|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  23  / 10 / 2020                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

العراق... ما بعد اللا دولة ..؟؟!!..

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

مشهد امرأأة عراقية... أم ترمي بأطفالها في النهر .. ليس بسبب جوع او حرب كما تخبرنا الميثولوجيا التاريخية ... لكن ربما لانها ادركت ان الصراع (مع زوجها) لم يعد له معنى ... فتخلت ليس فقط عن السلطة .. انما عن حلم الوجود ذاته حيث يمثل الاطفال ديمومة الوجود في ذاكرة الشعوب و الامم...

لا ادري الى اي مدى يمكن ان نصدق هذه القصة و كامرات المراقبة... لكن يبدو ان المشهد ... حقيقياً كان ام بروباغاندا... يمثل حالة العراق بابعاده الهيكلية و اعماقه المجتمعية ..

قبل بضع سنوات كتبت مقالة بعنوان .. العراق ... العودة الى اللا دولة (2016) و في فترة الاشهر الماضية و في خضم الصراع الثقافي - السياسي بين "المشروع الايراني" و “المشروع الوطني” كما يسميها الكثيرون ... تذكر المثقفون والسياسيون ووو... مفهوم "اللا الدولة" الوارد في تلك المقالة (للاسف دون ان يذكر احد المقالة و كاتبها .. لكن لا بأس) .. و اصبح المفهوم بين ليلة وضحاها شعار الجميع ... للاسف ليس كمنطلق لبناء دولة كما كنّا نأمل بل لشيطنة هذا و ذاك من القوى المتصارعة... لكن يبدو ان محصلة "ثقافة الشيطنة" المتبادلة هذه من الجميع تسير بأتجاه الانفصام عن مفهوم الدولة نفسها (وجودها او عدمه) و الانتقال شيئاً فشيئاً الى مرحلة "ما بعد اللا دولة Post-No Sate" الفعلية و المؤسساتية...

اذا كان لابد من تعريف فيمكن ان يكون الامر بهذه المقاربة : "الدولة" معناها وجود مؤسسات و سلطة تُمارس دورها في المجتمع... "اللا دولة" هي حالة افراغ مؤسسات الدولة من سلطتها و دورها بحيث يصبح وجودها هيكلاً بلا روح و فاعلية... "ما بعد اللا دولة"... هي حالة انقراض مؤسسات الدولة و احكامها الشكلية بحيث ان الافراد و المجموعات البشرية و كذا المنظومات المجتمعية تقوم بدورها بعيدا عن اي اعتبار لوجود هياكل الدولة و كأن ليس لها وجود..

مع كل الاحترام لرئيس الوزراء الجديد و زملائه الوزراء (بعض الوزراء اصدقاء قدماء) و كل الموظفين و الهيئات العسكرية و غيرها... الا ان الحقيقة التي اشترك الجميع في صنعها هي ان ذهاب الدكتور عادل عبد المهدي كان بمثابة اعلان انتهاء الدولة العراقية الحديثة و الانتقال الى مرحلة "ما بعد اللا دولة" ...

بكلام اخر ... منذ ظهور داعش و العراق دخل المرحلة الثانية من "اللا دولة" (المرحلة الاولى بدأت مع الاحتلال الامريكي) و هذه المرحلة الثانية ايضا وصلت نقطة النهاية بذهاب عبد المهدي ... و هكذا جاء اختيار مصطفى الكاظمي (مع كل الاحترام لشخصه) فقط لانه شخصية من خارج الاطار العام ... اي انه لا يمثل اية قوة مجتمعية او سياسية او اقتصادية ... هذا يعني ان اختياره جاء محصلة قناعة توصلت اليها تلك القوى الفاعلة على الارض بأن مفهوم الصراع وصل الى نقطة اللا عودة بحيث انه لم تعد هناك دولة حتى يستمر الصراع على السلطة فيها... ما بقي على الارض في العراق هو صورة احتدام الصراع بين مشروعي ايران و امريكا بشكل واضح و مباشر و بذلك انتفى دور ال Proxies المحلية .. اي ان العراق دخل مرحلة فراغ داخلي و اصبح الصراع يدار بشكل مباشر من الخارج... و هذا ما جعل القوى المحلية ان تزيل من اعتباراتها اي اهتمام بالسلطة ... سواء كنّا نتحدث عن السلطة في اطار "الدولة" بشكل مبدأي او حتى في اطار "اللا دولة" التي ادارتها القوى الاوليغاركية في السنوات الاخيرة... لكن اسدال الستار عن حكومة عبد المهدي كان يعني افراغ المسرح من اللاعبين المحليين ايضا فلم يعد احد يهتم بمن يأتي وزيراً او غفيراً..

لاشك ان السيد الكاظمي و معه العديد من الزوراء و الموظفين يحاولون بشكل او بأخر تجميع بعض الخيوط ... لكن يبدو ان الخيوط تنقطع بتسارع اكبر بكثير من امكانية الحكومة على تجميعها... الصورة قاتمة في الخارج كما هي في الداخل فلا احد يهتم كثيراً بدعم الحكومة ولا احد يأمل انها تستطيع ان توقف تفكك الاواصر و تحلل قوة التبلور السياسية و الاجتماعية ... زيارات هنا و هناك و الاجتماع مع هذه او تلك من الحكومات لم تعد تستطيع ان ترسخ شيء اخذ يتلاشى و قد يتحول الى العدم ..

لا اعتقد ذلك يعني ان العراق سينقسم كما كانت تأمل بعض القوى هنا و هناك ... كما ان مرحلة "ما بعد الدولة" لا تعني بأي شكل جمهورية افلاطون و لا مشاعية ماركس ... بل نمط من انماط الاناركيزم Anarchism التي تنتشر ثقافتها هذه الايام في العالم (يمكن متابعة كتاباتي العديدة حول انحسار الدولة القومية) .. باختصار شديد ... العراق قد يتحول الى صحراء قاتمة ... لا ماء و لا نبات و لا فن و لا ثقافة و لا حياة الا لمن يمر فياخذ غرفة من النفط و يختفي وراء السحاب ؟؟...

هل كانت هذه الصورة هي التي تراءت هكذا لتلك الأم و هي في طريقها لرمي مستقبل الحياة (اطفالها) الى اتون الغياهب لعلهم يجدون يوسف عند عتبة بوابة الاخرة ... فيخبرهم ان مملكة الله اكبر من ذلك الذي كان اسمه الوطن في العراق..؟؟.. ربما...!!.. لكن ماذا عن ... وعن...؟؟؟؟؟... حبي للجميع

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter