|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  19  / 2 / 2019                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مصر ..أفريقيا .. و التنمية المستدامة: معادلة تتبلور
(1)

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)


في يناير الماضي اي قبل حوالي الشهر كنت احد المشاركين في مؤتمر دولي في القاهرة برعاية وزارة الثقافة و بإدارة المجلس الأعلى للثقافة... تحت عنوان "الانسان... التنمية المستدامة الهوية الثقافية"... انطباعي كان ان المؤتمر يمثل نقلة نوعية في مفهوم التنمية لكني سرعان ما اكتشفت ان مصر تشهد سلسلة طويلة من مؤتمرات و ورش عمل حول التنمية المستدامة و تحت رعاية وزارات مختلفة و مؤسسات و جامعات بعضها عامة او تحت ادارة الدولة و بعضها الاخر هي جامعات خاصة او اجنبية في مصر...

اذن وسط هذا الكم الهائل من الاهتمام و بالتالي الأنشطة الفكرية و التنظيمية كان لابد ان نتوقع نوع من التقاطعات في المفاهيم والطروحات تتراوح بين "الهزل و الجد" (لنستعير عنوان احد مؤلفات طه حسين"... و الاستعارة هنا ذات دلالة اذ ان بعض المتحدثين في المؤتمر الذي حضرته ذهب الى ان طه حسين كان يتحدث "بالضبط" عن مفهوم المستدامة قبل ظهور برنامج الامم المتحدة بسنوات طويلة (علاقة التراث بمفهوم التنمية سنتحدث عنها لاحقا)... لكن المهم هنا ان التأرجح بين الكم والنوع في دراسة مفهوم التنمية المستدامة و طبيعة الطروحات المقدمة كان يوحي بانه كانت هناك أموراً اخرى في طور التبلور ...

في المؤتمر الذي حضرته لم يتم التطرق الى البعد الافريقي في المفهوم الثقافي للتنمية ... ولكن تنوع المؤتمرات و تعددها بهذا الشكل المكثف كان لابد ان ينظر اليه في مدى مسار تطوري آني في رحلة مصر القصيرة نحو استلام رئاسة الاتحاد الأفريقي ....

في هذا الإطار اود ان افترض ان مصر وهي تحاول ان تخرج من الإطار النمطي للرئاسة الدورية للوحدة الافريقية فانها كانت تحاول ايجاد مشروع سياسي - اقتصادي - ثقافي تسعى من خلاله نقل المركزية ... من القضايا الكلاسيكية مثل الفقر والأمن الغذائي وطبيعة الصراعات الداخلية التي تحولت في السنوات الاخيرة الى بعبع دولي اسمه الاٍرهاب المتجول والمنتقل .... الى فضاء اكثر إيجابية في النظر الى مستقبل افريقيا ...وهنا يدخل مشروع التنمية المستدامة كنموذج فعال...

بكلام اخر .... يمكننا تصور ان هذه المؤتمرات كانت مؤشرا في محاولة جدية من مصر لخلق ارضية بناءة وهادفة الى احداث تغيير جوهري في الثقافة التنموية في المجتمع المصري كمقدمة لتغييرات مماثلة على مستوى المجتمعات الافريقية في اطار الرئاسة الدورية المصرية التي حلت لاحقا ...

اما البعد المصري الذاتي اي التغييرات في المنظومة الداخلية (تعويم الجنيه و التغيرات الدستورية وغيرها) فان مؤشر المشاركة الشعبية في تنظيم هذا الكم الهائل من مؤتمرات التنمية المستدامة والتي بالمناسبة ايضا تزامنت مع افتتاح القاهرة الدولي للكتاب يعتبر دلالة واضحة في ادخال عناصر مفهوم التنمية المستدامة في تطوير العلاقة بين الدولة والمجتمع ولعل بعض مداولات مؤتمر وزارة الثقافة و الطروحات المقدمة كانت تصب في هذا الاتجاه ...

اي انه كان من اليسير ملاحظة توفير فضاء حر تتمتع بالطبيعة التلقائية في تنظيم المؤتمرات وضمان حرية المشاركة لأوسع قطاعات ممكنة من المؤسسات الحكومية والخاصة وحرية المناقشات و التعبير عن المشكلات والطروحات التي كانت تتراوح بين البحث عن حلول وممكنة بينما احيانا اخرى تذهب باتجاه افكار طوباوية او همهمات ثقافية هنا وهناك قدمت رؤى تبسيطية لمفهوم التنمية المستدامة ومستلزمات و اليات بناء مشاريع ثقافية واقتصادية على أسسها وهكذا...

خلاصة القول ان هذا العدد الهائل من مؤتمرات التنمية المستدامة مع الاهتمام بالعودة الى افريقيا بالاضافة الى التغييرات الهيكلية في المنظومة الداخلية المصرية تعد كلها مؤشرات واضحة نحو تبلور معادلة جديدة ابعادها المتغيرات الثلاث: مصر اولا... افريقيا المجال الحيوي و التنمية المستدامة المشروع الاخلاقي للتغيير...

كل بعد من هذه الأبعاد يرتكز الى مجموعة كبيرة من العناصر والتقاطعات سنتحدث عنها في المقالات اللاحقة من هذه السلسلة...لكن قبل ذلك لابد من الإشارة الى مساهمتي (محاضرتي) في اليوم الاخير من المؤتمر ... هذه المساهمة التي حاولت ان تدرس أشكالية التنمية المستدامة وضرورات التغير الثقافي والمفاهيمي ستكون عنوان المقالة القادمة وهي بذلك ربما تشكل مقدمة ومدخل حيوي الى مناقشات الأبعاد الثلاثة.... حبي للجميع
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter