|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  22  / 4 / 2021                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التغيير في اللون الاجتماعي - النموذج المصري

فريدون مجلسي *
ترجمة : عادل حبه
(موقع الناس)

المصدر: صحيفة شرق



فريدون مجلسي

يعد صموئيل هنتنغتون، مؤلف كتاب The Famous Clash of Civilizations، باحثًا أكاديمياً قضى معظم حياته الإدارية كمستشار أمني للإدارات الجمهورية في الولايات المتحدة، ويؤمن بوجهة نظر يمينية تماماً. لهذا السبب، يُنظر إلى كتابه على أنه رد أمني وإداري من قبل مستشار أمني يميني بدلاً من كونه تحليل أكاديمي. ‌

يقسم هنتنغتون العالم إلى مناطق حضارية قائمة على الأديان، ويضع أوروبا والولايات المتحدة وحلفائهما في عالم الحضارة المسيحية، والصين في عالم الكونفوشيوسية، والهند في عالم الهندوسية، والعرب والعالم الإسلامي في دائرة الحضارة الإسلامية. ووفقًا لتعريفه، فإن مناطق الحضارة هذه تخوض صراع دائم مع بعضها البعض ويجب مراقبتها باستمرار.

وضع هنتنغتون أيديولوجيته اليمينية تحت عنوان أسماها "النظرية" من منظور أمني دفاعي، في وقت جرت خلال حياته العديد من الأعمال الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإسلامية، ورحبت بها أحزاب وجماعات يمينية وفاشية التي إعتبرت نفسها في مقام أرقى، ونظرت نظرة دونية إلى الحضارات القائمة على الأديان الأخرى.

يناقش أمارتيا سين (اقتصادي هندي)، أستاذ الاقتصاد المتميز في جامعتي كامبريدج وهارفارد، والحائز على جائزة نوبل عن نظريته في الاقتصاد البشري، في كتابه "الهوية والعنف" هذه النظرية، ويعتبر أن العنف وليد ظروف التطور الثقافي للفرد، وخارج إرادة الفرد. ويجب أن يتمتع المرء بالتعددية الثقافية والعمق بدلاً مما يسمى بالثقافة البسيطة والرتيبة، وأساسها الرئيسي هي المعتقدات القائمة على التعاليم الأساسية، ولا شيء أكثر من ذلك. ووفقاً لأمارتيا سين، إن تعدد الهويات يمنح الإنسان منظوراً ثقافياً أوسع، بما في ذلك في ميدان الفن والأدب والعلوم والمزيد من المعرفة حول الطبيعة والبيئة وما إلى ذلك. ويعتقد سين أن الرتابة هي هوية عنيفة ولا علاقة لها بالدين، وتخلق نوعاً من الازدواجية الثقافية في كل المجتمعات.

لنكتفي بهذا الإستطراد، ونلامس بعض الأمثلة على ذلك بدءاً من غلو وجهات النظر اليسارية لجماعة بادر ماينهوف الإرهابية في ألمانيا أو المجموعة اليابانية التي نشرت غاز سارس السام في مترو أنفاق طوكيو، إلى المسيحي المتعصب الذي أطلق النار وقتل مراهقين كانوا في سفرة إلى جزيرة قرب أوسلو في النرويج، إلى الانتحار الجماعي لطائفة "الديفيدين"، ثم إلى انتحاريي طالبان وداعش، الذين تسببوا في وقوع الضحايا في التفجيرات العمياء والعمليات الإرهابية، وهم لا يفكرون إلا في القتل لتحقيق غرضهم الوهمي، أو البوذيون الذين أحرقوا وقتلوا مسلمي الروهينجا في بورما. وبشكل عام نشهد هذا التطرف في جميع المجتمعات البشرية، ويمارسه أتباع ديانات وأيديولوجيات مختلفة.

وبعبارة أخرى، تتفرع من هذه الازدواجية الثقافية فئات متنوعة، وهي ظاهرة موجودة في كل المجتمعات المسيحية والإسلامية والبوذية. لم يبق هنتنغتون على قيد الحياة ليرى تجلي وقوة هذه الثنائية في الأيام المظلمة من عهد ترامب في داخل الولايات المتحدة حيث إنتعشت العنصرية والتمييز العنصري بكل مظاهر التعصب القومي والسياسي المشين في تاريخ البشر في جزء من مجتمع تبنى ثقافة سطحية قدمت نفسها على أنها مسيحية، مع ممارسة مظاهر عنيفة بإرتداء ملابس جلدية وأقنعة سوداء ويمتطون دراجاتهم النارية القوية، حيث يقوم أنصارهم أحياناً بمهاجمة حشود المحتجين. فعندما تصاعد قلق الأغلبية في ظل الديمقراطية من النظام الفيدرالي والتصويت الشعبي، تمردت هذه الفئات وهاجمت البرلمان بعنف كتعبير عن رفضها القبول بالنتائج.

كان الغرض من كل هذه المقدمة هو الوصول إلى مصر، فهذه الازدواجية الثقافية موجودة أيضاً في مصر التي هي على وشك الدخول في مرحلة النضج الديمقراطي. في الحقيقة، إذا كانت الديمقراطية ممكنة في المجتمعات البدائية، في مصر مثلاً، كما هو مذكور سابقا في مقال لي عن إندونيسيا، فإن الحكومة في مجتمع غير ناضج ومارس الخيار الديمقراطي لمرة واحدة، تحتكرها غالبية بدائية .. وهذا أيضاً نمط ثقافي آخر!

مثال مصر مثير للاهتمام. لإنها دولة على مفترق طرق آسيا وأفريقيا وأوروبا، ووريثة أقدم الحضارات الإنسانية، علاوة على أنها من أوائل دول المنطقة التي كانت على صلة بالحضارة الأوروبية قبل غيرها، بل وانعكس ذلك في الطراز المعماري الحديث الرائع للقاهرة والإسكندرية. وخلال قرون، وجدت في مصر جامعات مرموقة، ونظام بيروقراطي حديث، وظهور الحياة الأوروبية بنكهة محلية وبأصالة.

في تقرير إخباري، تم التقاط صور جماعية لأساتذة وطلاب جامعة القاهرة على مدار المائة عام الماضية، يتضح أن اللون الاجتماعي للمجتمع المصري قد تغير بمرور الوقت. فمنذ قرن وإلى 50 عاماً ، كان الطلاب والأساتذة من الذكور والإناث يعتنون بملابسهم الرسمية، إلى حد أنها تبدو شبيهة ومماثلة لجامعات الدول الأوروبية، ولا يوجد فرق كبير باستثناء الاختلافات العرقية والوجوه. ومنذ 50 عاماً وحتى الآن، لوحظت وجوه مختلفة للوافدين الجدد إلى البيئة الجامعية تدريجياً، والتي تزايدت بسرعة. ربما كانت هذه الوجوه موجودة في الماضي، ولكن نظراً لقلة عددها، فإنها إضطرت إلى أن تسلك سلوك الجماعة في تطبيق مبادئ الآداب الاجتماعية الأكاديمية. ولكن ما أن أخذ عدد هذه الفئة بالإزدياد، فلم يعد يرون أن هناك ضرورة بالانسجام مع الجماعة. ومع تزايد أبناء فلاحين كل عام بنفس المظهر والموقف البدوي البسيط، وجدت النساء على وجه الخصوص أنفسهن أكثر التزاماً بطاعة تلك القواعد.

إن ثورة الضباط الشباب، وخاصة كاريزما عبد الناصر وصعود نجمه، جنباً إلى جنب مع الأفكار الشعبوية التي زادها تأميم قناة السويس والحرب الإسرائيلية، أعطت زخماً لوجهات النظر السياسية والقومية العربية وأشاعتها بين الفلاحين والقرويين المصريين، ومهدت الأرضية لطرح المطالب السياسية لأكثرية كانت إلى حد قريب في عداد الفئات الصامتة؛ هذه الأكثرية التي غزت المدن وقوة العمل فيها. إن وحدانية الثقافة عند هذه الفئات كما أشرنا آنفاً، قائمة فقط على الوعي الديني الذي تلقوه منذ الطفولة من قبل أوليائهم ومن ثم من ملالي القرية. في الواقع، كانت مطالب المستويات الأعلى منهم في الماضي البعيد قد تشكلت في إطار جماعة الإخوان المسلمين. ومن المثير للاهتمام أن أنور السادات، وهو جندي شاب انضم إلى الضباط الأحرار ودائرة عبد الناصر وأصبح فيما بعد رئيساً لمصر، كان في البداية عضواً في نفس جماعة الإخوان المسلمين الذين أرادوا استبدال الشريعة بالقانون القضائي والإداري المصري.

لكن النزعة القومية لعبد الناصر، بسحرها الشعبوي وعلى شاكلة حركات مماثلة، أضفت الفخر والإعتبار للطبقات الدنيا وجذبتهم. لهذا السبب، طغت إلى حد ما تلك الأفكار القائمة على وحدانية العقيدة والعنف الناتج عنها في عهد عبد الناصر وأنور السادات. لكن عندما حقق السادات أيضاً انتصاراً نسبياً على إسرائيل وإستعادة شبه جزيرة سيناء، وحاول إنهاء حرب الاستنزاف وصنع السلام مع إسرائيل لتقوية القدرة الاقتصادية للبلاد، تعرض إلى محاولة قتل أثناء استعراض عسكري على يد مجموعة من الجنود ينتمون إلى نفس الأفكار الدينية التي تسللت الآن إلى الجيش.

وما أن إستلم حسني مبارك زمام الأمور حتى واجه عدة تحديات خلال فترة رئاسته الطويلة؛ تحد من جماعة الإخوان المسلمين، وتحدي من الفئات اليسارية والمتعلمة الشابة والمعتدلة التي تطالب بالديمقراطية والانتخابات والمشاركة في تقرير المصير السياسي لبلدها، وتحد منافسين له لم يتحملوا حكمه الطويل الأمد وخلافة نجله جمال، إضافة لتحد كبير من أغلبية السكان، فمن الواضح أن الأغلبية الصامتة والعلنية الريفية والحضرية، وجراء زيادة وعيهم النسبي، أرادوا المشاركة السياسية بفرض بدائل عن طريق فرض قواعد الشريعة.

وكانت حركة الإخوان المسلمين أحد التجليات الأقدم لهذا الأمر، والتي أقدم السادات على حلها ووقع ضحية لها في النهاية. كما نفذ الإخوان المسلمون عملية اغتيال مبارك التي لم تنجح. لكن تدريجياً، تمكنت جماعة الإخوان، من خلال زيادة نفوذها المالي ومشاركتها في زيادة الأنشطة التجارية في السوق المصري، من كسب مكانة اجتماعية قائمة على الدين والاقتصاد، وأصبح لهم ممثلون في البرلمان وفي داخل الحزب الحاكم وأبدت توافقاً مع الحكومة. وبعد أن انتقل الربيع العربي من تونس إلى مصر، كان الأخوان المسلمون على وشك الانتصار وطرد حسني مبارك، والتحقوا بالربيع العربي وحاولوا بحكم هيبتهم الدينية وتنظيمهم أن يقودوا قسماً كبيراً من الفلاحين الذين لم يكن لديهم أي شكل من أشكال التنظيم، من أجل فرض قواعد الشريعة في البلاد.

أدى تنافس جناح جماعة الإخوان المسلمين وإصدار بعض الأوامر الدينية إلى تعريض صناعة السياحة للخطر والإغلاق، والتي كانت أكبر مصدر لعائدات النقد الأجنبي في مصر، مما أثار قلق الفئات المتوسطة والأكثر ليبرالية في المجتمع المصري. وتمكن الإخوان المسلمين في الانتخابات بهامش ضئيل 50-50، من هزيمة رئيس الوزراء السابق، الذين فازوا بأصوات مجتمع مدني منقسم لكنه قلق في مصر. وأصبح محمد مرسي، زعيم حزب العدالة والحرية التابع للإخوان المسلمين، والذي خدم لمدة خمس سنوات في البرلمان في عهد حسني مبارك، رئيساً للوزراء من خلال إظهار السلوك المعتدل والتعبير عن التعاطف مع المتظاهرين الليبراليين والمؤيدين للمجتمع المدني.

احتفظ مرسي بالعديد من المسؤولين العسكريين والقضائيين والإداريين السابقين في مناصبهم المهنية والتكنوقراطية، لكنه نقل المتظاهرين المحتجين تدريجياً عن طريق إبعادهم ثم إخراجهم من الساحة واستبدالهم بأعضاء موثوق بهم من الإخوان المسلمين في ميدان التحرير. وعزز القائد الجديد ورئيس أركان الجيش المصري، المنتمي إلى مدرسة السادات ومبارك ، موقعه وعبر بدوره عن الولاء لمرسي. ولكنه ما ليث أن قام بانقلاب مدعوم من الجيش والقضاء والمجتمع الليبرالي الحضري المصري، وتمكن من تولي السلطة بسرعة وإدارة زمام الأمور في البلاد.

أقام السيسي محاكمتين بالتوازي. أي محاكمة حسني مبارك وحاشيته ومحاكمة مرسي وحكومة الإخوان المسلمين. ولم يعارضه الفلاحون الذين قل ارتباطهم بأرباب السوق من قادة الإخوان المسلمين وكانوا قلقين أيضاً من إرتفاع نسبة البطالة بسبب تراجع عائدات السياحة. وتعتبر محاكمة حسني مبارك في عهد اللواء السيسي في الواقع إمتداداً لطريقة حكم مبارك، ومختلفة عن طريقة محمد مرسي. وتمت تبرئة حسني مبارك من العديد من التهم في محكمة الاستئناف وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وتم تبرئته لاحقاً من تهمة قتل متظاهرين وتهم أخرى وأفرج عنه بكفالة في آذار 2010. وتوفي عن عمر يناهز 91 عاماً. وأعلنت حكومة السيسي الحداد العام ثلاثة أيام تكريما لوفاته. ولكن بعد الإدانة الأولية في المحاكمة، أغمي على مرسي خلالها، وتوفي دون إعلان الحداد العام.

وعلى الرغم من أن السيسي قد واجه تحديات أقل بسبب من خشية الطبقة المتوسطة من عودة الإخوان، خاصة بعد بناء وافتتاح الخط الثاني لقناة السويس الذي ضاعف طاقته وعائداته، وسارع إلى تنشيط التنمية الاقتصادية بوتائر أعلى، ولكنه واجه نفس المشاكل وردود الفعل المتمثلة في عدم التناسب بين التنمية الإقتصادية مع التنمية الثقافية والإجتماعية أو الإزدواجية الثقافية التي تحتاج إلى إعطاء الأولوية للتنمية الثقافية ولاجتماعية التي تعتبر عملية صعبة وتستغرق وقت. ، وهي مهمة صعبة وتستغرق وقتًا طويلاً. وإن بقائه في السلطة هي نتائج ستظهر آثارها في المستقبل.


* كاتب ايراني


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter