|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  5  / 12 / 2020                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الكورد و حوار الذات
(1)

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

يوم السبت الماضي 21 نوفمبر/تشرين الثاني عقد مؤتمر موسع بدعوة من المؤتمر الوطني الكوردستاني و رابطة برلمانيي كوردستان... الموتمر حضره سياسيون و مثقفون من الكورد لمناقشة موضوع حيوي وهو الحوار الداخلي اي الكوردي - الكوردي... كنت احد المدعوين لكني لم استطع المشاركة لاسباب خاصة .. اصدر المؤتمر بيانا يدعو ضمن مرتكزات اخرى الى تحريم القتال الداخلي و اعتقد ان لا احد يشك في اهمية هذه النقطة كونها المحور الاساس في محاولة لدرء وصول الصراع الايديولوجي و السياسي الى مرحلة التقاتل الفعلي بين القوى الكوردية المختلفة ...

بجانب هذه المبادرة عمد المؤتمر الوطني الكوردستاني ايضا منذ فترة الى تنظيم حوارات كوردية - عربية .. و هنا ايضا تم توجيه الدعوة لي مشكورا اكثر من مرة لكني ايضا لاسباب خاصة لم اشارك .. و عليه ارتأيت ان اساهم في هذا الحوار من خلال كتابة مجموعة المقالات هذه محاولا تجاوز النفق السياسي في المناقشات و السعي الى طرح القضية المفاهيمية و المعرفية لمبدأ الحوار حيث اعتقد انه رغم وجود اطراف مختلفة من حيث البنى الايديولوجية و السياسية و العمق القومي و الاثني و الديني و على مستوى التطور الاجتماعي الا اني اعتقد ان الحوار هو اولاً و اخيراً هو حوار الذات ... هذه الذات التي تتضخم و تتوسع مداراتها عادة بفعل السيرورة التاريخية و التطورات و الاحداث و الصراعات و التغييرات المجتمعية الا انها تظل في النهابة اسيرة محور اساسي في البنية المعرفية للفرد و الجماعة و هي الذات الفردية والجماعية رغم جدلية الوعي بوجود الاختلافات التي عادة ما تؤسس للصراع و حتى القتال...

في محاولة لفهم اشكالية الصراع يمكن ان نحاول اولا في اطار السايكو- انثروبولوجيا
Psyco-Anthropology حيث يعتبر ان القتال هو قرار الذات بالانتحار ... او فلنقل ان قتل الاخر هو بشكل ما قتل لدافع داخل الذات نفسه تم تشخيصه و تجسيده في وجود الاخر (الذي سيصبح الضحية) كما كانت تفعل القبائل و المجموعات الدينية القديمة في محاولة للنجاة من “قوى الشر" وفق تصوراتها عن حياة الانسان و ادارة المجتمع...

و هكذا على نفس الاساس فإننا يمكن ان نفترض بان الحوار الهادف الى درء القتال اساسه الاول هو الذات حيث تحتفظ الذاكرة بصور تفاعلية مختلفة عن النشأة و التطور و الانتماء الى المجتمع الاولي.. لكن تبقى هناك الكثير من التساؤلات : اية ذات و كيف تكونت ذات مجتمعية من جماعات بشرية مختلفة في انتماءاتها التاريخية و الاثنية و الدينية .. و كيف تم دمجها في بوتقة متشابهة... و هل يمكن ان يكون الاندماج قسريا و رغم ذلك تنشأ شبكة من التقاطعات القيمية و السلوكية خاصة في الفضاءات السياسية و الخطاب المجتمعي و ادارة الصراع..؟؟؟...

هذه التساؤلات نحاول ان نناقشها في هذه السلسلة من المقالات كما ورد آنفا... لكن اود هنا ان اوضح الفرضية المحورية التي اعمل عليها وهي ان الصراعات بين المجموعات البشرية و قواها السياسية و الفكرية في الشرق الاوسط هي بشكل عام صراع الذات التي تحاول تفكيك بنيتها التاريخية في محاولة لبلورة هوية (غير) قابلة للتحقيق... بكلام اخر ... شعوب الشرق الاوسط ... و هي تبحث عن حبل النجاة.. تغفل عن حقيقة مؤلمة.. و هي انها تلف الحبل حول عنقها و تنتحر ...كيف و لماذا... ؟؟.. سنحاول ان نناقش ذلك في الحلقة القادمة... لكن دعنا نعود الى الاشكالية الاساسية : حوار الذات عند الكورد ... ما الذي يجعل الكورد .. مثل كل شعوب الشرق الاوسط و اغلب شعوب الارض... كلما حاولوا ان ينفصلوا عن "مستعمريهم" فانهم يقتربون اكثر و كلما حاولوا ان يبنوا هويتهم "الخاصة" اعادوا ترميم هوية "المستعمر" بشكل يتجاوز المخيال الواقعي بوعي او من غيره.... مرة اخرى كيف و لماذا..؟؟..

من المؤكد اننا لا نتحدث هنا عن تأثير متلازمة استوكهولم حيث يعشق الضحية ظالمه ... كما ان التراجع "المستدام" في تحديد المنهج والهدف لا يمثل مؤشراً على عجز تاريخي للكورد عن انتاج بدائل لان تاريخ المنطقة يحوي العديد من المحطات الكوردية و قدرتهم الفعالة... اذن لابد من وجود ميكانيزمات تطورية اخرى تتعلق بمفهوم الذات و حدودها و تقاطعاتها ..

بكلام اخر... يبدو ان حوار الكورد هنا هو بشكل ما يمثل حوار المستعمر الذي اصبح جزء من الذات مع المستعمر الذي تحاول الذات التخلص منه ... اي ان طبيعة الحوار يبدو و كأنها ترسم صورة ذهنية لشخص يقاتل ذاته حينما يحاول انقاذها من شيء لا يعرف حدوده ولا مآلاته....سنواصل... حبي للجميع


 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter