|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  18  / 5 / 2020                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كورونا... صيام آخر..؟؟
(2)

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)


هل كورونا هو نتاج عقلي ..؟... ربما... هناك كلام كثير عن استراتيجية حرب بيولوجية... و كلام عن خطأ بشري في مختبر ما في الصين او في غيرها.. في كلا الحالتين فالمنتج عقلي المصدر... او ربما هو وباء بنمط عقاب رباني... اي انه نتاج العقل الأكبر ... عقل الله... و ربما مجرد "نتاج عرضي" بسبب التلوث ... هذا يعني ايضا نتاج "عقل" الطبيعة يهدف الى محاولة اعادة التوازن عن طريق خلق ميكانيزم عملي في مواجهة مسار الدمار الرهيب الذي يعصف بالأرض و بيئتها و أجوائها ..

الغريب ان "الجميع" انبرى للدفاع عن "حق" العقل و أهميته القصوى و قدرته الفريدة في مواجهة الكارثة ... كورونا... و تناسوا الاشكالية التاريخية ان العقل البشري ما زال يقف مشلولا امام ثلاثي "العدالة و المساواة و التوازن" لان اي من هذه المفاهيم لا يضمن سلطة العقل ...

القيم التي خلقها العقل البشري لا تقبل بالمساواة لان ذلك انتقاص من السلطة المطلقة ... و تتهرب من التوازن لان ذلك يستدعي العمل وفق آليات عامة تشترك في خلقها كل عناصر الكون ...حيث الانسان هو عنصر واحد من هذه العناصر... العقل البشري يفضل ميكانيزم العدالة لانها تشرعن مبدأ الصراع الأبدي الذي يؤطر حلم السلطة المطلقة اكثر مما يخلق هدفاً يمكن معرفة حدوده العقلية او القيمية او حدوده الجغرافية على الارض و بين الكائنات..

السبب المباشر لظهور كورونا ... كما اخبرنا العقلاء و مؤسساتهم السلطوية... هو اختلال في التوازن بين قابيل (قوة العقل) و هابيل (عطاء الطبيعة) مرة اخرى... قابيل (انسان) قتل هابيل (خفاش) و إمتص دمه و إلتهم جثته... فانبرى ڤيروس (ثائر) من مكونات جسد هابيل (الطبيعة) و اقسم ان يحقق "العدالة" و هكذا بدأت ديناميكية جديدة لصراع ابدي يحبه اصحاب السلطة هنا و هناك ..!..

هذا تصور مبني على تفسير علمي (عقلي) لقضية علمية و هي ظهور و انتشار فيروس كورونا.... لكن دعنا نطرح فرضية ايضا علمية ... لكن من نوع اخر قد لا يحبه عادة الغرور البشري... لانه يخدش كبريائه ...حتى لا نقول "عنجهيته" و استبداده الفكري..

دعنا نفكر كيف يمكن ان نفعّل مفهوم الرحمة مثلا في المنظومة المجتمعية خاصة اننا في شهر الصوم و الصيام .... دعنا نفترض اننا عندما نتضامن مع الآخرين دون التفكير في مصلحتنا معهم... عندما نذرف الدموع من اجل الذين يتعرضون للظلم... عندما نمد أيدينا لمساعدة الآخرين دون ان نفكر فيما يكلفنا ذلك .. عندما نساعد الفقير و المحتاج دون ان نفكر بالجنة و النار ... عندما نعيش حياتنا دون ان نهدم حياة الآخرين ... حينها فقط نقترب من عالم الحيوان النقي... كيف..؟؟..

مبدأيا ربما نفعل ذلك في لحظات خشوع سايكولوجية تعيد فينا ذاكرة حياتنا الاولى قبل السقوط الى الارض ... لكن تلك اللحظات نادرة الحصول في الواقع لاننا عادة نستيقظ على وقع تاثير العقل الذي يحاول ان يبقينا في عالم الانسان حيث يفرض علينا العقل كل انواع المناورة في الاحاسيس و الكلام المنمق و الخبث في الحساب و الكذب و الادعاء لخلق حالة التفوق و الانتصار ... حتى دموعنا لا نذرفها الا بمقدار أرباحنا و التضامن لا نبديه الا مع من يشبهنا و نشبهه في اللون و الثقافة و تجمعنا به المصالح و الأهداف ...الخ ..

اعرف ان هذا الكلام لا يعجب الكثيرين بل سيعتبره البعض إهانة للانسان و قيمه العليا ... لكن الذين يعرفون شيئا عن البنية السايكولوجية و المسارات السلوكية للحيوان يعرفون ان ملكة العقل عند الانسان قد انتزعت منه البرنامج الالهي للسلوك القويم الذي وضعه الله في الكائنات الحية من النباتات و الحشرات و الحيوانات و الملائكة...وووو ...بينما الانسان وهبه الله العقل لكي يعيد به ترتيب أولوياته و سلوكه ... و رغم ذلك فانه و منذ خلقه قبل منذ ملايين السنين ما زال يحاول ان يتعلم ... لكنه ما يزال يخطأ... و يمارس النفاق و يقتل لعله ينتصر على خطيئة القبول بالأمانة ... (سورة الأحزاب: 72)...

في الثقافة العامة يعتبر ربط سلوكياتنا الوحشية مع عالم الحيوان دليلاً واضحاً على عنجهيتنا و استهتارنا بقيمة الحيوان ... و يتم ذلك وفق معيار "تفوقنا العقلي" و ليس وفق معيار قيمة العدالة التي ندّعي اننا ننشد تحقيقها.... كما ان إجلالنا لصورة الملائكة يستند فقط الى الصورة الذهنية القادمة من الكتب المقدسة ... و لو كانت الملائكة ظاهرة لنا و كان يمكننا رؤيتها و لمسها لتعاملنا معها بشكل اشد بؤساً من تعاملنا مع الحيوان و النبات و الارض ... لاننا ببساطة نعتبر ان العقل البشري قد استحوذ على الحق المطلق في الاعلوية على كل الكائنات (طبعا ايضا بين الناس أنفسهم وفق معايير اقتصادية و سياسية و اجتماعية )...

لا شك ان قدرة العقل هائلة في خلق الدوافع و ايجاد التبريرات .. بل و خلق التفسير و التأويل لإعطاء السلوكيات المختلفة قيمة اخلاقية مرتبطة بمركبات قيمية خارجة عن امكانية الانسان العادي على التحقيق من أمره ... او قيمة نفعية مرتبطة بحاجة الانسان الفعلية او الإسترتيجية ...

العقل و العقلانية و "احسن تقويم" كلها رموز تخدم التصور الطاغي عن مركزية الانسان في الكون
Homocentrism.... هذه المركزية تشكل الأساس في تعامل الانسان مع الكائنات الاخرى ... ليس على أساس "شركاء" على الارض و في الكون و إنما باعتبار كل شيء في الكون مسخر لخدمة الانسان ..!!... لان الشراكة بلا شك تخلق التوازن بينما مفهوم التسخير يفتح باب الاستغلال المفتوح لكل شيء حيث لا حكم سوى عقل الانسان نفسه...

على أساس ذات الهيمنة العقلية جرى التفريق بين بني البشر ... تاريخيا جرى اعتبار المرأة رمزا للاغواء بعقل الرجل و دفعه الى ارتكاب الخطيئة... و هكذا تم اخراج المرأة من "قوم العقلاء".... ثم تم التفريق على اللون و القوى الجسمانية فكانت مركزية الانسان الأبيض ... و بين هذا و ذاك تم اخراج الفقراء و الضعفاء و المرضى و المنتمين الى هذا العرق و هذا الدين و هذا التاريخ و هذه الجغرافية وووووو... و ظهرت فئة
IQ مقياساً للنخبة العاقلة ... و هكذا

الان يمكننا ان نتساءل:... لو كان العقل البشري يمتلك حتى جزءاً بسيطا من القدرة الهائلة لاية حشرة او جرثومة او فيروس في الحركة والتغيير و التاثير ... هل كان يستطيع كبح جماح طموحه في القضاء على مبدأ الحياة ذاتها و ليس فقط على بعض الكائنات و الموارد وووو..كما فعل الڤايروس الثائر كورونا..؟؟..

سنتابع في مقالة قادمة حول كورونا و القيم المجتمعية .... حبي للجميع

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter