|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  6  / 1 / 2018                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ملتقى الثقافات الافريقية...
(2)

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

في المقالة الاولى تطرقنا الى الثيمة الرئيسية لمفاهيم الثقافة و خاصة في البنية الاجتماعية في المجتمعات الافريقية ... في هذه الحلقة اود ان أشير الى الحراك الثقافي الأفريقي وخاصة فيما يتعلق بحياة مجموعات افريقيةً تغيير أنماط حياتهم نتيجة التقاطع بين رغباتهم و طموحهم في خلق نقلة نوعية في ظروفهم الاجتماعية من جهة و من جهة ثانية بين مجموعة من العناصر الاخلاقية والتربوية التي يرتبط إنتاجها بايجاد ميكانيزمات التغيير ذاتها...

بكلام اخر... نحن ازاء نوع من الحراك الشعبي الذي يتنازل فيه بعض الشباب عن عناصر مهمة في التراث الأفريقي التقليدي من اجل دعم و تقوية عناصر اخرى في الهوية الثقافية - الاجتماعية للفرد و الجماعة الافريقية ...

في مداخلتي الشخصية في جلسة الخبراء التي كانت مخصصة للبيان والتوصيات النهائية أعربت عن رغبتي في ان ارى بحوث ترتكز على دراسة العناصر الثقافية التي توفر الشرعية الاخلاقية لخلق التوترات و الصراعات و بالتالي الحروب الأهلية و الدمار....

هنا... و في الاسبوعين الاخيرين سنحت لي فرصة للاقتراب و لو بشكل مبسط من هذه الاشكالية ...
في اغادير ... المدينة الساحرة في جنوب غرب المغرب... اصطدمت بظاهرة قد تشكل نواة لخلق بؤر صراعات افريقية - افريقية... و لكن هذه المرة لاسباب لا تتعلق بالواقع الاثني او الديني او السياسية بين الدول او القبائل الكبرى...

كما انها لا تتعلق بغزو خارجي او بقضايا وطنية كبرى... إنما تتعلق بنوع من الصراع على القوت اليومي واحترام الحدود الاجتماعية بين سكان مناطق شعبية مغربية و زائرين من دول افريقية مجاورة  جاءوا ببطون جائعة وأهداف منسية او غير واضحة... زائرون... الغالبية العظمى منهم شباب جميلي الهيئة و المنظر و القليل جدا من الفتيات الجميلات جدا...

هذه المجموعات لم تتورط بشكل كبير في عمليات تجارة البغاء كما تفعل الألاف من النساء اللواتي يقدمن من مناطق داخلية ... و لا يستطيع هؤلاء الشباب الإفريقيين الحصول على عمل لان المغرب أصلا يعاني من فقر وبطالة... كما ان هؤلاء... يختلفون عن الإعداد الكبيرة من الشباب الأفريقي الذي يستخدم دول شمال افريقيا خاصة ليبيا و مصر و الى حد ما تونس.. لهدف واضح ... و ان كان هدفا دمويا... و هو الوصول الى الجنة الأوروبية ..

زائروا المغرب الإفريقيين جاءوا لينعموا بخيرات المغرب لان الملك محمد يعتبر أب افريقيا و هو لا يستطيع ان يفرق بين ابنائه في الانتقال الحر في ارض افريقيا و هكذا كان... هذه النظرية التي يُؤْمِن بها اغلب المغاربة... و لذلك فهم يتعاملوا مع اخوانهم الإفريقيين بكل احترام... لكن هذا الاحترام لوحده لا يوفر لقمة العيش و لا يوفر مأوى... لذلك تجد الإفريقيين يفترشون الارض عند محطات القطارات و في بعض الشوارع و يتسولون بإعداد كبيرة من المارة و لكن بشكل خاص من السيارات في تقاطعات الطرق و الشوارع ... واحيانا يتهجموا على سائقي السيارات ويستخدموا العنف لاستحصال ما يمكن الحصول عليه من أموال و ممتلكات متنقلة مثل التليفونات و الشنط وووووغيرها... و في احيان قليلة قد يصل الامر الى الضرب كما ان حالات اغتصاب النساء قد تحصل بين الحين والاخر...

في بعض المدن الكبرى... احدهم ذكر اسم مدينة مراكش... و ربما في مدن اخرى... فانه قد ظهرت نواة امبريونيكية لفكرة "مقاومة هؤلاء الغزاة" و بالتالي تطورت حالات من الصراعات هنا و هناك لكنها لم تصل الى درجات تنذر بخلق خلل عام في المجتمع خاصة و ان الشرطة تراقب الأمور بحذر شديد و هي حريصة في عدم الخروج من حدود الطاعة للرغبة الملكية في أبوة افريقيا...

طبعا هذه الابوة الافريقية... و مع كل الاحترام للارادة الملكية و التزاماتها الاخلاقية ... الا انها اذا وضعت في اطار منطق العقلانية السياسية في ادارة المصالح العامة للبلد فانها لابد تتعلق بقضية الصحراء الغربية و اعتراف الاتحاد الأفريقي بجمهورية الصحراء وبالتالي فإنها تشكل محاولة عقلانية من جانب المغرب و على رأسها الملك في تغيير موقف الاتحاد الأفريقي و العودة الى الاعتراف بالمغرب الموحد ...

هذه المحاولة تأخذنا الى نظرية اخرى يتحدث عنها بعض المغاربة و مضمونها ان السلطات الجزائرية هي التي تجمع هؤلاء الشباب الإفريقيين و تنقلهم بحافلات خاصة الى الحدود المغربية في أماكن تخلو من نقاط مراقبة ... والهدف الجزائري هو خلق فوضى اجتماعية داخل المغرب..

لا نعرف بالضبط ما هو الرد المغربي لان الجميع مرتبط اخلاقيا بالارادة الملكية خاصة ان الملك يتمتع بشعبية كبيرة و يرعى مشاريع تنموية مهمة لتحسين ظروف الفقراء و الطبقات المهمشة.... لكن ما يمكن ملاحظته ان الخلاف المغربي - الجزائري انتقل من الإطار السياسي و المرتكز على قضية الصحراء... الى نمط ثقافي - اجتماعي... بحيث ان صورة الحزائري وقيمه الثقافية و الاجتماعية اصبحت محل تندر و استخفاف في العديد من وسائل الاعلام المغربية و حتى بين الشباب و النخب على حد سواء ..

وسائل الاعلام المغربية تتحدث في تقارير يومية عن تفاقم العجز في الاقتصاد الجزائري... كما انها تركز كثيرا على صفقات الأسلحة المتدفقة على الجزائر و تحرص على إبراز تناقض مؤلم يتمثل في ان نفقاتها... رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية... تتجاوز نفقات دول عربية تعيش حالة حرب واقعية مثل العراق و ليبيا و سوريا و اليمن... (موضوع تطور العلاقة بين المغرب والجزائر و خاصة فيما يتعلق بتسارع وتيرة التسلّح الجزائري يحتاج الى دراسة مستفيضة ربما نتطرق اليها في مقالات لاحقة)

فهل سيلعب الزوار الأفريقيون دورا في تهشيم البنية الاجتماعية في المجتمع المغربي المتجانس الى حد كبير ... وهل يشكل هؤلاء سببا اضافيا في دق طبول الحرب بين المغرب و الجزائر وربما بمشاركة دول اخرى ... ام انهم سيزرعون الحكمة الافريقية التقليدية ويرسخون تراث التعايش السلمي رغم الالام..؟؟؟ سنتابع في مقالات لاحقة... حبي للجميع..
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter