|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  6  / 3 / 2020                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الشيوعيون العراقيون في الإتحاد السوفييتي
فصل من كتاب "شيوعيو الشرق الأوسط في الاتحاد السوفييتي"

بقلم الباحث الروسي :  د. جريجوري كوساتش
ترجمة : عادل حبه
مراجعة : عبد الله حبه
(موقع الناس)

غلاف الكتاب باللغة الروسية

مقدمة المترجم
"الشيوعيون العراقيون في موسكو"، هو فصل من كتاب باللغة الروسية تحت عنوان "شيوعيو الشرق الأوسط في اتحاد الجمهوريات الااشتراكية السوفييتية" من تأليف الباحث الروسي د. جريجوري كوساتش، ونشرته "الجامعة الإنسانية التابعة للدولة الروسية" في عام 2009. ويضم الكتاب معلومات ووثائق قيمة تنشر لأول مرة حول الأحزاب الشيوعية في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والعراق في عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وهما عقدي تأسيس هذه الأحزاب العربية. وقد آثرت ترجمة القسم الخاص بالعراق لأن المكتبة العراقية الشيوعية تفتقر إلى المعلومات الموثقة حول فترة تأسيس الحركة الشيوعية في العراق، وهذا ما دفعني إلى ترجمة هذا القسم من الكتاب الغني بالمعلومات الوثائقية المحفوظة بأرشيفات الدولة الروسية حالياً، والتي كشف عنها الستار بعد زوال عهد الدولة السوفييتية.

ولد الكاتب الروسي الدكتور البروفسور جريجوري كوساج في عام 1944 ، وهو مؤرخ سوفييتي وروسي في الشؤون العربية ومختص في الشؤون السياسية العربية المعاصرة، ويتقن اللغة العربية.


جريجوري كوساج

ويشغل منصب بروفسور قسم التاريخ العربي المعاصر، وحصل على شهادة الدكتوراه في عام 1990، وأخصائي في معهد الشرق الأوسط ونائب رئيس تحرير مجلة "أوراسيا"، وهو مؤلف أكثر من 163 من الكتب والمقالات في غالبيتها حول الشؤون السياسية في البلدان العربية. لقد قام شقيقي العزيز عبد الله حبه مشكوراً بمراجعة النص.
 

الشيوعيون العراقيون في موسكو، هل وجد حزب أصلا؟


مقر الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق – موسكو، ميدان ستراستنايا

في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات ظهر لأول مرة في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق طلبة من العراق. وكان عددهم قليلا ولم يتجاوز أربعة طلاب. ولم يصل هؤلاء الطلاب إلى العاصمة السوفييتية في وقت واحد، بل بطرق مختلفة وبمبادرة من المجاميع الشيوعية الفاعلة في الشرقين الأدنى والأوسط، والحديث يدور هنا بالدرجة الرئيسية عن ايران. إن مثل هذه المبادرات لم تأت نتيجة لنشاط هذه المجاميع بقدر ما تعكس اهتمام الكومنترن بالعراق الذي يستند على قدر من الأسس، رغم أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهل مبادرات هذه المجاميع. فالعراق كان يعاني من عدم الاستقرار الداخلي أولاً، وثانياً أن حصول العراق على الصفة القانونية كدولة مستقلة سياسياً عام 1932، لم يُغيّر من الواقع الحقيقي، وهو الدور المهيمن لانتداب بريطانيا العظمى على البلاد. إن معارضة شعب البلاد للدولة المنتدِبة قد طرح في البداية على سكرتارية الأممية الشيوعية تحت اسم "ميسوپوتيميا".

كان أول طالب عراقي في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق هو عبدالحميد الخطيب (1) (بالإسم المستعار خالد) (2) الذي وصل إلى موسكو في آب عام 1929.


لفيف من طلبة الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق من مختلف الجنسيات في نهاية العشرينيات

أما الطالب الثاني فهو عاصم فليح الذي ورد اسمه في وثائق الجامعة. وصل عاصم فليح (3)،(بالإسم المستعار صائموف) إلى عاصمة الاتحاد السوفييتي في عام 1931 واستقر فيها، ودرس في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في الفترة بين عامي 1934 – 1935. وقد اعتبر عاصم فليح ممثل الشيوعيين العراقيين في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية مع قاسم حسن أحمد الشيخ (4) (تحت اسماء مستعارة هي مريد، ناظم تمين، زقور نعيم) (5)، بالإضافة إلى يوسف سلمان (6) (الإسم المستعار هو فردريك، برنارد فريدريك). لقد مكث قاسم حسن أحمد الشيخ في موسكو لمدة سنة واحدة، وغادرها في عام 1936 بعد أن انهى الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق وعاد إلى الوطن. ومكث يوسف سلمان في موسكو حتى عام 1937، و أصبح لا حقاً قائداً للحزب الشيوعي العراقي.

           
1901-1949                                                  1910-1970
يوسف سلمان يوسف (فهد)                                 قاسم حسن أحمد الشيخ

ومن اللافت للنظر هو قلة عدد العراقيين في موسكو، أخذا بنظر الاعتبار اهتمام الكومنترن بتشكيل منظمة شيوعية في العراق قادرة على قيادة النشاط في البلاد. وهنا يطرح السؤال التالي. هل أن تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي بدأ بالفعل في عام 1934؟؟ فإذا كان هذا التاريخ صحيحاً، فبأية صفة كان عبد الحميد الخطيب وعاصم فليح يتلقيان الدراسة قبلئذ في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق؟ هل بصفتهم كشيوعيين أم كمرشحين لتبني العقيدة البلشفية؟ (7)، ولماذا وجد بعد عام 1934 طالبان عراقيان فقط في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في الوقت الذي كانت المنظمة الشيوعية العراقية بحاجة الى أن يتلقى الدراسة فيها عدد اكثر من الحزبيين العراقيين؟

1

الطلبة العراقيون في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق: هل يعتبرون أفراد شيوعيين
إن المقبولين في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق من أي بلد كانوا يعتبرون من انصار الشيوعية نظرياً وعملياً، ويعملون بنشاط في صفوف الفرع المحلي للاممية الشيوعية، وإن الذي يرسل إلى العاصمة السوفييتية بناء على طلب الحزب الشيوعي المعني لابد وأن يتلقى في المستقبل المعرفة الضرورية النظرية والتطبيقية، ويصبح هؤلاء الطلبة أعضاء في اللجنة المركزية أو في الهيئات القيادية المحلية (أعضاء في اللجنة المركزية أو في لجان المناطق أو لجان المدن أو اللجان المهنية) (8).

كان العراق حالة استثنائية من هذه القاعدة. فظهور طلبة من هذه البلاد في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق كان متأخراً ولم يكن قد خُطط له مسبقاً. إن قيادة الجامعة استطاعت أن تقبل في جامعتها القادمين من "الريف" (9) عند اتخاذ قراراتها فيما يتعلق بقبول الطلبة من البلدان العربية، وبذلك فإنها تميز من الناحية الاجتماعية ممثلي الأحزاب (على سبيل المثال إنها أبعدت الفلاحين عن الإنتماء في صفوف الشيوعيين المصريين)؟ وفي معايير القبول، في حين لم توضع أية ملاحظة تخص العراقيين (10). بالرغم من أن الشيوعيين العراقيين كانوا يصرون على إرسال طلبتهم إلى الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق . (11)

يحتوي ارشيف الدولة الخاص بالتاريخ الاجتماعي والسياسي الروسي، وتحديداً في القسم المتعلق بالعلاقة بين الكومنترن والشيوعيين العراقيين، على بعض وجهات نظر لا يمكن مقارنتها بحجم المعلومات المتعلقة بالاحزاب الشيوعية العاملة في البلدان العربية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. ففي العديد من هذه السجلات المتعلقة بالعراق، لا توجد من الناحية العملية أية قرارات صادرة من الكومنترن أو سكرتارية الشرق سوى القليل من الرسائل أو التقارير المرسلة من العراق. ولا توجد هذه الوثائق في ملفات مستقلة خاصة بالعراق، بل هي موجودة في ملفات عضو سكرتارية الكومنترن الشيوعي الفرنسي أ. مارتي (تسع وثائق). وإن تم الإعلان رسمياً عن تاريخ تأسيس الحزب، فهل اعترفت الأممية الشيوعية به مباشرة بعد تأسيسه؟ وهل أن الحركة الشيوعية العراقية في الثلاثينيات قد مرت بأحسن فترة من تاريخها؟

من المناسب العودة إلى موضوع الطلبة االعراقيين في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق، حيث تطرح العديد من الأسئلة في تعابير أخرى: ما هي مهنهم وما هو العامل المشترك بينهم؟ أو السؤال عن ما هو العامل الذي أدى إلى تأسيس الحزب في حالة إنتماء مثل هؤلاء الأعضاء إليه؟

إن أعمار هؤلاء الطلاب تدل على أنهم ينتمون إلى جيل واحد. وحسب تأكيدات عبدالحميد الخطيب، فإنه قدم إلى موسكو بعد أن جرى تعيينه معلماً للفيزياء في إحدى المدارس العراقية (12). وقبلئذ كان عبدالحميد قد أنهى مدرسة الصنائع العراقية وأرسل إلى البصرة حيث قام بالتدريس في أحدى المدارس المحلية لمدة عام واحد (13). ويمكن القول إن عمره لم يتجاوز العشرين عاما. وفي أغلب الظن إنه ولد في الفترة بين عام 1909 وعام 1910. وولد يوسف سلمان في عام 1901 وعاصم فليح في عام 1903 وقاسم حسن في عام 1910. وقد وحدتهم بغداد كمسقط رأسهم. وكان عبدالحميد الخطيب من عائلة ميسورة الحال.

أما عاصم فليح فقد ولد يتيماً من أب معلم، واشتغل في الهند ولم يكمل حتى تعليمه الإبتدائي، حيث لم يجلس على مقعد الدراسة سوى لمدة سنتين ونصف. وترك الدراسة لمساعدة عائلته وأصبح خياطاً واختار مهنة والدته. وسار على هدى الطريق الذي سار عليه يوسف سلمان في طفولته، حيث شارك مسار رفاق دربه في العقيدة. ولد البطل الرسمي اللاحق للحزب الشيوعي العراقي (فهد) في عائلة مارست مهنة الخبازة، إلاّ أنه يختلف عن الشيعي عاصم فليح. فيوسف سلمان ينتمي إلى المكون المسيحي الكلداني (14) .ودرس في الفترة التي سبقت عام 1912 في مدرسة مسيحية في بغداد، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى، واجبره أبوه على التوجه إلى البصرة للدراسة في المدرسة التبشيرية الأمريكية في البصرة.

وأخيراً، نعرج على المنحدِر من الطائفة السُنّية قاسم حسن أحمد الشيخ. فالشيخ كان ابن جنرال في الجيش العثماتي، ودرس في مدرسة الحقوق التي كان من الممكن أن تفتح أمامه أبواب الرزق ويصبح محامياً في بغداد. إلاّ أنه لم يكمل دراسته في تلك المدرسة (15).

عاد قاسم حسن أحمد الشيخ إلى موسكو في عام 1941 بسبب اندلاع الحرب العراقية البريطانية في آيار من نفس العام حيث أعلن عن مشاركته فيها (16). وأمل في أن يحصل على اللجوء السياسي، ومن جديد دوّن سيرة حياته. وجاء في مدونة السيرة ما يلي:" إنني ابن ضابط في الجيش التركي، وكان أبي الموظف الوحيد في العائلة التي اشتغل أفرادها كعمال. وكان والدي يشغل رتبة لواء في الجبهة الشمالية من العراق في فترة الحرب الأمبريالية الأولى عندما أحتل الجيش البريطاني العراق. وقد وافته المنية في كردستان العراق، وقد دس له السم من قبل عميل بريطاني". ويستطرد قاسم حسن في تدوين سيرته قائلاً:"وبعد وفاته لم يبق للعائلة أي مصدر للرزق. وانتقلنا إلى بغداد حيث مكثنا فيها ثلاث سنوات في بيت واحد مع أقرباء لنا لحين حصول أخي الأكبر على راتب يسد قوت العائلة. في أعوام 1924-1928، انهيت الدراسة المتوسطة واضطررت إلى العمل كعامل. وقتها كنت أعمل في النهار واستمر في الدراسة المسائية. وبدأت بدراسة التاريخ والعلوم الاجتماعية. وكان تاريخ ثورة اكتوبر الاشتراكية أحد المواضيع التي اوليت له جل اهتمامي في الوقت الذي تصاعدت خلالها موجة الحركة الوطنية الثورية ضد الأمبريالية البريطانية" (17).

ومما يثير الإهتمام إن الخيار الشيوعي (أو بالأحرى التطلع الى بلوغ الوضع المأمول كلاجئ) قد ارغم هذا الشخص على تعديل سيرته الذاتية. أنه لأمر سئ كون المسؤولين في الكومنترن ليسوا على معرفة جيدة بالبلاد التي تنشط فيها منظمات لها علاقة بهم. وكيف إستغل عدم المعرفة هذه وجمود تفكير رجال اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية الأفكار والممارسات الشيوعية بعد دخول الإتحاد السوفيتي الحرب العالمية الثانية (يكفي ان نشير بهذا الصدد الى التفسير المعادي للإنكليز الذي طرحه قاسم حسن أحمد الشيخ .. في حادثة وفاة والده).

لم يتقن عاصم فليح سوى اللغة العربية، أما يوسف سلمان يوسف، الذي عمل، بعد انهاء الدراسة في المدرسة التبشيرية عام في البصرة عام 1916، مترجماً في الجيش البريطاني، فقد كان يجيد اللغتين العربية والانجليزية. أما فيما يتعلق بقاسم حسن أحمد الشيخ فإنه كان يتحدث بطلاقه باللغات العربية والتركية والكردية والانجليزية (18).وقدم تقريره باللغة الانجليزية، وتدل تواقيعه على إتقانه لغة المتروبول.

وعلى الرغم من التباين في منحدراتهم الاجتماعية ومستوى تعليمهم، إلاّ أن ذلك لا يعني أن الطريق والمصير الذي اختطوه كان متعارضاً. على العكس، فقد واجهت الجميع ظروف مؤثرة من شأنها أن وحدت ابن الجنرال السابق الذي ينحدر من مجموعة أثنية ودينية غير مرموقة وممثل طبقة متوسطة انحدر بسبب عوامل عائلية نقلته من واقع الصدف إلى مرتبة اجتماعية متدنية.

لم تؤسس الدولة العراقية بفعل عوامل داخلية نابعة من رحم المجتمع، بل نتيجة لتدخل طرف خارجي فرض سياسته في المنطقة بقوة السلاح. هذا الطرف هو بريطانيا، الدولة العظمى في تلك الفترة. فبفضل الجهود التي بذلتها في عام 1920، تم تأسيس المملكة العراقية على جزء من أراضي الامبراطورية العثمانية (في البداية على شكل انتداب)، واستلم التاج قائد "الثورة العربية الكبرى" الأمير فيصل الذي أطيح به جرّاء ضربات الجيش الفرنسي ضد "الدولة العربية" في دمشق.

في فترة تأسيس الدولة العراقية (في الواقع لقد تأسست لاحقاً لأسباب عديدة)‘ فإن التركيبة المحلية كانت تبدو في الواقع بعيدة كل البعد عن كونها مجتمعا وطنيا (19). وهذا يعني أن العراق يمكن أن يصنف كمجال أرضي يحتاج إلى أن يصبح حقيقة سياسية ترتبط بمُثُل موحدة للمجتمع الوطني. وكان الطريق إلى ذلك شائكاً. وخلال كل الفترة بين الحربين العالميتين عصفت بالبلاد موجة من العصيانات والانتفاضات، إضافة إلى تناقضات بين "الفئات الحاكمة" المدعومة من الخارج، هذه التناقضات التي لم تهدأ بعد إعلان الدولة المستقلة سياسياً. فالمصالح المتعارضة لهذه المجاميع النخبوية الداخلية التي تتمتع بعلاقات معقدة مع "الفئة الحاكمة" في البلاد، أثارت في المجتمع مواجهات عرقية طائفية تميل إلى الإنفصال ولا نهاية لها، ودموية أحياناً.

لقد أدى إعلان الدولة العراقية إلى تغيير في أولويات االعراقي ومصيره. وتشكل وضع انطوى على حراك اجتماعي لم يسبق له مثيل، وتدمير المؤسسات الاجتماعية القديمة التي بدت غير قابلة للتغيير. فهل كان من الممكن لإبن جنرال الجيش العثماني، الذي تعرض للهزيمة بين القوى المتصارعة، أي دول المتروبول، أن يحتفظ بمكانته الاجتماعية السابقة؟ ألا كان من الأفضل أن يستمر، على سبيل المثال قاسم حسن أحمد الشيخلي، بنمط الحياة التي عاشها، قبل الحرب العالمية الأولى، والإنخراط في مهنة والده العسكرية في الجيش العثماني. وهل أنه اختار حقل دراسة الحقوق لأن الخيار الأول بدا وكأنه ضرب من الخيال؟ بالطبع أن الدراسة في مدرسة الحقوق تتطلب موارد مالية، وشكل ذلك العامل الذي أدى إلى عدم قدرة قاسم حسن أحمد الشيخ على الاستمرار بالدراسة. ومن المحتمل أنه لم يكن بمستطاعه توفير المبالغ الكافية كي يصبح محامياً.

إن تطور الأحداث اللاحقة في العشرينيات والثلاثينيات أصبحت متوقعة. وعمل الشيخ "كاتباً في وزارة المعارف" (عندما احتاجت الدولة العراقية إلى المعلمين من أجل تأسيس المعاهد التعليمية). ثم تعرض الشيخ إلى الفصل من الوزارة لاحقاً جراء "نشاطه الشيوعي" (20)."، كما جاء في وثائق الكومنترن، علما إن صفحة الأعمال الخاصة بقاسم حسن أعدت من أجل حاجة الأمن الداخلي في الكومنترن ، وليس من المجدي فهم أقوال كاتبها حرفياً ، ولم يوضح مكان انتقاله إلى وظيفة محاسب هذه المرة. الحديث يدور عن تدهور لاحق للحالة المعيشية وإنحطاط الوضع الاجتماعي، وكذلك عدم وجود وارد مستقر له. أضطر قاسم حسن أحمد الشيخ جراء فقدان عمله في بغداد إلى الانتقال إلى بعقوبة حيث تولى مهمة تأسيس خلية شيوعية فيها (21) ، ثم عاد لاحقاً إلى العاصمة وخاض النشاط السياسي العلني.

في عامي 1934 و 1935 عمل الشيخ في جريدة "الأهالي" (22) . وقد أشار إلى تلك الفترة من حياته في مدونته الجديدة التي كتبها في تشرين الثاني من عام 1941 في موسكو:"لقد عدت إلى بغداد حيث كان ينشط تنظيمنا الشيوعي كتفاً لكتف مع العناصر الثورية الأخرى التي أصدرت جريدة "الأهالي". وقد شاركنا بفعالية في هذه الجريدة ونشرنا على صفحاتها مقالات دافعنا فيها عن مطالب الطبقة العاملة. وأصبحت على رأس تحرير هذه الجريدة، وشرعت في الوقت نفسه بالدراسة في كلية الحقوق التي تولت إعداد المحامين". ومن جديد صحح قاسم حسن أحمد الشيخ سيرته الذاتية، ويبدو أن سيطرة الكومنترن الشاملة على أقسامه كانت في الواقع ضرباً من الخيال.

ولم يكن مصير عاصم فليح استثنائياً. فقد احتفظ بمهنته كخياط. ومن يطلع على سيرته الذاتية يجد مشاعر من الاحباط العميق عند هذا الإنسان (23). لقد دخل المدرسة قبل رحيل والده. وكان من الممكن أن يستمر في دراسته والحصول على مهنة محترمة كمعلم مدرسة، لولا المصاعب المالية التي أضطرت والده إلى الهجرة، مما أجبر عاصم فليح على ترك مقاعد الدراسة. ويشير في سيرته الذاتية الى أنه كان يأمل في تلقي تعليمه ذاتياً . ولكن هل كان سيؤدي ذلك إلى رفع مكانته الاجتماعية؟ ومن المحتمل أن العديد من الشباب من أقرانه، من الذين يقعون تحت تأثير تقاليد الثقافة الدينية، طمحوا إلى الإرتفاع بمعارفهم بشكل مستقل. ولكن هل تمكنوا من رفع مستواهم المعرفي؟ إن الظروف التي أحاطت بالشباب نتيجة للأوضاع في العراق، ومنهم عاصم فليح، قد وضعت أمامهم إمكانية أخرى، وهي السياسة، التي كانت من الممكن أن تحدد النوعية الشخصية للمنخرطين فيها. والحديث لا يدور حول تقييم تلك الثقافة السياسية التي تقبلها عاصم فليح.

في أعوام 1920– 1923، أصبح عاصم فليح مشاركاً فعالاً في "الخلايا الوطنية"، ولاحقاً عضواً في نادي "التضامن". وفي شباط عام 1928، تعرض شيوعي المستقبل إلى القمع بسبب اعتقاله جراء مشاركته في مظاهرة أحتجاجاً على زيارة الفريد موند الداعية الصهيوني البريطاني إلى بغداد بدعوة من صديقه الملك فيصل للترويج لإقامة دولة يهودية في فلسطين. ولم يمكث فليح في المعتقل لفترة طويلة، فبعد إطلاق سراحه لم يقطع علاقته مع الوطنيين. وشارك في عام 1930 في لجنة وطنية بغدادية وضعت على رأس مهماتها تشكيل حزب وطني.

أما يوسف سلمان فقد إختار طريقاً آخر؟ فبعد الإنتهاء من دراسته في المدرسة التبشيرية الأمريكية في البصرة خلال الأعوام الممتدة بين 1916 إلى 1919، عمل يوسف سلمان كمترجم في الوحدات العسكرية للمتروبول التي استقرت في العراق بعد الحرب العالمية الأولى (24). وليس هناك اية جدوى في المبالغة أو التقليل من شأن هذه الحالة. انتقلت عائلة يوسف سلمان إلى البصرة لتفادي الملاحقة والتصفيات الجسدية للمسيحيين. إن دراسته في المدرسة المسيحية التي كانت خاضعة للتشريعات في البلاد، والتي تعود إلى دولة أجنبية وقفت موقف الحياد في الحرب العالمية الأولى في بدايتها (الولايات المتحدة - ع.ح.)، ضمنت للطالب الأمان.

واعتبر دخول القوات البريطانية في نهاية عام 1916 في جنوب عراق المستقبل من قبل المراهق كنهاية للتهديدات بالتصفية الجسدية وضمان أمنه (هذه التهديدات التي ورثها أب عن جد). لقد وفر العمل لدى القوات المسلحة البريطانية في ظل تفكك وإنهيار مؤسسات الدولة العثمانية، الفرصة للتمتع بقدر نسبي من الأمان لكل عائلة يوسف سلمان. وليس من قبيل الصدفة أن يتوجه في أعوام 1920-1924 للعمل "ككاسب صغير" مستغلاً الظروف التي استجدت.

هل كان ذلك بداية لنجاحه؟ ولكن وبسرعة تبين عكس ذلك، لأن يوسف سلمان سرعان ما انخرط في العمل في اجهزة الدولة، واشتغل في البداية كعامل في محطة كهرباء البصرة، ثم في ورشة صناعة الثلج في الناصرية. وانخرط في البصرة في انصار الحركة الوطنية للشباب. فحسب مدونته المحفوظة في ملفات "ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي" حول سيرته الذاتية، يشار إلى أنه قد نظم "النادي الشبابي المعادي للأمبريالية"، حيث أسس وقاد الفرع المحلي للحزب الوطني العراقي في الناصرية (1930-1934). واحتفظ بوجهات نظره العرقية والدينية (25). وكانت الحركة الوطنية العراقية بحاجة إلى محيط أوسع من الأنصار، وطرحت شعار "الوحدة الوطنية الشاملة" ودعت إلى تضامن جميع مواطني البلاد بغض النظر عن منحدراتهم الدينية والعرقية، ومن ضمنها الطائفتين الشيعية والسنية والكرد والتركمان والأرمن والآشوريين والكلدان واليهود (26).

مر يوسف سلمان في أعوام 1929 -1930 بفترة متميزة حيث زار الدول المجاورة، وصفت بإنها كانت مهمة حزبية. فقد زار كردستان، ولا يعرف هل يدور الحديث هنا عن كردستان العراق، كما زار ايران والكويت وسوريا وفلسطين وشرق الأردن. وهذه المعطيات لا تتعلق بأرشيف الكومنترن، حيث أنه تعرف يوسف سلمان في هذه الزيارات على شيوعيين عرب فلسطينيين، كما تعرف في إيران على ممثلي الدولة السوفييتية.

ولا توجد أية معلوات في أرشيف تاريخ روسيا الاجتماعي والسياسي عن عبدالحميد الخطيب، فالحديث يدور فقط في هذا الأرشيف عن تمثيله في اجتماع اللجنة التنفيذية للكومنترن في آب عام 1929 حيث قدم تقريراً عن جهوده لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي (ذي طابع سلبي) (27)، حيث تبلورت حوله وجهة نظر سلبية للغاية من قبل رفاقه ، مما يؤكد أنه بقي شيوعياً في النهاية حتى حدود عام 1935 كما تؤكد ذلك التقارير المتعلقة بالشيوعية في العراق. وفي التقرير الذي قدمه عبد الحميد الخطيب إلى اللجنة التنفيذية للكومنترن، أشار إلى موضوعة "وحدة البلدان العربية" التي يمكن لها ان تعود بالفائدة لدى تحقيقها على "الكادحين المحرومين"، حسب اعتقاده. وفي الواقع، ومن أجل أن تتحقق فكرة الوحدة العربية بأدواتها الذاتية، بقوة العمال والفلاحين، ينبغي تشكيل منظمة العمل الشيوعي" (28).

إن كلا من يوسف سلمان وعبدالحميد الخطيب انضما إلى حلقة للوطنيين الشباب في أثناء مكوثهما في البصرة. ويشير الخطيب في فقرات من تقريره:"يوجد في البصرة نادي الشباب العراقي، وقد استخدمنا هذا النادي وأجرينا انتخابات وانتقلت إلينا قيادة النادي" (29). بالطبع، إن تصويره لهذا النادي لا يعني أنه أسس النواة الأصلية للحزب الشيوعي الذي قام بإنشائه. إن عبد الحميد الخطيب ضلل الكومنترن عن وعي. ومع ذلك ، فإن مجرد وجود هذا النادي، الذي يشار إليه عادة في مذكرات المساهمين من شباب البصرة، هو على الأرجح حقيقة واقعة (30). هذه المذكرات تؤكد مساهمة عبدالحميد الخطيب فيه، بالرغم من عدم مواصلة نشاطه. ومن بين هذه المذكرات يشار إلى أنه قد قدم محاضرة بعنوان "عاصفة جبارة أطاحت بالطغاة، نشيد للرب المقدس ولحق البشر في الحرية". وفي هذه المحاضرة طرح موضوعة عن "إن الطريق إلى احياء الوطن يمر عبر الإطاحة بالعروش وتهديم القصور". إن مثل هذا الإنبعاث يعود إلى ثورة اكتوبر عام 1917 في روسيا التي تحققت بفعل "اشخاص متنورين". وكل ما يتطلب من أفضل هؤلاء الرجال أن يتابعوا الطريق على هدى أخوانهم الروس المحبين للحرية".

لقد توحد جميع الطلبة العراقيين الذين التحقوا بالجامعة الشيوعية لكادحي الشرق على طريق التحرك صوب الشيوعية. إنهم على الرغم من خصوصياتهم في كل الحالات الأربع، بقوا متماسكين بمقدار ما كانوا يتجهون صوب طريق يخدم الأفكار الوطنية العربية، والذين عرفوا أنفسهم، أي عبدالحميد الخطيب وعاصم فليح ويوسف سلمان وقاسم حين أحمد الشيخ على أنهم عرب (31).
 


المصادر
(1) كان من أهالي بغداد، وعمل معلماً لمادة الكيمياء في أحدى مدارس العاصمةЛ وبمبادرة منه وصل إلى موسكو في عام 1929. وفي بداية عام 1930 عاد إلى العراق. ولم يعرف السبب في عودته، وحسب رواية بعض رواد الحركة الشيوعية العراقية، إن السبب يعود ربما إلى صلات عبد الحميد الخطيب مع التروتسكيين أو بسبب الوضع المتوتر في القسم العربي من الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق بالارتباد بالنقاشات التي كانت دائرة حول إعلان الكومنترن نهجه تجاه المنظمات الشيوعية في العالم العربيمن ناحية، ومن ناحية أخرى تجاه اليهود أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني، وهو غالباً ما أدى إلى مشاحنات علنية. وكان عبد الحميد الخطيب مشارك فعال في إحداها. قبيل عودته إلى العراق، كم يورد أحد الرواد، زار السفارة البريطانية في موسكو وأصبح "عميلاً" للشرطة العراقية والمخابرات البريطانية. راجع كتاب "الجذور الفكرية الاشتراكية والتقدمية في العراق خلال أعوام 1920-1934" لمؤلفه أ.خ.فياض الصادر في بيروت عام 1980-ص284-288.
وفي تقرير عن نشاطه في العراق قدمه إلى اللجنة التنفيذية للكومنترن بعد وصوله إلى موسكو، أوضح عبد الحميد الخطيب أن يتلقى التعليم في قسم الفيزياء في كلية بغداد في "الأعظمية". ويشير التقرير المكتوب بخطه، أن المحاولة الثانية للوصول إلى موسكو كانت موفقة. وكانت المحاولة عبر إيران – الأهواز في عام 1929، حيث قدمت له المساعدة المالية من قبل القنصل السوفييتي. وبعد وصوله إلى طهران تم اعتقاله وقضى شهرين في السجن، ثم نقل إلى العراق.(الحزب الشيوعي العراقي- ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي، أف 495.14.د.376.أل.54).
(2) مدونات الاسماء أثناء المكوث في موسكو.
(3) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(4) نفس المصدر
(5) الترجمة الروسية للاسم العربي"زهير".
(6) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(7) هذه المعلومات لا تتنفرد بها روايات الشيوعيين العراقيين، بل وأيضاً روايات الباحثين الروس والسوفيات والأوربيين، مثل مؤلف ج.ج.كوساج "الشيوعيون وقضايا الثورة البرجوازية الديمقراطية في العراق طوال عقد الثلاثينيات والأربعينيات" و "الحركة الوطنية والاجتماعية في الشرق الصادر عام 1986، والمؤلف الفرنسي Luizard P J- Il y avait un pays, arabes. Le Machrek. Revue des mondes musulmans et de la Mediterrane.
(8) حول تطوير الوحدات الهيكلية للكومنترن بالارتباط مع صياغة سياسة الشرق أوسطية، لاحظ كتاب المؤلف يوري بالاشوف " سياسة الأممية الشيوعية في الشرق الأدنى في أعوام 1920-1939 الصادر في مدينة نيجني نوفوغورد الروسية عام 2002.
(9) الريف هم سكان شمال المغرب والذين أعلنت قبائلهم الثورة تحت قيادة الأمير عبد الكريم الخطابي تأسيس جمهورية الريف بعد إلحاق الهزيمة بالقوات المسلحة الفرنسية.
(10) توزيع الحصص في القطاع الخاص للجامعة الشيوعية لكادحي الشرق لفترة العام الدراسي 1929/1930 ، الذي صادقت عليه السكرتارية الشرقية للكومنترن في 7 شباط 1929 (ارشيف الدولة الروسي للتاريخ السياسي والإجتماعي، الملف 522 ، الإضبارة 1 ، الوثيقة 71 ، ص 1)، ويشار في نص توزيع الحصص للعام الدراسي 1930/1931 الى إنه سيقبل في الجامعة أبناء جميع البلدان العربية ( مشروع توزيع الحصص للقطاع الخاص للعام الدراسي 1930/1931// المصدر السابق ص 23).
(11) إن عدد الطلبة العراقيين المتقدمين للدراسة سنوياً في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق في موسكوكما قدرها قاسم حسن أحمد الشيخ في عامي 1935-1936 عشرة طلاب.(ناظم – نحن نريد)
(12) نفس المصدر
(13) أ.ح.فياض ص284
(14) أكبر المكونات المسيحية في العراق التي تعود إلى قبل الوجود العربي في العلااق. انظر إلى كتاب "الدين في بلدان غرب آسيا بقلم ج.أ.شباژنيكوف الصادر في عام 1976.
(15) في المعلومات حول المندوب إلى المؤتمر السابع للكومنترن بصفة مراقب قاسم حسن أحكد الشيخ. إضافة إلى المعلومات حول مندوبي الجزائر ومصر والعراق وايران وفلسطين وسوريا وتونس وتركيا والفليبين وجنوب افريقيا إلى المؤتمر. أرشين تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(16) السيرة الذاتية لزهير نعيم (قاسم حسن) المترجمة من اللغة الانجليزية في 31 كاون الثاني عام 1941.
(17) نفس المصدر
(18) في وثائق الكومنترن توجد معلومات متباينة في صحيفة أعمال قاسم حسن أحم الشيخ المشارك في المؤتمر السابع للكومنترنحول اللغات التي يتقنها"العربية والانجليزية وقدر من الفارسية".
(19) في وصفه للأوضاع في العراق في تلك المرحلة يشير الباحث العراقي:" يقال أنه وجد في تلك الأيامجمعية وطنية متينةنيمكن تصنيفها "كعراقية". الموصل كانت إلى جانب تركيا وبغداد إلى جانب ايران والبصرة في أقصى الجنوب إلى جانب الخليج والهند. وكان يطلق على القاطنين أما بغداديون أو بصريون أو موصليون، والحديث يدور حول حاملي "المواطنة العثمانية" وعن " المنحدرين من المكون الشيعي" وعن "أبناء القبائل" أو عن "الشيعة الحضريين". إن الانحدار الديني لا يساعد على شد أواصر المجتمع. وساد في البلاد عداء تقليدي بين سكان المناطق الحضريين وبين سكان الريف والبدو الرحل والمناطق الذين يشكلون شبكة الحياة اليومية. "فلو نظر البدو الرحل إلى الإدارة والحضر كمستغلين وجامعي الضرائب، فإن الإدارة وسكان المدن من جانبهم يخشون البدو الرحل، ويعتبرونهم فوضويين ولا يحترمون القانون العسكري". "العراق- نشأت الدولة في أعوام 1908-1921، لمؤلفه ج. العطية الصادر في عام 1988.
(20) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي
(31) نفس المصدر
(22) نفس المصدر
(23) نفس المصدر
(24) نفس المصدر
(25) نفس المصدر
(26) "الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية من أجل استقلال العراق" لمؤلفه ب.د.و. نظمي الصادر في بيروت عام 1986
(27) كما اورد قاسم حسن أحمد الشيخ فإن "أخطر عميل في الحزب هو عبد الحميد الخطيب الذي جاء في السابق إلى موسكو وقُبل في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق ثم فصل منها. وقد عاش في الاتحاد السوفييتي باسم مستعار هو "خالد". تقارير قاسم حسن أحمد الشيخ عن العراق في عام 1941، ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
(28) نفس المصدر
(29) الترجمة الروسية لتقرير تحت عنوان" الحزب الشيوعي العراقي".
(30) انظر إلى كتاب أ.ح.فياض
(31) ارشيف تاريخ روسيا السياسي والاجتماعي.
 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter