عمن صنعه ومن استكشفه...؟؟؟...

ثم حتى لو فكرنا اقتصاديا واستثماريا ... حيث تحوّلت الاثار في كثير من الدول الى صناعة سياحية... وحيث ان المتاحف في الدول الغربية التي تحتفظ بالكثير من اثار العالم المسروقة... يمكننا ان نتساءل عن مساهمة المتاحف لدينا ومنها متحف الموصل في الدخل الوطني او القومي للعراق في اي فترة من تاريخ العراق ومنذ ان تم انشاء المتاحف والاهتمام بالآثار ...؟؟؟.. هل يمكن ان نتصور ان مساهمة الاثار تمثل اية نسبة قياسا بالنفط الذي يوفر المليارات سنويا دون ان ينفع المجتمع وخاصة الفقراء في شيء...؟؟؟..

واخيرا ... ما أهمية اية موارد مهما كانت قيمتها المادية والعلمية والتاريخية والقيمية امام دماء العراقيين الذين اصبحوا لعبة يومية بيد الداعشيين هنا وهناك... من ذبح واغتصاب وقطع للاطراف والاهانة والذل ...؟؟؟... أليس غريبا ان ينبري "المثقفون" للدفاع عن اثار... او اصنام... ممكن ان يصنع مثلها اي نحات او فنان... بينما يترك امر اهل الموصل ... وكل المناطق الاخرى... تحت رحمة داعش وحروبها..؟؟؟..

الم يشعر هؤلاء "المثقفون" بأنهم سقطوا في فخ " لعبة داعش" العولمية..؟؟؟... الم تنجح داعش كما نجح الاستعمار في صنع "اصنام" داخل عقول البعض ممن يتلوى الماً على احجار لا تنطق..؟؟؟... أليس غريبا ان نبكي على الاطلال ولا نبكي على ساكنيها الراحلون...؟؟... حبي للجميع..

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter