|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  7  / 10 / 2017                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مام جلال.... وداع الحلم..؟؟!!..

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

لا ادري كيف شاءت الاقدار ... او شاء من شاء ... ان يعلن عن رحيل مام جلال في هذا التقاطع التاريخي من احداث و تطورات ..... بعد ان كان الرجل قد فقد حضوره و قدرته على الفعل منذ ما يقرب من خمس سنوات ايضا بفعل فاعل "مجهول"... لكن هل اصبح رحيله ضرورة للانتقال "الثوري" من مرحلة التعايش الى تأصيل الصراع و شرعنته منهجاً لإدارة العلاقات الكوردية في اطار اعادة هيكلة الشرق الأوسط و شبكة علاقت المنطقة مع العالم..؟؟...

ربما يعتقد البعض ان طرح السؤال بهذا الشكل ينطوي على قوى خارقة لمام جلال و دور رائد على المستوى العالمي.... طبعا من حق الجميع ان ينتقد.... لكن قراءة أولية ستغني عن الكثير من الهواجس الميتافيزقية و تقربنا من واقع ظهور الرجل على الساحة الكوردية و العراقية...

قبل مناقشة هذه النقطة الحساسة دعوني اعود الى الوراء قليلا... عندما توفي الرئيس الفنزويلي السابق كتبت مقالة بعنوان "تشافيز و مشروع الواقعية الحالمة".... و رغم ان جلال طالباني لم يكن عسكريا استولى على الحكم و لم يمتلك كثيرا من السلطات الا ان ابتسامته الدائمة و نقده لنفسه بل و كونه كورديا يحكم دولة عربية كانت تضعه بشكل او اخر في اطار يجمعه بتشافيز الراقص و المغني و اخرون مثله في أمريكا اللاتينية و غيرها من مناطق العالم ...

مام جلال.... بين الاشادة و النقد الذين لهما كل الاحترام...كان ظاهرة جديدة في مفهوم السلطة في دولة امتازت بتاريخ طويل و مأساوي من الدكتاتورية و السلطة المطلقة ... و حيث ان تعيينه ... و ان جاء نتيجة سياسة المحاصصة البغيضة... قد جاء في وقت غرق العراق فيه في بحر من الدماء سنة 2005 ...حرب أهلية و طائفية ... بلغة العلم.... الكل كان ضد الكل ... و الممارسة السلطوية تحولت من العلاقة التقليدية بين الدولة و المجتمع الى علاقة بين المجموعات البشرية المختلفة المتصارعة على هذا الأساس او ذاك... حتى اختفت الدولة بمفهومها العام و تحولت الى اوليغاركيات سياسية و دينية و اقتصادية و ثقافية ..الخ ...تشيطن بعضها و تقاتل بعبثية غارقة في اوهام الانتصار ..

في هذا الوقت ظهر مام جلال على الساحة السياسية العراقية العامة ... و اول ما حاول ان يصنعه هو رسم الابتسامة على شفاه العراقيين ...حاول ان يقدم نموذجا انسانيا للسلطة وان يرسخ ثقافة متكافئة للعلاقة بين الدولة و المجتمع ... مام جلال حاول ان ينزل من القصر العاجي الذي عادة يختبيء فيه الزعماء و الملوك و الرؤساء الى الشارع .... الى حيث الناس و ضجيج الحياة اليومية ... حاول ان يزيل صورة الحاكم المقدس و يضع بدلا منها صورة الانسان الذي يخطيء و يرتكب الهفوات و ربما الخطايا و يتقبل سخرية الناس و عتابهم بابتسامة الاعتذار و طلب العفو....

حاول ان يبعد منصب الرئيس من صورة الجلاد الذي يقضي و ينفذ الحكم "جائراً كان ام عادلاً"... و يزرع بدلا منها صورة الرئيس الراعي لهموم الناس حيث الحاجة الى ثقافة التعايش السلمي و قبول الاخر و التعاون و التضامن... و لعل هذا كان سبب رفضه التوقيع على حكم إعدام صدام حسين...

كما ان ولعه الشديد باللغة العربية و الشعر العربي لم يكن فقط بسبب ارتباطه التاريخي مع شاعر العرب الأكبر الجواهري... بل بسبب ارتباطه النفسي بالثقافة العربية و إيمانه مع مجموعة من رفاقه في الاتحاد الوطني الكوردستاني بالإمكانية الفعلية للتفاعل الإيجابي بين الكورد و العرب ... و بين الأقليات و الأغلبية في المجتمع العراقي و كذلك في مجتمعات المنطقة كلها...بل اكثر من هذا ... بين وجع التاريخ و إرث التهميش و التحقير و صراعات الثورات و الدماء و التشرد و التشريد و مل اخطاء الماضي و مآلاتها... في سبيل بناء وطن للجميع و مجتمع متكاتف يتجاوز الاختلافات و الخلافات.... مرة اخرى... الامتناع عن التوقيع على اية احكام إعدام كان جزء حيويا من مشروع الواقع الحالم..

لا ادري الى مدى نجح في تقديم نموذج اخر للسياسي و خاصة الحاكم... لكنه حاول... و ربما لهذا السبب تم إسكاته بفعل "الجلطة"... و اخيراً تمت إزاحته كلياً.. لان هناك من يرى "ضرورة" العودة الى صورة الحاكم بأمر "الله" أو أمر "الشيطان "... !!!...و ان الشرق الأوسط لابد يمر عبر مراحل دموية من صراع " الكل ضد الكل" مرة اخرى كي تتبلور الحدود و الانتماءات و التحالفات ...!!!..

طوبى لمام جلال و آماله و للمشروع الذي آمن و عمل على تحقيقه ... و سلام للحالمين بعالم يسوده السلام.... حبي للجميع..
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter