|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  1  / 10 / 2020                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التحقيق مع برتولت بريشت في الولايات المتحدة

علي امیني النجفي  *
ترجمة : عادل حبه
(موقع الناس)




برتولت بريشت
1898-1956

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، سادت أجواء القمع في الولايات المتحدة. واعتُبر وجود أفكار تقدمية "جريمة"، ووصفت القوى اليسارية والمفكرون بـ "عناصر معادية". وشن اليمين المتطرف، بقيادة السناتور جوزيف مكارثي حملة شرسة ضد الكتاب والفنانين التقدميين. ومَثُل جميع الفنانين والكتاب الجيدين تقريباً أمام لجنة التحقيق في الأنشطة المعادية لأمريكا.

وإستعان إدغار هوفر، الذي ترأس مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي من عام 1924 حتى وفاته في عام 1972، بجيش من المرتزقة المخبرين لملاحقة خيرة المثقفين الأمريكيين. وتبوأ بعض هذه العناصر لاحقاً مناصب رسمية عليا في الولايات المتحدة.

إن كل أولئك الذين حذروا ذات مرة في الولايات المتحدة من مخاطر النازية والفاشية ودعوا إلى محاربتها، قد تم استجوابهم بذريعة تبني الأيديولوجية الشيوعية واتهموا بـ "تعريض الأمن القومي للخطر".

وفي خضم هذه الحملة تم استدعاء برتولت بريشت الفنان من أصول ألمانية، الذي كان يعيش في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، إلى واشنطن في 30 تشرين الأول 1947 "للإجابة الموجزة على بعض الأسئلة!".

وبادر بريشت إلى كتابة بيان حول ظروف إستدعائه، وبعد حلف اليمين والتعريف بنفسه، طلب قراءة البيان في المحكمة. وجاء في البيان:

"أعتقد أن بعض القصائد والمسرحيات التي كتبتها في النضال ضد نظام هتلر هي التي أوصلتني إلى هذه المحكمة. إن أنشطتي، حتى في تلك الفترة كانت موجهة ضد هتلر مباشرة، وهي نصوص أدبية بحتة وليس لها علاقة بالإتهام الموجه لي. وأضيف إنني في الولايات المتحدة، قد رفضت التدخل في الشؤون السياسية لهذا البلد، بل وحتى في النشاطات الأدبية .

برتولت بريشت مع زوجته الفنانة هلنا وایگ

والآن بعد أن واجهت لجنة الأنشطة المعادية لأمريكا، أود أن أقول بضع كلمات حول القضايا الأمريكية لأول مرة. بالنظر إلى تجربتي كشاعر وكاتب مسرحي على مدى العقدين الماضيين، أود أن أقول إن الأمة الأمريكية العظيمة ستعاني من أضرار لا يمكن إصلاحها إذا سمحت لأي شخص بمنع المنافسة الحرة في المجال الثقافي أو حرمان الفن من الحرية. لأنه بدون الحرية لا يبقى من الفن أي شيء.

نحن نعيش اليوم في عالم خطير. اليوم، حضارتنا توفر لنا كل الفرص للتمتع بالازدهار والراحة، ولكننا في الواقع لسنا بعيدين عن الفقر والحرمان. لقد عانينا الكثير من الحروب الكبرى، ولكن يبدو أن هناك المزيد من الحروب الموحشة في المستقبل، فحرب واحدة منها فقط يمكنها الآن القضاء على الجنس البشري تماماً من على وجه الأرض. وربما سنكون آخر نموذج من البشر على الأرض".

ترجم بريشت نص بيانه إلى اللغة الإنجليزية وأعده للقراءة في المحكمة. ومع ذلك، فبعد نظرة سريعة على بيان بريشت، وصف رئيس المحكمة البيان بأنه"غير ذا صلة بعملية التحقيق" وعارض قراءته.

كتب إريك بنتلي ، الباحث البريطاني المقيم في الولايات المتحدة والذي تحدث مع بريشت عن محاكمته في لقاء معه في زيورخ عام 1949: "كان بريشت مسروراً بالمحاكمة وضحك". لم يكن المحققون الأمريكان بمستوى سوء النازيين على الإطلاق. "فقد سُمح لي بالتدخين في واشنطن العاصمة، وكان بإستطاعتي أن أدخن بعد كل سؤال يوجه لي، وأجهز نفسي للإجابة".

 

* باحث في ميدان الفن

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter