|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين   / 6 / 2021                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

علل أفول الديمقراطية

الكاتب الإيران محمود سريع القلم
ترجمة :عادل حبه

(موقع الناس)

المصدر: موقع ايران امروز

محمود سريع القلم

في أقل من قرن، ومنذ عام 1913 وحتى عام 2021، تمت إضافة 6 مليارات شخص إلى سكان كوكبنا، من 1,6 مليار إلى 7,7 مليار. وتم استخدام نصف احتياطيات النفط في العالم خلال أربعين عاماً ومنذ عام 1980. ويوجد الآن حوالي 1,1 مليار مركبة في العالم ، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى ملياري مركبة بحلول عام 2040. وزاد استهلاك المياه 6 مرات مقارنة بالنصف الثاني من القرن الماضي، حيث يتم استخدام 11 لتر من الماء لإنتاج بنطال واحد من الجينز. وعلى مدى العقد الماضي، اضطر 261 مليون شخص في الصين وفيتنام والهند وإندونيسيا وبنغلاديش واليابان والولايات المتحدة ومصر والبرازيل وهولندا إلى الفرار من ديارهم في المناطق الساحلية بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر. وفي ظل الظروف الإعتيادية، توفر السياحة 235 مليون فرصة عمل، أي حوالي 9٪ من الناتج الإجمالي العالمي. وإن حوالي 45٪ من تلوث الهواء على الأرض ناتج عن استهلاك الفحم. وتستهلك الصين والهند 60٪ من فحم العالم سنوياً. كما تستهلك الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي حوالي 55٪ من الطاقة (الفحم والنفط والغاز) سنوياً. وهناك 450 محطة طاقة نووية في العالم، وسيتضاعف هذا العدد خلال عقد من الزمان، إذ أن 16 دولة تقوم الآن ببناء 60 محطة نووبة لتوليد الطاقة. وتمتص المحيطات 22 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون يومياً. وتضاعف عدد موجات تسونامي والزلازل والأعاصير في العالم في نصف القرن الماضي.

لقد أدت هذه الظروف البيئية والاقتصادية والمعيشية القاسية إلى تغيير أولويات المجتمعات. فبالمنافسة الشديدة بسبب العولمة وتخلف العديد من البلدان عن هذه القافلة بسبب الافتقار إلى الميزة النسبية، من المتوقع أن يقف عدد كبير من البلدان عند حافة البقاء. وتستورد دولة مثل مصر نصف الغذاء الذي يحتاجه 90 مليون مصري بتبرعات من الولايات المتحدة والدول العربية، وقد أدى فقر مصر الاقتصادي إلى تدهور سياسي كبير في الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين. وأدت الزيادة في عدد السكان وتراجع الفرص الاقتصادية إلى أن يفكر غالبية المواطنين في مختلف البلدان في "الاستقرار الاقتصادي" أكثر من التفكير بـ"التنمية السياسية".

وخلال قرن تقريباً (1880-1990) ،شكلت المواجهة بين الرأسمالية والشيوعية أرضية "النضال السياسي" بإعتبارها أهم الأحداث الاجتماعية في العالم، بحيث اختلط إنهاء الاستعمار في منتصف القرن العشرين بالنضال بين اليسار واليمين، وبرز اعتماد العالم الثالث على المركز النظري لـهذا "النضال". ولكن أصبحت اليوم موضوعة سبل العيش القضية الرئيسية في إفريقيا وأمريكا الوسطى وآسيا. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، هاجر مليون شخص إلى الولايات المتحدة من المكسيك. وليس لدى هذه المجموعة من المهاجرين أية دوافع سياسية ولا تخوض أية صراعات، لكنها تسعى إلى العمل وتأمين قوت أسرهم. ويعمل تسعة ملايين هندي في ست دول خليجية، ويرسلون مبلغ 35 مليار دولار سنوياً إلى عائلاتهم. كما أن الدول العربية لا تشعر بالأمان حيال وجود هذا العدد الكبير من الأجانب على أراضيها.

وتكشف دراسة مقارنة لعامة السكان في البلدان النامية والمتقدمة أنه قد ولى عصر "النضال السياسي" على غرار ما كان يجري في عقد الستينيات من القرن الماضي. فغالباً ما تخرج الشعوب إلى الشوارع لسببين: الافتقار إلى الاستقرار الاقتصادي والقيود المفروضة على الحريات الاجتماعية. وما دامت أية حكومة قادرة على إدارة هاتين المسألتين، فإنها لا تتعرض إلى المؤاخذة عن أوجه قصور أخرى مثل الديمقراطية والانتخابات الحرة والمنافسة الحزبية والإعلام الحر. إن الرغبة الأساسية لدى الناس في معظم البلدان هي الاستقرار السياسي وليس التنمية السياسية.

الآن ليس للديمقراطية في الصين وفيتنام وسنغافورة الكثير من الزبائن، فعامة الناس في هذه البلدان الثلاثة، التي حققت ثروة كبيرة واستقراراً اقتصادياً، راضية، وأحياناً راضية بشكل استثانئي كما هو الحال في سنغافورة. لقد تراجعت الديمقراطية في العالم بشكل حاد في السنوات الخمس عشرة الماضية. فمن بين 193 دولة في العالم، هناك فقط 22 دولة ديمقراطية ، بما يعني أن لديها: منافسة حزبية، والإعلام الحر، وانتخابات حرة، وتداول للسلطة، وحريات مدنية وسياسية وقضاء مستقل. وهناك في 134 دولة أخرى "مسرح" للديمقراطية ويعيش 75٪ من سكان العالم في ظل أنظمة استبدادية.

وباستثناء الدول الأسكندنافية، فإن وجود الفرد في السلطة في الكثير من البلدان يوفر الكثير من الفرص للثروة والشهرة والوصول إلى تحقيق الفرص. وإلى الآن، وحتى في الديمقراطيات التقليدية، يعمل الأشخاص ذوو الرواتب المتوسطة في الحكومة لبعض الوقت، حيث يتواصل ويتعرف على تفاصيل الأمور، ثم ينتقل إلى القطاع الخاص براتب يبلغ 6-5 أضعاف الراتب في القطاع الحكومي، علاوة على الاستفادة القصوى من شبكات التواصل الاجتماعي. ويبحث معظم الجيل الجديد من السياسيين في العالم عن الفرص والحضوة والشهرة وتأمين مستقبلهم المالي في ظل عالم مضطرب. ويتراجع بحدة الالتزام بالمبادئ الشخصية والأخلاقية والسياسية السابقة. ويتأقلم العديد من الشباب ومتوسطي العمر بسرعة مع أي نوع حديث من أنواع الرؤية للعالم. وفي الوقت نفسه، فإن تنوع الاستمتاع بالحياة منتشر للغاية، ومنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة أنه يقود الناس بشكل طبيعي صوب السلطة والثروة بأي وسيلة وعملية. وبعبارة أخرى، لا يوجد ميل للمبادئ الديمقراطية بين عامة الناس في معظم البلدان، ولا في طبقات السلطة. قبل نصف قرن، كان التعليم العالي ضمانة للعمالة والدخل، ولكن اليوم، نظراً لعدد السكان الكبير والفرص المحدودة، فلا توجد مثل هذه الضمانة. لقد حل الاستمتاع بالحياة مكان النضال والديمقراطية. وتضاءلت حتى النزعة القومية والالتزام بالمصالح الوطنية في عالم مبتلى بالمشاكل البيئية والقيود الاقتصادية.

إن من أهم الفرص المناسبة للأنظمة الاستبدادية في عالم اليوم هو النمو الكبير للرغبات الفردية وإنغمار الأفراد في أولوياتهم، بحيث تقلصت التجمعات الواسعة والثابتة إلى حد كبير. فالكثير من الأشخاص يهتمون بأنفسهم لدرجة أنه تم تهميش ظاهرة "المطالب الجماعية" و "العضوية في المنظمات" و "المصالح الوطنية". لقد حلت المحافظة، وخاصة عند الأجيال الشابة، محل الراديكالية والنضال السابق. شباب اليوم يريدون أن يعيشوا بشكل جيد، بينما كانوا قبل 50 عاما يفكرون في النضال السياسي حصرياً. وطالما يحصل الفرد على دخل جيد، وإمكانية الوصول إلى الفرص والشهرة، فإن باقي القضايا أضحت قضايا هامشية. في العقود القادمة سيكون الحفاظ على الإنسجام الاجتماعي والهوية الوطنية والقيم الجماعية تحديات خطيرة أمام الحكومات.

ومن ناحية، ساعدت التقنيات الجديدة والهواتف المحمولة على زيادة الوعي، وإلى إنتشار النزعة الفردية. لقد قدمت التكنولوجيا المساعدة للحكومات في التمركز الجديد حول الذات. ولقد أطلق على البلدان المهتمة بالتنمية اسم الدولة التنموية (
Developmentalist State) أو دولة الرفاهية (Welfare State)، ولكن ظهر اليوم مصطلح آخر هو دولة المراقبة (Surveillance State). ويمكن الآن متابعة الميول الفكرية والعلاقات وبرامج الأفراد عبر التلفون المحمول (Predictive Tools). ويمكن الوصول إلى العديد من الثنائيات والخيارات الفردية من خلال تصميم اللوغاريتمات. وعلى الرغم من أن اللوغاريتمات تشكل تحدياً في العلوم الإنسانية ولا يمكنها الوصول إلى المناطق الرمادية في العقل، ولكن التكنولوجيا قد برمجت الرجل الجديد وشخصت العديد من حركاته. لقد ساعدت التكنولوجيا واللوغاريتمات إلى حد كبير حتى في تربية البشر المزدوجين الذين لا يتمتعون بشخصية مستقرة (Borderline Personality Disorders

لقد استفادت بعض دول المراقبة من فرصة انتشار جائحة الكورونا، مما أجبر مواطنيها على تثبيت تطبيقات الكورونا لتمكين التعرف على الوجه (
Facial Recognition ) والمسح الحراري (Thermal Scanning) ، ولكن أيضاً الوصول بشكل غير مباشر إلى جميع تحركات الأفراد. وهناك قضية معقدة وخطيرة للغاية تمت مناقشتها في الأوساط الأكاديمية والبرلمانات الغربية وهي العلاقة الجديدة بين التكنولوجيا والحرية. في الواقع، يتم برمجة الأفراد الذين لديهم لوغاريتمات بحيث تصبح خياراتهم محدودة ومحرومين من القدرة على التحليل. ويتابع البرلمان الأوروبي قضايا فكرية وفلسفية وقانونية خطيرة للغاية في هذا الصدد.

يريد رجل اليوم، سواء أكان في جاكرتا أو أثينا أو القاهرة أو ريو دي جانيرو، العيش بشكل جيد والاستمتاع بالحياة على أكمل وجه. وبالإضافة إلى ذلك، لا يبدي الإنسان اليوم التزاماً دائماً بإخلاصه للتيارات الاجتماعية والأهداف الكبرى وفي الذروة منها القومية والديمقراطية، لأنه توصل في ذهنه وقلبه إلى استنتاج مفاده أن من هم في المنصب يتابعون نفس الأفق، ويخفون شخصيتهم الحقيقية بترديد الكلمات المعسولة والألفاظ اللطيفة. وهنا يطرح سؤال صعب، هل من الممكن أن يكون لديك مبدأ وأن تكون وزيراً في آن واحد؟ وهل من الممكن أن يكون لديك مبدأ وفي الوقت نفسه تمتلك ثروة كبيرة؟ ربما انتهى عصر المبدأ الآن، وازدهرت التكنولوجيا وصناعة المكر والتزوير.

على الرغم من أن الديمقراطية هي متاع ذا قيمة ، ولكن الإنسان في الدول النامية اليوم لديه أولويات أخرى. فالديمقراطية تواجه بشكل متزايد عالماً مليء بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تشبه إلى حد بعيد سلعة فاخرة. وإن التحدي المركزي للحكام في العقد المقبل هو تحقيق توازن معقول بين ثلاثة عناصر: فرص النمو الاقتصادي، والاستخدام الرشيد للتكنولوجيا، وحماية الهوية الوطنية. وفي الوقت نفسه، توضح دراسة مقارنة لتاريخ الديمقراطية في الغرب واليابان وكوريا الجنوبية وتشيلي حقيقة أنه بدون طبقة وسطى كبيرة، ووسائل إعلام حرة، ونمو اقتصادي بنسبة 3٪ على الأقل، فلن يدوم إرساء قواعد التقاليد الديمقراطية. ولا ينبغي الخلط بين انفتاح الفضاء العام للمجتمع وبين الديمقراطية. فالنظام الديمقراطي يدار بقواعد وبتعدد المؤسسات: فلا يمكن النظر إلى الأفراد، إذ أن مبدأ إتخاذ القرارات هو الإجماع والقرار الاجتماعي. وإن تحقيق هذه الأهداف الفكرية الهائلة يستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب أقصى درجات الإنسجام بين النخب السياسية والفكرية في المجتمع.

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter