|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  9  / 3 / 2020                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الشيوعيون العراقيون في الإتحاد السوفييتي
فصل من كتاب "شيوعيو الشرق الأوسط في الاتحاد السوفييتي"

بقلم الباحث الروسي :  د. جريجوري كوساتش
ترجمة : عادل حبه
مراجعة : عبد الله حبه
(موقع الناس)

غلاف الكتاب باللغة الروسية

مقدمة المترجم
"الشيوعيون العراقيون في موسكو"، هو فصل من كتاب باللغة الروسية تحت عنوان "شيوعيو الشرق الأوسط في اتحاد الجمهوريات الااشتراكية السوفييتية" من تأليف الباحث الروسي د. جريجوري كوساتش، ونشرته "الجامعة الإنسانية التابعة للدولة الروسية" في عام 2009. ويضم الكتاب معلومات ووثائق قيمة تنشر لأول مرة حول الأحزاب الشيوعية في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والعراق في عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وهما عقدي تأسيس هذه الأحزاب العربية. وقد آثرت ترجمة القسم الخاص بالعراق لأن المكتبة العراقية الشيوعية تفتقر إلى المعلومات الموثقة حول فترة تأسيس الحركة الشيوعية في العراق، وهذا ما دفعني إلى ترجمة هذا القسم من الكتاب الغني بالمعلومات الوثائقية المحفوظة بأرشيفات الدولة الروسية حالياً، والتي كشف عنها الستار بعد زوال عهد الدولة السوفييتية.

ولد الكاتب الروسي الدكتور البروفسور جريجوري كوساج في عام 1944 ، وهو مؤرخ سوفييتي وروسي في الشؤون العربية ومختص في الشؤون السياسية العربية المعاصرة، ويتقن اللغة العربية.


جريجوري كوساج

ويشغل منصب بروفسور قسم التاريخ العربي المعاصر، وحصل على شهادة الدكتوراه في عام 1990، وأخصائي في معهد الشرق الأوسط ونائب رئيس تحرير مجلة "أوراسيا"، وهو مؤلف أكثر من 163 من الكتب والمقالات في غالبيتها حول الشؤون السياسية في البلدان العربية. لقد قام شقيقي العزيز عبد الله حبه مشكوراً بمراجعة النص.
 

الشيوعيون العراقيون في موسكو، هل وجد حزب أصلا؟


مقر الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق – موسكو، ميدان ستراستنايا

في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات ظهر لأول مرة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق طلبة من العراق. وكان عددهم قليلا ولم يتجاوز أربعة طلاب. ولم يصل هؤلاء الطلاب إلى العاصمة السوفييتية في وقت واحد، بل بطرق مختلفة وبمبادرة من المجاميع الشيوعية الفاعلة في الشرقين الأدنى والأوسط، والحديث يدور هنا بالدرجة الرئيسية عن ايران. إن مثل هذه المبادرات لم تأت نتيجة لنشاط هذه المجاميع بقدر ما تعكس اهتمام الكومنترن بالعراق الذي يستند على قدر من الأسس، رغم أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهل مبادرات هذه المجاميع. فالعراق كان يعاني من عدم الاستقرار الداخلي أولاً، وثانياً أن حصول العراق على الصفة القانونية كدولة مستقلة سياسياً عام 1932، لم يُغيّر من الواقع الحقيقي، وهو الدور المهيمن لانتداب بريطانيا العظمى على البلاد. إن معارضة شعب البلاد للدولة المنتدِبة قد طرح في البداية على سكرتارية الأممية الشيوعية تحت اسم "ميسوپوتيميا".

كان أول طالب عراقي في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق هو عبدالحميد الخطيب
(1) (بالإسم المستعار خالد) (2) الذي وصل إلى موسكو في آب عام 1929.


لفيف من طلبة الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق من مختلف الجنسيات في نهاية العشرينيات

أما الطالب الثاني فهو عاصم فليح الذي ورد اسمه في وثائق الجامعة. وصل عاصم فليح (3)،(بالإسم المستعار صائموف) إلى عاصمة الاتحاد السوفييتي في عام 1931 واستقر فيها، ودرس في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في الفترة بين عامي 1934 – 1935. وقد اعتبر عاصم فليح ممثل الشيوعيين العراقيين في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية مع قاسم حسن أحمد الشيخ (4) (تحت اسماء مستعارة هي مريد، ناظم تمين، زقور نعيم) (5)، بالإضافة إلى يوسف سلمان (6) (الإسم المستعار هو فردريك، برنارد فريدريك). لقد مكث قاسم حسن أحمد الشيخ في موسكو لمدة سنة واحدة، وغادرها في عام 1936 بعد أن انهى الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق وعاد إلى الوطن. ومكث يوسف سلمان في موسكو حتى عام 1937، و أصبح لا حقاً قائداً للحزب الشيوعي العراقي.

           
1901-1949                                                  1910-1970
يوسف سلمان يوسف (فهد)                                 قاسم حسن أحمد الشيخ

ومن اللافت للنظر هو قلة عدد العراقيين في موسكو، أخذا بنظر الاعتبار اهتمام الكومنترن بتشكيل منظمة شيوعية في العراق قادرة على قيادة النشاط في البلاد. وهنا يطرح السؤال التالي. هل أن تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي بدأ بالفعل في عام 1934؟؟ فإذا كان هذا التاريخ صحيحاً، فبأية صفة كان عبد الحميد الخطيب وعاصم فليح يتلقيان الدراسة قبلئذ في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق؟ هل بصفتهم كشيوعيين أم كمرشحين لتبني العقيدة البلشفية؟ (7)، ولماذا وجد بعد عام 1934 طالبان عراقيان فقط في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في الوقت الذي كانت المنظمة الشيوعية العراقية بحاجة الى أن يتلقى الدراسة فيها عدد اكثر من الحزبيين العراقيين؟

2
الحزب الشيوعي العراقي: نسخة من الرواية الرسمية
أسس مؤرخو الحزب الشيوعي العراقي (ومنهم في الوقت نفسه اعضاء في قيادة الحزب الشيوعي العراقي في السبعينيات وفي الثمانينيات من القرن الماضي، من حيث الأعضاء ونفوذ المنظمة السياسية في البلاد، سيرة حياة "منسقة ومنطقية داخلياً ومدعمة بالكثير من النصوص حول نشوء الحزب وتطوره". وتحدد منطق هذه الرواية المتين اعتمادا على الرؤية الميثودولوجية الوحيدة لأحداث الماضي الخاصة بالحركة الشيوعية في تلك الفترة، بإعتبارها تمثل في سياق هذه الأحداث العلاقة بين الظواهر الخاصة (المرتبطة بالعوامل الداخلية لتطور البلاد) والظواهر العامة (التي تتسم بطابع متميز في العالم كله). وكان من الطبيعي، أن يشغل مكانة مركزية في سياق هذه الرواية الحادث الذي جرى في روسيا (انقلاب اكتوبر عام 1917)، ومن ثم ظهرر الإتحاد السوفييتي، والذين شكلا العوامل التي غيرت العالم ومنه العراق (32).

لقد تغير العالم بسبب رئيسي هو أن الثورة الروسية وفرت الإمكانية لظهور الحركة الشيوعية. وتبعاً لذلك فإن هذه الظاهرة لم تحدد تطور العالم ككل فحسب، بل وكل بقعة من بقاع العالم. بالطبع أن الحوار الشيوعي العراقي لم يكن بإمكانه أن يعتمد على التأثير الخارجي، وبالتالي حصر تأثير هذا العامل على شرعية وجود الفكرة الشيوعية على الحزب. فالحوار الشيوعي العراق حاول الكشف عن العلاقة الداخلية بين هذا التأثير الخارجي وبين واقعهم العراقي. فليس بمستطاع العامل الخارجي أن يترك أي تأثير على العراق إذا لم تتوفر الأرضية الموضوعية. ومن بينها تبلور حركة التحرر الوطني في العراق وظهور الطبقات الاجتماعية الحديثة، ومن ضمنها وبالدرجة الأولى البروليتاريا كطبقة هي الأكثر استمرارية وقادرة على حل مهمات الثورة المعادية للاستعمار والاقطاع.
غير أن هذه الحالة لم يتاح لها أن تصبح مؤثرة لولا دور "البطل" الذي"اجترح المآثر". هذا البطل هو يوسف سلمان - فهد الذي قام بالمأثرة ووحد "الحلقات الماركسية" في نهاية آذار عام 1934، وفي عام 1936، أصبح يوسف سلمان أبرز عضو وأكثر الأعضاء فاعلية في قيادة الحزب الفتي، وتم إرساله إلى الدراسة في موسكو وممثلاً عن الحزب الشيوعي العراقي إلى المؤتمر السابع لمؤتمر الكومنترن، الأممية الشيوعية (33). إن مؤلفي "تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" الذي صدر عام 1984 وأصبح جزء من الاحتفال باليوبيل الفضي لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، كتبوا التالي:"إن تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في بداية عقد الثلاثينيات في بلد متخلف وبطبقة عاملة فتية قليلة العدد والتجربة في تلك السنوات وفي بلد مثل العراق كان ممكناً فقط لأن ما ساعد على هذه العملية هي الظروف الموضوعية- التغيرات على المسرح الدولي، وكذلك سبب ذاتي متمثلاً في قيادة الرفيق فهد"
(34). إن المنطق الداخلي لهذا الاختراق موجه إلى إحداث حراك مواز بين منظمة الشيوعيين العراقيين وبين الحزب السوفييتي الحاكم: وبروز العقيدة الماركسية خارج حدود روسيا وقيام "الدولة البروليتارية"من جهة، ولينين وفهد من الجهة الأخرى.

وقد استثنت الرواية الشيوعية الرسمية عن سيرة الحزب الشيوعي العراقي أي ذكر للعراقيين كيوسف سلمان من الذين تلقوا الدراسة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق. وأضحى الصمت يطغي تقريباً على سماته. حقاً إن أصحاب الرواية الحزبية تحدثوا عن "الحلقات الماركسية" في بغداد والبصرة والناصرية ولقاء قادتها "وتبادلهم الخبرة" مع يوسف سلمان. لقد كانت هذه الحلقات مستقلة بعضها عن البعض تنظيمياً ولم تظهر إلى الوجود في آن واحد ، فشخصيات قادتها متنوعة، إذا ما إستخدمنا تعبير مؤلف "طلائع الحركة الشيوعية في العراق"
(35)، ولم تذكر أسمائهم بإستثناء مؤلف واحد هو زكي خيري (36) . إن الرواية الرسمية للحزب الشيوعي العراقي تعتبر مهمة من جانب آخر. فلدى الإشارة إلى مرحلة "الحلقات" بصفته بداية تاريخ الحزب الشيوعي، لم تعقد مقارنة مجددا مع سلفه الأقدم تاريخياً وروحياً أي الحزب الاشتراكي- الديمقراطي الروسي، بل نسب تاريخ التأسيس ، طبعاً ليس الحزب الشيوعي العراقي، بـ "الحركة الشيوعية العراقية" إلى زمن أقدم من عام 1934 . (37)

لم يتوجه المؤلفون الرسميون لتاريخ الحزب الشيوعي العراقي صوب الوثائق المحفوظة في الأرشيف السوفييتي (لم يكن هذا الأرشيف متيسرا لاطلاع الباحثين في العهد السوفييتي، وفتح المجال فقط بعد زوال النظام السوفييتي-ع.ح.). وتكونت لديهم رواية احتوت على اعتراف بأهم الظروف التي حددت تشكيل الحركة الشيوعية العراقية (إلى تلك الفترة تابعها زملاؤهم السوفييت)، ومصادرهم الوطنية. هذا الاعتراف لا ينطوي بأي حال من الأحوال على التفاصيل ولا يستوعب ضرورة الاستناد إلى ما ورد في الوثائق من معطيات. إن المصادر المحلية عرضت فقط نتاجات طبيعية عن "الروابط الناقصة" مع "الطبقة العاملة" المحلية التي لم تسمح للرواد الشيوعيين الأوائل إدراك أهمية النظرية البلشفية ومبادئ العمل. ولكن أليس من المحتمل أن تكون عملية الوعي قد بدت أكثر تعقيداً؟ وهل من الممكن أنها تأثرت بعوامل أكثر أهمية من التصميمات المجردة، ومن بينها أنه من الطبيعي أن تحتل "الطبقة العاملة" المكانة الرئيسية؟
 

3
الكومنترن: مصادر معلوماته عن العراق ومحتواها
لقد أدرك العاملون في الكومنترن بسرعة شحة معلوماتهم عن الوضع السياسي الداخلي في العراق، ومن ضمنها تطور الحركة الشيوعية المحلية. وهذا لا يعني أن الكومنترن لم يكن لديه معلومات عن الشيوعيين العراقيين. فهذه المعلومات مدرجة في تقارير وبلاغات ورسائل العراقيين وشيوعيي البلدان العربية المجاورة. وخلاصة القول إنها كانت نصوص مكتوبة، شأنها في ذلك شأن كل المدونات، تعكس وجهات نظر مدونيها، وتصوراتهم الشخصية عن الواقع وأهدافهم وطموحاتهم، وأصبحت بهذا القدر أو ذاك إنعكاس قريب لتطور الأحداث. وإضافة إلى ذلك، إن تجميع هذه النصوص يمكن أن يقربنا من فهم هذه العملية، ولكن على شرط أن يتم وضعها في نص أوسع لتاريخ العراق ونشاط الكومنترن.

في نهاية عام 1930، وصل إلى سكرتارية الشرق للكومنترن أول تقرير عن نشاط المنظمة التي أطلقت على نفسها أسم "الحزب الشيوعي العراقي"، قدمه عبدالحميد الخطيب. وإحتوى التقرير على ملاحظة من كاتبه بأنه على صلة مباشرة مع الشيوعيين العراقيين. وكتب على الأقل أنه:"بعد فترة طويلة من العمل (في تأسيس منظمة الشيوعيين العراقيين- ج.ج.ك)، قرر الحزب في طهران في بداية عام 1929 إرساله لتلقي الدراسة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق
(38).

ويستطرد عبدالحميد الخطيب في تقريره أنه يوجد هناك في العراق "حزب شيوعي قوي ونقابتين عماليتين"- إتحاد المهنيين واتحاد عمال الطباعة. ويشير كاتب التقرير بصراحة أن كلتا النقابتين قد تم تأسيسهما من قبل الشيوعيين وتحت قيادتهم. ويعلن مقدم التقرير المرسل إلى الكومنترن إن رفاقه يخططون لتأسيس "اتحاد للعمال" من شأنه أن يقود كل المنظمات العمالية العراقية تحت القيادة التامة للحزب". والحديث هنا يدور حول اتحاد نقابي قوي،اقنع عندها عبدالحميد الخطيب الكومنترن، بأن الهدف قابل للتحقيق، وإنه ستصدر في البلاد صحيفتان "تخدمان الحزب".

وأشير في تقريره إلى أن الشيوعيون ينشطون في البصرة وضواحيها، وفي الناصرية وسوق الشيوخ والمنتفك والعمارة والنجف وكربلاء والرمادي وفي بغداد وضواحيها، ومن ضمنها الكاظمية والأعظمية، وفي الموصل وكركوك. ويقود هؤلاء الشيوعيين أربعة مراكز في البصرة والناصرية والحلة وبغداد. ويفهم من كلامه أن هذه اللجان الحزبية هي أشبه باللجان المنطقية (أو أنها تشمل عدداً من المناطق). وأنشأ الحزب لجاناً في المدن، وخاصة في بغداد والبصرة. كما يؤكد عبدالحميد الخطيب إن "الأوضاع لم تسمح لنا بإنتخاب لجنة مركزية، لأن أعضاء الحزب موزعون في شتى أنحاء العراق، وإن الأعضاء على إرتباط بعملهم المهني"، بالرغم من أن سكرتاريي جميع هذه اللجان على صلة بكاتب التقرير (مؤسس وقائد الحزب)، إلاّ أنه على صلة بالحزب الشيوعي الإيراني.

إن كاتب التقرير يطمح بالطبع إلى تكوين إنطباع من هذا التقرير بأن الحزب الشيوعي العراقي - حزب كبير وتنتشر منظماته في سائر أنحاء البلاد. ولكن توزيع الخلايا ، إذا ما وجدت، فقد إقتصرت بالأساس على المناطق الشيعية من البلاد. إن الخضوع التنظيمي لقائدهم (إن كان عبدالحميد الخطيب هو القائد فعلياً) والتوزع الهيكلي للشيوعيين العراقيين (الذين قرروا إرسال الخطيب إلى الدراسة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق)، فرض عليه أن يؤكد أن الحزب الشيوعي العراقي قد تأسس (حسب التقرير في عام 1926) كفصيل لا يتجزأ عن التنظيم الشيوعي في الدول المجاورة
(39).

ويشير التقرير إلى الاتجاهات الرئيسية في نشاط الشيوعيين في العراق.
من الطبيعي إن أهم ما قاموا به هو النشاط في الأوساط العمالية
(40)، وهو أمر مفهوم وواضح، بقدر ما تتطلبه المبادئ الشيوعية ومواقف الكومنترن. ومن المنطقي أن يكون الاتجاه الآخر هو إقامة الصلة مع الفلاحين كما أشير في تقريره وخاصة في "المناطق الجنوبية من الفرات ومع مركز البصرة"، واستنهاض الفلاحين للنضال ضد الاقطاعيين (وهذه هي أحد مطاليب الكومنترن)، وهذا ما تطلب شن دعاية لأفكار هذا النضال في مناطقهم. وكما أوضح كاتب التقرير إلى اللجنة التنفيذية للكومننترن:"ومن أجل الدعاية، فإننا استخدمنا مجاميع الفنانين وزيارة بعض القرى في أثناء راحة الفلاحين، والقيام بالدعاية لأفكار النضال في هذا الوسط." ومن أجل الدعاية، كما يشير كاتب التقرير إلى اللجنة التنفيذية للكومنترن، فإننا نستخدم مجموعة من الفنانين ونزور بعض القرى في أوقات العطل".أما الاتجاه الثالث فكان نشر المقالات في الصحافة المهمة الصادرة في البلاد، وكما يشير عبدالحميد الخطيب، "فإن مساعد منظمة جنوب الفرات أخذ على عاتقه العمل في الصحافة، وهو الآن يشغل مراسلاً لأهم الصحف العراقية". ويدور الحديث في التقرير أيضاً عن تشكيل منظمات اجتماعية ونوادي بقيادة الشيوعيين مثل "نادي الشباب العراقي" الذي أشرنا إليه آنفاً. وإلى جانب ذلك، وجدت في البصرة "جمعية البحوث العلمية" التي شارك في نشاطها الشيوعيون الذين استطاعوا أن ينظموا "النقاشات حول الشيوعية والحركة العمالية العالمية". وأخيراً النشاطات الجماهيرية:"المظاهرات ضد الصهيونية في بغداد في أثناء المواجهات الدامية في فلسطين بين العرب واليهود. وقد قاد الحزب هذه المظاهرات".

في التقرير الذي استندنا إليه، تعمد كاتب التقرير المبالغة في إمكانيات ودرجة نفوذ المنظمة التي أدى نشاطها ، حسب رأيه، إلى تغيير جذري في الوعي في البلاد:"فالأغلبية الكبيرة من المثقفين، وقبل تشكيل الحزب، كانت تعتقد أن الشيوعية هي مرادفة للفوضى والخراب وإباحة النساء ، وإن السلطة السوفييتية هي مصدر كل هذه الفوضى، ولذا ينبغي الإطاحة بها. ولكن بعد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، خاض عملاً واسعاً من أجل إيضاح الحقيقة". وكان من نتيجة هذا النشاط أن تغير موقف العراقيين تجاه الشيوعية وتجاه السلطة السوفيتية:"والآن هناك فرق كبير في أذهان الرأي العام بين عام 1926 وعام 1930 تجاه الشيوعية وروسيا السوفييتية. وإذا ما نظر آنذاك إلى الشيوعية كفوضى، فالآن أصبحت المثل الوحيد والواقعي للطبقة العاملة". وكسب الحزب:"التعاطف في المجتمع لصالح الاتحاد السوفييتي".

لماذا اختار مدون تقرير الكومنترن اللجوء إلى هذه المبالغة؟ إن الجواب على السؤال موجود في متن التقرير نفسه. فعبدالحميد الخطيب يؤكد أن ما جاء في تقريره:هو أن "هناك حزب شيوعي فعال ومتطور في العراق ونقابات متنوعة، ولكن مازال حزبنا غير قانوني وغير معترف به رسمياً. وكذا الحال بالنسبة للنقابات العمالية فهي غير المنضمة إلى النقابات الأممية الحمراء، وهي تحتاج إلى قيادة جيدة. ولذا يقترح:1) إرسال رفيق أو أكثر إلى العراق لتنظيم الحزب والنقابات العمالية؛2) دعوة عدد من الرفاق العراقيين للدراسة؛3) الاعتراف بالحزب". وبعبارة أخرى فإن كاتب التقرير بالغ في إمكانيات منظمته، وسعى إلى أن يجري الأعتراف بالحزب كعضو مستقل في الكومنترن، ويتطور معه العاملون تحت قيادة النقابات الأممية الحمراء عبر علاقات مباشرة. وحتى لو برزت المنظمة الشيوعية للشيوعيين العراقيين إلى الوجود نتيجة نشاط أقرانهم في العقيدة من الأجانب، فإنها طمحت إلى الخروج من وصايتهم. وهذا يعني أمراً واحداً لا غير وهو أن: قادة المنظمة تعتبر أن العراق ، الذي أصبح واقعاً سياسياً فهو بهذا القدر يسعى إلى أن يصبح أرض طبيعية لنشاط الشيوعيين المحليين. وبفعل هذا الوضع فإن أغلبية أعضاء الحزب (وفي المقدمة منهم الشيعة) راحوا يدركون من جديد أهمية ظهور الدولة العراقية كدولة عربية. ومن هنا أيضاً برز موقفهم الحاد تجاه الصهيونية والسعي إلى الخروج من دائرة الجنوب الشيعي وتحويل الحزب إلى منظمة تضم جميع ألوان الطيف العراقي.

لقد شكل تقرير عبدالحميد الخطيب بالنسبة إلى اللجنة التنفيذية للكومنترن أساس كاف للتحليل الدقيق للمشكلة. وجاء في قرار الكومنترن العبارة التالية:"يرسل ويوضع تحت تصرف مارتي"
(41)(المقصود المندوب الفرنسي المسؤول عن قسم الشرق)ع.ح.

ولكن لم تبادر اللجنة التنفيذية للكومنترن إلى إقامة صلات مع الشيوعيين العراقيين إلاَ بعد ثلاث سنوات، و إرتفع صداهم.

في أيلول عام 1933، وبمبادرة من مارتي، اتخذت اللجنة التنفيذية للكومنترن قراراً حمل عنوان"مقترحات حول العمل في العراق". وفي الوقت نفسه تم إرسال عبدالحميد الخطيب إلى الوطن، وذُكر في القرار أسم مستعار هو "حلوان" كقائد فعلي لأنصار الكومنترن المحليين. كما أشير في القرار أيضاً إلى عاصم فليح الذي اقترح عليه على الفور أن يتوجه إلى العراق لصالح تعزيز نشاط الشيوعيين. وأخيراً، ومن أجل حل هذه المشكلة، اعتبرت اللجنة التنفيذية للكومنترن أنه من الضروري أن يرسل إلى العراق واحد أو اثنين من الشيوعيين السوريين (عبر الموصل) من أجل ترتيب أمور الشيوعيين المحليين و"تكليف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الإسراع بتنفيذ مهمة إرسال ثلاثة طلبة عراقيين للدراسة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق". وفي هذا السياق، فإن أحدى مهمات الشيوعيين الفرنسيين هي "إقامة الصلة مع الطلبة العراقيين الذين يتلقون الدراسة في باريس، وعلى الشاكلة نفسها يتولى الشيوعيون الأنجليز "تشكيل مجاميع معادية للأمبريالية" بين الطلبة العراقيين الذين يتلقون التعليم في لندن".

وكما تشير الوثيقة، فإن قرار اللجنة التنفيذية للكومنترن لم يتضمن طرح مسألة الاعتراف الرسمي بالتنظيم الشيوعي العراقي (إذ برزت شكوك وحذر حول واقعية وجود هذا التنظيم في العراق)، ولم تضع اللجنة الشيوعيين المحليين تحت رعاية الحزب الشيوعي السوري، ولكنه في الوقت نفسه كلف هذا الحزب القيام بدور فعال في الحلقة المركزية للحركة الشيوعية في كل البلدان العربية. وهكذا فإن مصدر كل المعلومات التي ترد إلى الكومنترن حول الشيوعيين العراقيين كانت تأتي من التركيب التنظيمي "الشقيق" أو المعلومات الواردة من العراق بشكل مباشر، ولكنها خاضعة لرقابة هذا التركيب بصورة مشددة.


محمود الأطرش (محمود الجزائري) (1903-1981)

علماً إن أمكانية للرقابة على المعلومات بالدرجة الأولى، تحددت بأنه تم في عام 1935 اختيار ممثل الحزب الشيوعي السوري م.م. الجزائري (محمود الأطرش- ع.ح.) عضواً في القسم الشرقي اللجنة التنفيذية للكومنترن.

بماذا تم إبلاغ اللجنة التنفيذية للكومنترن بعد عام 1933؟
يبدو أنه قد وردت إلى موسكو من دمشق في عام 1934 وثيقة باللغة العربية (دون ذكر التاريخ التقريبي) بإسم "حركة التحرر الوطني في العراق"(في الحقيقة كانت تسمى (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار- ع.ح.)
(42)، كما تؤكد الوثائق الرسمية للحزب الشيوعي العراقي. وأشير لأول مرة في هذه الوثيقة عن الرابطة العضوية بين الشيوعيين والوطنيين العراقيين، الذي يمثلهم قبل كل شيء في جنوب العراق الحزب الوطني بزعامة جعفر أبو التمن (43). إن فكرة هذه الرابطة قد جرى الإشارة إليها في أكثر من وثيقة في عام 1927، حيث أسست مجموعة من الشباب يبلغ عددهم ثلاثة عشر شاباً من أعضاء الحزب الوطني، النادي الثقافي في البصرة . وضم هذا النادي أعضاء من الموظفين والطلاب والمعلمين. وضم مؤسسي هذا النادي عدد من الشباب من ذوي النزعات الراديكالية (شباب المعرفين) (44). وفي عام 1929 أصبحوا من أنصار جعفر أبو التمن، والذين بادروا في البصرة إلى تأسيس أول خلية شيوعية، ولحقتها خلية ثانية في الناصرية.


جعفر ابو التمن
1881-1945

وتضمن البرناج الحافل الدعوة إلى إستقلال العراق ووحدة البلدان العربية والنضال ضد الأثرياء والاقطاعيين، بإعتبار هذه الفئة من عملاء الأمبرياليين الانجليز، ونشر العلمانية بإعتبارها ملاذاً للمساواة بين جميع الطوائف الدينية والنضال ضد التطرف الديني وإزاحة المستشارين الانجليز من أجهزة الدولة وتنظيم العمال والنشاط في صفوف الفلاحين ورفع مستواهم التعليمي. ولم تطمح هذه الشبيبة الراديكالية إلى القطيعة التامة مع الحزب الوطني، واعتبرت أنه من الضروري "دفعه إلى تشكيل منظمة لكل الفئات الشعبية في الحملة المناهضة للأمبريالية". ويضاف إلى ذلك، فإن الشيوعيون ساعدوا على "تأسيس فروع لهم في البصرة والناصرية".

وفي الوثيقة المذكورة أعلاه يشار إلى أنه فقط "في عام 1934، وبمساعدة الرفاق السوريين "بدأت في صفوف الشيوعيين العراقيين عملية "التمركز". وبفضل الشيوعيين السوريين جرت المبادرة إلى تأسيس "نقابات سرية في الموصل وخانقين"، و"تعزز أيضاً الاهتمام بالفلاحين والقبائل البدوية، عندما شارك الشيوعيون بنشاط في انتفاضة العشائر في الهندية في الفرات الأوسط، وانتشرت بين المنتفضين البيانات والنشرات كدعاية تحريرية". وأخيراً، جرى التأكيد في الوثيقة على حادثة جرت في عام 1934 حيث أصطدم انصار الكومنترن مع "تيار برز في صفوفهم من الشعبيين" من الذين وقفوا ضد التحول إلى الشيوعية".

وهناك الكثير من الموضوعات المهمة في هذه الوثيقة، خاصة الإشارة إلى مصادر الشيوعية في البصرة ذات الأغلبية الشيعية- كالحزب الوطني العراقي بزعامة القيادي السياسي الشيعي، إضافة إلى الإشارة حول الدور المهم لرفاقهم السوريين قي توحيد المجاميع التي تكونت في الجنوب مع تلك المجاميع من أنصار الأفكار الشيوعية التي تأسست في بقاع أخرى من البلاد. وهنا فإن الإشارة إلى "الشعبيين" ترتدي أهمية مبدأية.

لقد تردد ذكر هذا المصطلح في قاموس الكومنترن في فترة النصف الثاني من عقد الثلاثينيات، وفي أحاديث شيوعيي الشرق الأوسط ومن ضمنهم الشيوعيين العراقيين. وهي تعني بالنسبة لهم مجموعة سياسية بارزة في العراق في تلك الفترة وتدعى "جمعية الإصلاح الشعبي"، ومقرها في بغداد ويترأسها كامل الجادرجي وعبد القادر اسماعيل. وقد أشير إليها في تقرير عبدالحميد الخطيب، والتي أصدرت صحيفة "الأهالي".


كامل الجادرجي                                            عبد القادر اسماعيل

وعبرت عن عقيدتها السياسية في برنامجها المنشور عام 1936 الذي أكد على ضرورة إجراء "إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي في المجتمع لصالح جميع أفراد الشعب العراقي وتطوره والقضاء على الاستغلال" (45).

وقد فصّل البرنامج هذه الموضوعات العامة وتناول السياسة الخارجية وأكد على أهمية "تقارب البلدان العربية (ام التقارب)"، "وتعزيز عرى الصداقة بين العراق وجيرانه". وفي الميدان الداخلي، أكدت الوثيقة على "تقوية الجيش"، "وتوفير الظروف لنشر حرية الرأي والديمقراطية"، "ورفع المستوى المعيشي للشعب عن طريق توفير كل النعم المادية والروحية". وتطرق البرنامج إلى تطوير "التعاونيات الفلاحية"، مؤكداً على أهمية تصفية الأمية وبناء المؤسسات الصحية وتشريع قوانين العمال، ومن ضمنها حرية تأسيس المنظمات العمالية، وكذلك تحرير المرأة. وإعتبر الكومنترن المنظمات المشابهة لهذه الجمعية كحركات وطنية ديمقراطية، ينبغي على الشيوعيين إقامة علاقة وثيقة معها (على الأقل في بداية وأواسط عقد الثلاثينيات) تحت الشعار الذي راج في بلدان الشرق حول "تأسيس الجبهة الموحدة المناهضة للأمبريالية".

وعلى الفور أغرى ذلك الشعار أنصار الكومنترن من العراقيين الطامحين وطالبوا "بتحويل الشعبيين إلى الشيوعيين" بإعتباره أمراً يتجاهل (أو على الأقل لا يفهم) تكتيك هذه الجبهة. زد على ذلك، فإن هذا الإغراء قد تعزز لأن الكومنترن قد سبق وأن طلب من أنصاره في بلدان الشرق إلى تحويل "التنظيمات الوطنية الديمقراطية" المحلية في مجال نشاطها، عن طريق احداث انشقاق في هذه التنظيمات كي يتم انتقال "العناصر الأكثر ثباتاً" في صفوفها إلى مواقع الشيوعية. لقد وجد هذا المنحى فهماً دائماً في صفوف جميع شيوعيي الشرق. ولكن، كما يبدو فالحديث لا يدور فقط عن نهج تذبذب الكومنترن، بقدر ما يدور حول ظروف تأسيس الحركة الشيوعية العراقية التي تحددت بدورها بعوامل تأسيس الدولة العراقية. ومن المناسب هنا التوقف عند بعض الوثائق المتعلقة بالحزب الشيوعي العراقي.

في كانون الأول علم 1936 تلقت سكرتارية الشرق التابعة للكومنترن "ومن جديد عبر سوريا" وثيقة غير موقعة تحت عنوان "الوضع في العراق ومهمات الحزب الشيوعي العراقي بعد انقلاب التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1936". واحتوت الوثيقة على سمات المنظمات والأحزاب السياسية المحلية، ومن ضمنها الحزب الوطني وجمعية الاصلاح الشعبي. وجاء في الوثيقة :"إلى جانب الحزب الوطني، توجد في البلاد مجموعة تلتف حول جريدة "الأهالي" اليسارية وهي حلقات الشعبيين. و برز الحزب الشيوعي العراقي في عام 1934 من وسط الشعبيين بالدرجة الأولى"
(46). وهكذا فإن المصدر الثاني لتأسيس الحركة الشيوعية العراقية - هم الشعبيون (وهذا هو الترابط العضوي مع الحركة الوطنية). ويبدو أنه من الممكن استعادة قائمة بأسماء 15 عضواً من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي من الذين انشقوا عن الشعبيين. وهم أعضاء المجموعة الشيوعية البغدادية من ناشطي جمعية الإصلاح الشعبي ومن بينهم عاصم فليح ، الذي أصبح سكرتيراً لهذا "الحزب" بعد عودته من موسكو، وقاسم حسن أحمد الشيخ ممثله في الكومنترن عام 1935. (47)

في الرسالة التي أرسلها عاصم فليح باللغة الروسية وحملها قاسم حسن أحمد الشيخ في أول زيارة له للعاصمة السوفييتية، أعلن فيها:"أننا على إدراك بجذرية وعدمية ميولنا"
(48). وبعبارة أخرى، فإن وجهات نظر الشيوعيين البغداديين تتميز مبدئياً عن أقرانهم في البصرة. ويشير الكاتب إلى أن "السبب الرئيسي .. هو قلة أعضاء المجموعة" و "عدم حيازتهم للمهارة التنظيمية الشيوعية" معلناً للجنة التنفيذية للكومنترن عن "أن تنظيم الحزب الشيوعي قد بدأ في عام 1924"، هذا التنظيم الذي لم يستطع الوقوف على قدميه أكثر من سنة جراء عدم فاعليته، أجبر عاصم فليح على التوجه إلى العاصمة السوفييتية من أجل "تلقي الدراسة" (49). وكان منظم هذه الرحلة (كما تنص عليها الرسالة) الشيوعي السوري اللبناني ف.شميل.

لقد قدّم عاصم فليح في رسالته جواباً عن ذلك اتخذ شكل العلاقة بين المجموعتين الشيوعيتين في بغداد والبصرة. وكان الجواب مبطناً ويمكن أن ندرك فحواه من ثنايا السطور. فقد أعلن عاصم فليح:"إنما تسألون عن الحزب العراقي ولماذا لم أنخرط فيه؟ السبب هو وجود بعض الجنون فيه". ويتابع الحديث:"بعد مضي بعض الوقت إلتقى الرفيق خالد (عبدالحميد الخطيب) مع السفير السوفييتي في بلاد فارس واستلم قدراً من المال لشراء سيارة وكثير من التوجيهات. ولكن لم يشتروا السيارة ووزعوا الأموال بينهم. وعندما رأى الرفيق خالد ذلك، أخذ 150 ين من إجوره وغادر... وكان من بيهم شخص يدعى محمد عبدالحسين. ولقد قرأت بعدئذ مقالته في صحيفة "العراق" حيث هاجم الشيوعية والشيوعيين العرب والشيوعيين العراقيين بوجه خاص"
(50).

ومن المناسب الاستناد إلى وثيقة أخرى. وهي "أوراق من الذاكرة" كتبها قاسم حسن أحمد الشيخ عندما شارك في أعمال المؤتمر السابع للكومنترن، وكان من المنتظر أن ينظر فيها من قبل السكرتارية الشرقية للجنة التنفيذية للكومنترن. ويشير في مدونته أنه في عامي 1928-1929 تأسست في العراق "منظمتين شيوعيتين"،اللتان لم تتوحدا إلاّ في عامي 1933-1934 في حزب شيوعي"،


المؤتمر السابع للكومنترن – موسكو
حزيران- آب 1935

(كان من المناسب أن يضيف أن ذلك قد حدث بعد أن شارك أبو التمن في جمعية الإصلاح الشعبي (51)). إن هذا التنظيم تأسس من قبل الأعضاء الذين عملوا خلال فترة طويلة في جريدة "الأهالي"، ومن خلالها أطلعوا الرأي العام على ما يجري في الاتحاد السوفييتي. ولهذا أسسوا بيسر جبهه متحدة مع الثوريين الوطنيين ومع المجاميع الوطنية تحت شعار"حرية الوطن"، و"الانتخاب المباشر على أساس الحق الانتخابي العام"، و"حرية الاجتماعات والصحافة والتنظيم". وأحتوت ورقة قاسم حسن أحمد الشيخ على عدد من المطالب ومنها "تخصيص ميزانية للشيوعيين في العراق بمقدار 3000 فرانك فرنسي من أجل إصدار صحيفة علنية ومساعدة تنظيم الحزب .. ألخ" (52).

إن صورة كلتا المجموعتين الشيوعيتين تنطوي على تفاصيل جوهرية. والحديث لا يدور حول السمات الشخصية لعاصم فليح وقاسم حسن أحمد الشيخ في استخدام الصحافة الرسمية من أجل تبادل الهجمات ومن ضمنها عن العلاقات المختلفة للمراكز الشيوعية العراقية. ففي حالة المجموعة البغدادية فقد كانت على صلة بالحزب الشيوعي السوري، الذي يرعى هذه المجموعة ويمدها بالوسائل التي تقدمها السكرتارية الشرقية من خلال وجود م.م. الجزائري في عضويتها، كما هو الحال في تسهيل سفر قاسم حسن أحمد الشيخ إلى موسكو، أما بالنسبة إلى المجموعة البصرية فإنها على صلة بالحزب الشيوعي الإيراني الذي يعمل مع مصدر الصلة - ممثلو المؤسسات السوفييتية في الخارج.
(53)

إن الكومنترن الذي كان يتولى معالجة القضايا المتعلقة بتوسيع النفوذ السوفييتي، والاستخبارات الخارجية التي تتولى مهام أمن الإتحاد السوفييتي، كانتا مؤسستان تتعاونان وفي الوقت نفسه تتنافسان؟ حقاً أن واقع وجود تنظيمات مختلفة من الشيوعيين العراقيين ليس الواقع الوحيد، بل أكد الوضع العام "للتعاون مع المنافسة"
(54) . المنافسة نعم، ومن الطبيعي في حالة عدم وجود وجهات متقاربة بين الشيوعيين العراقيين، فلا يوجد موقف واحد يدعم الموقف بين "المتنافسين". لم يكن عبدالحميد الخطيب العضو الوحيد في المجموعة البصرية، الذي أقام صلة مع المؤسسة السوفييتية في إيران. فقد أقام هذه الصلة أيضاً يوسف سلمان (55). وفي حالات الضرورة فمن الممكن أن يتوجه أعضاء المجموعة الشيوعية البغدادية إلى نفس المؤسسة. لقد حاول قاسم حسن أحمد الشيخ أن يغادر العراق متوجهاً إلى موسكو عبر ايران في عام 1941. ولهذا احتاج إلى توصيات إيجابية من قبل موظفي السفارة السوفييتية في طهران، وهو اجراء طبيعي بالنسبة له، خاصة في ظل الحرب العراقية البريطانية، ووجود القواعد العسكرية البريطانية على الأراضي العراقية (56).

وبالرغم من اهمية هذه التفاصيل، إلاّ أنه يوجد ما هو أكثر أهمية هو "تبرعم" الشيوعيين من المجموعتين البغدادية والبصرية من الحزب الوطني وجمعية الإصلاح الشعبي.
 


المصادر
(1) كان من أهالي بغداد، وعمل معلماً لمادة الكيمياء في أحدى مدارس العاصمةЛ وبمبادرة منه وصل إلى موسكو في عام 1929. وفي بداية عام 1930 عاد إلى العراق. ولم يعرف السبب في عودته، وحسب رواية بعض رواد الحركة الشيوعية العراقية، إن السبب يعود ربما إلى صلات عبد الحميد الخطيب مع التروتسكيين أو بسبب الوضع المتوتر في القسم العربي من الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق بالارتباد بالنقاشات التي كانت دائرة حول إعلان الكومنترن نهجه تجاه المنظمات الشيوعية في العالم العربيمن ناحية، ومن ناحية أخرى تجاه اليهود أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني، وهو غالباً ما أدى إلى مشاحنات علنية. وكان عبد الحميد الخطيب مشارك فعال في إحداها. قبيل عودته إلى العراق، كم يورد أحد الرواد، زار السفارة البريطانية في موسكو وأصبح "عميلاً" للشرطة العراقية والمخابرات البريطانية. راجع كتاب "الجذور الفكرية الاشتراكية والتقدمية في العراق خلال أعوام 1920-1934" لمؤلفه أ.خ.فياض الصادر في بيروت عام 1980-ص284-288.
وفي تقرير عن نشاطه في العراق قدمه إلى اللجنة التنفيذية للكومنترن بعد وصوله إلى موسكو، أوضح عبد الحميد الخطيب أن يتلقى التعليم في قسم الفيزياء في كلية بغداد في "الأعظمية". ويشير التقرير المكتوب بخطه، أن المحاولة الثانية للوصول إلى موسكو كانت موفقة. وكانت المحاولة عبر إيران – الأهواز في عام 1929، حيث قدمت له المساعدة المالية من قبل القنصل السوفييتي. وبعد وصوله إلى طهران تم اعتقاله وقضى شهرين في السجن، ثم نقل إلى العراق.(الحزب الشيوعي العراقي- ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي، أف 495.14.د.376.أل.54).
(2) مدونات الاسماء أثناء المكوث في موسكو.
(3) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(4) نفس المصدر
(5) الترجمة الروسية للاسم العربي"زهير".
(6) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(7) هذه المعلومات لا تتنفرد بها روايات الشيوعيين العراقيين، بل وأيضاً روايات الباحثين الروس والسوفيات والأوربيين، مثل مؤلف ج.ج.كوساج "الشيوعيون وقضايا الثورة البرجوازية الديمقراطية في العراق طوال عقد الثلاثينيات والأربعينيات" و "الحركة الوطنية والاجتماعية في الشرق الصادر عام 1986، والمؤلف الفرنسي Luizard P J- Il y avait un pays, arabes. Le Machrek. Revue des mondes musulmans et de la Mediterrane.
 

(32) في هذا القسم يستند الكاتب لاحقاً إلى مؤلف زكي خيري الذي أصدره بمناسة الذكرى الخمسينية لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي تحت عنوان "تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" . المجلد الأول. الصادر عام 1984.
(33) نفس المصدر
(34) نفس المصدر
(35) نفس المصدر
(36) نفس المصدر
(37) " في عام 1927، كما كتب المؤلفون في الكتاب المشار إليه، جرت أول محاولة لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي. ولكن أصاب الفشل هذه المحاولة، لأن الحلقات الشيوعية الأولى كانت علاقاتها ضعيفة مع الحركة الجماهيرية بشكل عام ، ومع العمال، أيضاً. ولم يكن بين هؤلاء الماركسيين مناضلون محترفون. وبشكل عام فإن غالبيتهم كانوا من الموظفين في أجهزة الدولة من الذين قضوا فترة طويلة من خدمتهم في ظروف البيروقراطية والروتين" نفس المصدر.
(38) الحزب الشيوعي العراقي. 26 آب 1930، أرشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(39) من المناسب التذكير بأن منظمة الشيوعيين السوريين – اللبنانيين قدر برزت كخلية تابعة للحزب الشيوعي الفلسطيني. ج.ج.كوساج "راية حمراء فوق الشرق الأوسط"، الحزب الشيوعي المصري والفلسطيني وسوريا ولبنان في سنوات عقد العشرين والثلاثين.
(40) الحزب الشيوعي العراقي.26 آب 1930.
(41) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(42) الحركة الوطنية التحررية في العراق.
(43) عن هذا الحزب ومؤسسه، راجع أيضاً "الشيوعيون وقضايا الثورة البرجوازية الوطنية في العراق" (أواسط عقد الثلاثينيات والأربغينيات).
(44) ينبغي أن لا يفهم حرفياً مضمون المفردات العربية بين قوسين. في فترة تأسيس الحركة الشيوعية في العالم العربي كان مفهوم "التترية" مرادفاً للتطرف والراديكالية واشتق منه مفردة "المتطرفون".
(45) منهج جمعية الاصلاح الوطني والنظام الأساسي .مطبعة الأهالي. بغداد 1936. أرشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(46) الوضع في العراق بعد انقلاب 29 تشريت الأول عام 1936.
(47) أعضاء هذه المحموعة هم يوسف اسماعيل وعاصم فليح ومهدي هاشم ووديع مروكي وصادق سطيفان "طالب في كلية الحقوق" وزكي خيري وموسى حبيب "موظف في الموانئ"وزكريا ألياس وشيمون بشو ونوري أنور روفائيل "طالب في كلية الحقوق" وصحفي غير معروف هو يوسف متي وجرجس يوسف وسليم زكريا "عامل في السكك الحديدية"وموسى سلوى. رسالة إلى معالي رئيس مجلس الأمة المحترم، عريضة المعتقلين السياسيين. استلمت من قبل الكومنترن في 26 أيار عام 1936.
(48) من صائموف، نفس المصدر
(49) عن هذا "الحزب" الذي تأسس عشية سفره للدراسة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق.
(50) نفس المصدر
(51) يشار في الوثائق المحفوظة في أرشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي أنه" في عام 1934أعلن قادة الحزب الوطني عن حله. ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا الإجراء) هو تعاظم نفوذ الشعبيين الذين احتلوا مواقع الوطنيين (الحزب الوطني)، مما دعى أبو التمن إلى الاتحاد مع الشعبيين"(الحركة التحررية الوطنية في العراق.
(52)  مذكرة ناظم تمينه، عضو وفد الحزب العراقي إلى المؤتمر السابع للكومنترن.
(53) بالاستناد إلى تقرير أصلي باللغة العربية، يشير عبد الحميد الخطيب:" إنني على صلة بالحزب الشيوعي الإيراني عبر رفيق في القنصلية السوفييتية في الأهواز"الحزب الشيوعي العراقي.
(54) مثلاً: الحزب الشيوعي الفلسطيني في عقود 1920 -1930. السيرة الذاتية لعلي ليبرمان.
(55) أ.ح. فياض.
(56) كل هذه التقارير محفوظة في أرشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي ومن ضمنها، الرواسب المعدنية في العراق.
 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter