|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  22  / 4 / 2021                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التفاخر بالتوحش

أرمان أميري
ترجمة : عادل حبه
(موقع الناس)

المصدر: موقع ايران امروز

الكاتب أرمان أميري

تناقلت وكالات الأنباء الشكوى التي تقدم بها اتحاد الكرة الهندي ضد نادي پيرسيپوليس الإيراني. وكان الدافع لهذه الشكوى هو ما نشر على الإنستغرام عشية سفر فريق نادي پيرسيپوليس إلى الهند حيث جاء فيه: "بعد 283 عاماً من احتلال الجيش الإيراني للهند، حان الآن دور الشبيبة الإيرانية، ولكن في ميدان آخر، من أجل إلحاق الهزيمة بالهند وتكرار موقعة "فتح الفتوح".

إن عدم إهتمام المسؤولين الإعلاميين في مؤسساتنا، من النوادي الرياضية وحتى إلى أعلى المؤسسات السياسية، بالأدب الدبلوماسي العالمي، يحتاج إلى مناقشة مفصلة ومنفصلة. لقد اعتدنا أساساً على حقيقة أن جزءاً كبيراً من مسؤولينا، عند حضورهم المحافل الدولية، يتصرفون مثل حكاية "جعفر خان يزور الفرنج"، على غرار أناس يعيشون فترة ما قبل التاريخ، تم إلقاؤهم في العالم الحديث فجأة وبدون أي مقدمات في آلة الزمان.

في هذا النقاش، أريد أن أترك المواجهة مع العالم الخارجي جانباً وأركز فقط على الأبعاد الداخلية للمشكلة كي ندرك بشكل أفضل ما هي الأسرار التي نخفيها وراء الكواليس.



لوحة تصورة معركة "كرنال" واحتلال الهند من قبل نادر شاه، معلقة في جدار چهلستون أصفهان

من البديهي أن نشير بأن جميع الإيرانيين يؤمنون بأن بلادهم لها ماض تاريخي مجيد. لكن عندما ندخل في تفاصيل هذا الماضي التاريخي، فإن هذه الآراء يطرأ عليها قدر من التغيير. بالنسبة للكثيرين، ترتبط موضوعة ما يطلق عليها مفردة "العظمة التاريخية" لإيران ارتباطاً مباشراً بأبعاد الخرائط المنشورة بالدورات والسلالات الإيرانية الحاكمة. ومما يثير جاذبية التاريخ الإيراني هي روايات الحروب والفتوحات القديمة التي وسعت حدود الإمبراطورية الإيرانية لتمتد إلى شمال إفريقيا.

وعلى نفس المنوال، ينظر إلى فترات الهزائم العسكرية على أنها ضرب من "أمجاد الحضارة الإيرانية" في حين أنها كانت من أكثر الفترات التاريخية المخزية والأكثر ظلمة في هذا البلد. وعلى سبيل المثال الهزائم التي لحقت بحكام ايران أمام اليونانيين والعرب والمغول طبعاً. وعلى العكس من ذلك، يشار إلى أن رموز التاريخ الإيراني هم الجنرالات والملوك الأكثر عدوانية في التاريخ، حيث يعتبر نادر شاه بلا شك رائدهم في الألفية الماضية. فالأوصاف النادرة لـ "العبقرية العسكرية" لنادر شاه وتفاصيل احتلاله للهند تأسر هذا الجزء من المجتمع لدرجة أنها تبدو وكأنها تصور مشهداً جميلاً يسوده الابتهاج، وليس كارثة ومجزرة ومذابح ونهب.

ويمكن أن نطلق على هذه النظرة إلى التاريخ والتقاليد الإيرانية مصطلح "إيران العسكرية"، وهو نهج لا توصف بها طبيعة الحرب والجرائم وسفك الدماء بالقباحة فحسب، بل يمكن أن تصبح أيضاً مصدر فخر بشرط أن يتم أزهاق المزيد من الأرواح!

من ناحية أخرى، هناك قراءة أخرى أسميها "إيران الثقافية". قراءة تبحث عن معنى "الحضارة الإيرانية" ليس في نطاق المجازر التي ارتكبها الجيش الإيراني، بل في نمو الفن والثقافة الإيرانية. وتتسم بتتويج تاريخ الحضارة الإيرانية في هذا المنظور على سلم الحضارة بظهور أدباء وفنانين من أمثال حافظ وسعدي والرومي والخيام ونظامي وبالطبع الفردوسي. وبالمناسبة تتعارض هاتان النظرتان بشكل واضح تماماً في لحظتان تاريخيتان:

أولاً، مرحلة الانحدار والإذلال لـ "إيران العسكرية" التي طغت في فترة الحكم المغولي . لكن وبالمناسبة، ينتمي جزء كبير من روائع الفن والأدب والثقافة لدينا إلى نفس الفترة؛
وثانياً ثم سقوط إيران الثقافية وعبثها، وهو ما يتزامن مع صعود نادر شاه وعودة النزعة العسكرية!

ولا تزال الشهوة لـ"إيران عسكرية"، بالطبع، قائمة الآن ومنتشرة وتتجلى أحياناً في أشكال جديدة. فعلى سبيل المثال، لم يكن المعنيون بالحروب الخارجية والعمليات العسكرية في سوريا مجرد قوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني. فهناك مجموعة غريبة وغير متجانسة على ما يبدو من التيارات في المجتمع الإيراني، وأحياناً حتى في صفوف المعارضة، تخفي الرغبة في إنعاش النزعة العسكرية والعودة إلى "مجد الإمبراطورية" وراء العنوان الذي يبدو مبرراً حول "الأمن القومي"، ولفتوحات "جنرالات القلوب الذين يذاب السكر في قلوبهم".

لقد تعاملتُ بشكل أوسع مع هذه الموضوعة من قبل في نظرية التاريخ: إيران الثقافية مقابل إيران العسكرية، وأكتفي هنا بهذا القدر من التناول. فمن بين كل الخلافات السياسية والفئوية التي طفت على السطح في الوقت الحاضر، فإنني على إعتقاد بأن الفجوة الوحيدة التي يمكن أن تكون في الأساس في نجاة البلاد من الركود والانهيار الحالي هو التخلي عن موضوعة "إيران العسكرية" التي طغت مرة أخرى على جميع الجوانب السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية والرياضية في البلاد، وآثارها في الجدال النظري على ما يبدو واضحة باستخدام مفتاح – مفردة "الوطنية الإيرانية"(ايران شهرى).

بالنسبة لي ، لا يمكن لأي من هذا الجدل السياسي الحالي أن يتمتع بالأصالة وينطوي على حل لمشاكلنا، من دون النقد الضروري والتخلي وحتى لعن كل هذه النزعة العسكرية بكل مظاهرها.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter