|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  4  / 2 / 2021                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ما بعد - ترامب... ما بعد - كورونا..!

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

لا احبذ ان يوحي العنوان في خلق التصورات حول اي رابط بين ظهور الكورونا و وجود الرئيس ترامب ... لكن القاسم المشترك في مفهوم "ما - بعد" الذي اصبح ظاهرة في ذاته تم و مازال يستخدم كعنصر اساسي في الخطاب السياسي و الثقافي التبريري للتغييرات المتسارعةفي العقود الاخيرة...

كثيرة هي مصطلحات ما - بعد... مثل ما بعد - الراسمالية و مابعد النمو و ما بعد الاستهلاك وما بعد - الايديولوجية و ما بعد - الدين و ما بعد - الفلسفة و ما بعد - الحداثة ووو... لكنها كلها ظلت في اطار رغبات و احلام او تعريفات لحالة تدور حول تطور اجتماعي مختلف عما سبقه... وهذه حالة التاريخ اساسا.. و ان اصبح التغيير اكثر تسارعا في ظل التقدم التكنولوجي ... لكن التوقعات في الوصول الى "بر الامان" ظلتفي اطار الاوهام
Illusions .. و هذا ما يمكن ان يصدق على احلام ما بعد - ترامب و ما بعد - كورونا..

لا شك ان بعضا من اهم مصطلحات "ما بعد" لم يستطع ان يثبت تغييراً ملموساً... الراسمالية ما تزال تعيد انتاج ادواتها و هيمنتها وقيادتها للعالم اقتصاديا وسياسيا... الدين عاد و بقوة و الايديولوجيا لم تمت و ان تم تغيير نمطها و خطابها السياسي ... الاستهلاك ما يزال على اشده حتى لو اوقفت عجلاته مؤقتاً بفعل الكورونا.. و الكورونا يعيد انتاج ذاته بتحورات لا احد يعرف افق انتهاء حياتها... بل ان اغلب الدراسات تذهب الى ان هذا الفيروس الملكي سيبقى يشكل ثنائية جديدة مع الحياة على الارض و معه انواع مختلفة من فيروسات مشابهة قد تستفاد ديناميكية التقاطعات بين الثغرة العلمية التي احدثها كورونا و التهور في مستوى مقاومة الجسد البشري لهذه الفيروسات و هكذا ...

هنا تبرز احدى اهم الاشكاليات و هي ان مفهوم ما بعد - كورونا قد يكون على شاكلة مفهوم ما بعد - الحداثة حيث يتم تبرير المستوى غيرالعقلاني في العنف و اللا مبالاة في زمن عقلاني متطور لم تسبق البشرية مثلا له... حيث اصبح مفهوم ما بعد - الحداثة عنوانا لتجريد مجموعات من الشباب و القوى المجتمعية من قيمها "الانسانية " التي عادة ما تؤسس اطارا تنظيميا لها و من ثم تبرير نمط عنفها غير القابل للتوصيف الا من خلال مفهوم ما بعد - الحداثة ذاته... اي و كأننا نتحدث عن عنف ميكانيكي غير قابل للتأويل بسبب الاحباط من تاثيرات التقدم التكنولوجي و التطور الاجتماعي الذي حول المجتمع الى طاحونة ممنهجة
Computerized في دورانها حول ذاتها دون ان يستطيع الانسان ادراك ميكانيزمات فعاليتها..

بكلام اخر... ان مفهوم ما بعد - الحداثة كان يمثل للمفكرين و القوى الاجتماعية اليسارية في العقود الاخيرة من القرن الماضي ثورة مجتمعية صامتة ضد آليات التطور الراسمالي و بذلك يمثل حالة اللا انتماء او رفض التماثل مع المحصلة المجتمعية التي انتجها التطور الرأسمالي. ..

بشكل ما فان هذا التفسير كان يقدم تبريراً "منطقياً" لانتشار نوع من السلوكيات و العنف "اللا ارادي" في مجتمعات المدن الكبرى في الدول الغربية... لكن على المستوى الدولي كانت اعمال العنف و الحروب تزداد ايضا و تقودها قوى نابعة من ذات المجتمعات الغربية... و لا ادري ان كان مفكرو ما بعد الحداثة يربطون هذه الحروب بتلك الحالة المجتمعية الناشئة في المجتمعات الغربية.. ام ماذا..؟؟!!..

اي ان ظهور و هيمنة نخب فكرية و سياسية قادت الولايات و الدول الغنية الى حروب "لا منطقية" انما كانت بتأثير حالة ما بعد - الحداثة .. وبالتالي ربما "لا تتحمل" تلك النخب عبء الحروب الهوجاء كونها كانت تحت تأثير دوافع "غير ارادية"..!!..

و على اساس ذات النمطية التبريرية فان ظهور الرئيس ترامب و كذا "التوظيف السياسي" لفيروس كورونا.. هما يمثلان بشكل ما ذات الحالة .. و الكلام عن ما بعد - ترامب او ما بعد - كورونا انما امتداد او تطور نوعي لحالة ما بعد - الحداثة... و هذا قد يعني ان التوقعات تذهب نحو المزيد من الصراع و العنف و قد ندخل حروب اللقاحات و الصراع على احتكار الاوكسجين و العلاقة مع القوى الكونية الاخرى خارج الارض...

رغم ان اللقاحات لم تثبت فعاليتها خاصة في ظل فوضى ظهور نماذج متمحورة و كذلك فيروسات جديدة فان ما يمكن ان نعرفه حتى الان هو ان هناك مليارات من الناس في المجتمعات الفقيرة لن يصلهم اي لقاح... و ان الاقتصادات الكبرى تحملت خسائر هائلة ليس فقط في القيمة الفعلية انما ايضا في القدرة على اعادة تفعيل الآليات القديمة للانتاج خاصة الزراعية و الحيوانية و لعل واحدا من اهم اسباب ذلك هو ظهور اجيال من الشباب في العقد القادم بلا تعليم او سيّء التعليم
Maleducated في مستوى العلوم النظرية و التطبيقية في المجتمعات الغنية...

و هذا يعزز من فكرة ديمومة حالة ما بعد - الحداثة و السلوك اللا ارادي في التدمير.... اما المجتمعات الفقيرة فامرها موكول الى ....؟؟؟..

حبي للجميع
 


 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter