|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  11  / 4 / 2017                                د. عبدالحسين صالح الطائي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية
للدكتور حسن البياتي
(1)

د. عبدالحسين صالح الطائي *
(موقع الناس)

امتاز الشاعر العراقي الدكتور حسن البياتي بجودة وغزارة إنتاجه الشعري والأدبي (الابداعي والثقافي)، منذ خمسينات وستينات القرن الماضي، فهو من المتأثرين بعمالقة الشعر والأدب، قديماً وحديثاً، يمتلك تجربة غنية رصينة في أكثر المجالات الأدبية، أغلب إنتاجه الإبداعي تلاقفته الصحف والمجلات ونُشر على نطاق واسعٍ. وبعد أن فقد نعمة البصر في نهاية القرن الماضي في اليمن، واستقر به الأمر في لندن، ملكوت ظلامه الجديد الذي انحسر النور فيه عن عينه، ورافق ذلك تدهور صحته المقرونة بأوجاع الشيخوخة. ورغم تلك المعضلات والمعوقات، عقد العزم على مواصلة مسيرة الإبداع الشعري والأدبي، على غرار أبي العلاء المعري وطه حسين وغيرهما من المبدعين.

صدر له ديوان شعري (في ملكوت الظلام) عن دار الفارابي في 2008، و كتاب (وجوه بصرية) في 2010، وبعض الأعمال المنشورة هنا وهناك. وبعد مضي عقود على نشر الكثير من أعماله الإبداعية، أدرك شاعرنا ضرورة إحياء تلك الآثار بإصدار سلسلة خماسية الحلقات، بدأها بكتاب (رسائل ثقافية متبادلة بيني وبين ...)، صدر عن دار الفارابي في آذار 2015، الذي حمل مادة تاريخية تسجيلية فيها ضرب من الإمتاع والمؤانسة. ورفدنا بكتاب (كتبوا عني ... وكتبن)، صدر عن دار الحكمة في لندن 2016، الذي احتوى على مواد متنوعة حياتية وثقافية وإبداعية لأجيال مختلفة. والكتاب الثالث، موضوع هذه المقالة التي ستُنشر على حلقتين، صدر عن دار الفارابي في كانون الثاني 2017، (مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية)، وفي انتظار صدور الكتاب الرابع هذا العام بعنوان (الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر).

ضم كتابه الثالث مجموعة من المقدمات والإشارات التي كتبها شاعرنا البياتي خلال الحقب الزمنية السابقة في المجالات الإبداعية كالشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية والأسطورة وغيرها، وقد تخطت هذه المقدمات والإشارات إلى آفاق أرحب بتناولها موضوعات حياتية متنوعة جاذبة نابعة من ثقافات الشعوب وتراثها الأدبي، كالأدب الفليبيني والأدب الآسامي – الهندي والأدب الأوزبكي والأدب الجورجي والأدب الأرمني والأدب البلغاري والأدب المكسيكي. ونستطيع القول إن هذه المقدمات والإشارات التي صاغها البياتي بأطر أدبية وتاريخية وسياسية وعلمية وخيالية وأسطورية، تهدف إلى تزويد القارئ بفيض هائل من كنوز المعرفة التي شملت طيفاً راقياً متنوعاً من الأعمال الإبداعية، وبالتالي تحفيزه للبحث عنها والاطلاع عليها بشكلها الأصلي الكامل.

قسم البياتي الكتاب بعد المقدمة إلى قسمين، ضم الأول ستة عشر أثراً من الأعمال الإبداعية التي قام بترجمتها من اللغة الروسية وكتابة مقدماتها، بدأها بمقدمة رواية من الأدب المكسيكي الحديث (أولئك الذين تحت)، للكاتب المكسيكي الواقعي ماريانو اثويلا، الذي وظف كل موهبته الإبداعية في هذه الرواية التي جوهر أحداثها الثورة الشعبية المكسيكية التي اندلعت سنة 1910 ضد النظام الدكتاتوري، فهي بمثابة وثيقة تاريخية كُتِبت بقلم شاهد عيان للأحداث، التي بطلها مجموعة من الفلاحين الذين ثاروا ضد النظام الاجتماعي القائم، وبمساندة نخبة من النساء المكسيكيات البسيطات المتضامنات مع أزواجهن وأبنائهن وأخوانهن في هذه الحرب المقدسة. فمن خلال هذه الترجمة الراقية، التي صدرت في كتاب في بغداد 1986، جعلنا البياتي نطلع على تجربة مشرقة من كفاح الشعب المكسيكي ضد الاستغلال الاقطاعي للفلاحين.

وينقلنا البياتي إلى أجواء رواية واقعية قصيرة من الأدب الروسي الحديث (طيور الشمس)، التي صدرت ترجمتها في كتاب في بغداد 1989، للمؤلف نيكولاي بالايف، الذي قادنا في رحلة علمية، صاغ أحداثها بلغة جميلة، وباسلوب إبداعي جذاب، على شكل حوار فني رفيع، كشف فيه حقيقة حياة واسرار موطن طيور الشمس، وبعد جهود متواصلة ومثابرة عالية تمكن من الوصول إلى هدفه، بأن الطيور تغادر مكانها بأنها لا تثبت في منطقتها القطبية الشمالية، بل تطير مهاجرة إلى الجنوب.

وضمن إطار الأدب الواقعي الروسي، يطل علينا البياتي بترجمة رصينة لعمل روائي سوفيتي له أصداء واسعة (زَبَدُ الحديد)، صدرت عن دار المأمون للترجمة والنشر في بغداد 1989. جرت أحداث هذه الرواية في إحدى القرى السوفيتية، اثناء الحرب العالمية الثانية، وكان أبطال هذه الرواية من أبناء وسكان تلك القرية، من النساء والشيوخ والأطفال، ومن عاد من جبهات القتال جريحاً أو معوقاً. جسد أحداث هذا السفر الروائي الكاتب الروسي (ايفان اوخانوف)، الذي حقق نجاحاً كبيراً باعتماده التحليل النفسي والفلسفي في الكشف عن طبيعة الأشياء، برؤية جديدة للصراع المحتدم وفق منطلقات أخلاقية، حُسم فيها الصراع لكفة الخير، وللحياة الحرة الكريمة.

واتحف شاعرنا البياتي القراء بترجمة ثلاث روايات قصيرة من كنوز الأدب البلغاري، أصدرها في كتاب عن دار المأمون في بغداد 1991. هذه الروايات لأعظم كاتب بلغاري معاصر متعدد المواهب، ومن المهتمين بالإنفعالات الداخلية للإنسان، وبالقضايا المتعلقة بحياة المجتمع. تكمن تجربته الإبداعية في مجالي الحرب والثورة. ورغم أن هذه الروايات (الحاجز، الحرذون الأبيض، الأبعاد)، لها أبطالها ومواضيعها الخاصة، إلا أنها تلتقي بمشتركات كثيرة تكمن في امتزاج الواقع بالخيال، والمعقول باللامعقول، والحقائق العلمية بالتصورات الميتافيزيقية، وتوحدها الحماسة العامة والتفكير الشامل.

وتألق البياتي في ترجمة ثلاث روايات من أدب الخيال العلمي: (العبقري المتواضع، وفتاة عند جرفٍ هاوٍ أو مذكرات كوفريغين، واللغز المغلق)، صدرت بكتاب عن دار المأمون في بغداد 1992. هذه الروايات الإبداعية المميزة اشتهر بها الأديب السوفيتي المبدع (فاديم شيفنر)، الذي امتاز بخيال شاعري خصب، وبثقافة متعددة الأبعاد.

وأبدع البياتي في ترجمة مجموعة قصص للأحداث بعنوان: (أحفاد كولومبس في أربطة عنق طلائعية)، للكاتب الأوزبكي (فلاديمير باراباش)، صدرت بكتاب عن دار ثقافة الأطفال في بغداد 1992. أبطال هذه القصص من التلاميذ، وهي ذات طابع تعليمي تربوي توجيهي، مفعمة بعناصر التشويق والمغامرة والاستكشاف، وحب الوطن والناس والمعرفة والعمل. ورغم اختلاف مضامينها وتوجهاتها ولكنها تلتقي بجوهر واحد هو دنيا الطفولة وعالم الأحداث، وما يشغلهم سواء في أجواء المدرسة أو في ظل تعقيدات المجتمع الكبير.

ويأخذنا البياتي إلى أجواء المسرح، حيث ترجم مسرحية (لا تقلقي، يا أُمي)، للكاتب الجورجي (نودار دومبادزه). وأصدرها بكتاب عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد 1995، جرت أحداث المسرحية في ستينات القرن الماضي في مدينة تفليس عاصمة جمهورية جورجيا السوفيتية. المسرحية من فصلين، بطلها طفل يتيم فاقد الأبوين، كان يعيش تحت رعاية جده في إحدى القرى، وبعدها انتقل إلى بيت عمته في العاصمة، وهناك تعرف على فتاة جامعية مرتبطة بحلقة شبابية، من الشعراء والكتاب والفنانين والرياضيين، ونتيجة حالة الإغتراب التي عاشها، والفوارق الكثيرة التي عكسها الواقع الاجتماعي، انتهى به الأمر إلى مشادة مع فئة من المشاغبين داخل هذه المجموعة، فيقع طريح الأرض. لقد عكس الفصل الأول من المسرحية حياة فئة معينة من الشباب المتطلع إلى التجديد بوسائل الرفض واللامعقول. أما الفصل الثاني فقد دارت أحداثه في إحدى نقاط التفتيش الحدودية، وبرز فيها دور مجموعة من مقاتلي حرس الحدود في مواجهة البعض من الشباب الذين يحاولون اجتياز الحدود للفرار إلى الخارج. امتزجت في هذه المسرحية أجواء الكوميديا بالعناصر الغنائية والعاطفية المفعمة بالحماسة والحركة والإثارة، التي لا تخلو من أجواء الفكاهة والمتعة الفنية الجمالية.

وضم الكتاب أيضاً مقدمة كتبها البياتي لمجموعة شعرية أصدرها الشاعر اليماني الدكتور سالم عوض رموضه، في آب 2000، عندما كان يعمل استاذاً للأدب العربي في كلية التربية في مدينة سيئون في اليمن. وكذلك ضم القسم الأول مقدمة كتاب (وجوه بصرية) الذي أصدره الشاعر عن دار الفارابي في 2010. تناول الكتاب الذي يتألف من ستة أبواب وخمسة فصول، مئتين وخمسة وثمانين وجهاً بصرياً من الجنسين، ومن مختلف شرائح المجتمع البصري. وقد خص البياتي كل وجه من الوجوه برباعية شعرية وتعليقات تعريفية وتوضيحية تتناسب وجو الرباعية الشعرية وخصائص كل وجه بما يستحق من ثناء أو تعليق.

وترجم شاعرنا كذلك كتاباً يضم خمس مسرحيات كوميدية ذات فصل واحد، نُشِرت متفرقةً في المجلات العراقية، وعُرقت إحدى المسرحيات (الاستلاب) إلى اللهجة العامية العراقية، وعُرضت تحت عنوان (الحرامي). هذه المجموعة من المسرحيات ذات طابع كوميدي ممزوج بأجواء التراجيديا، قدم لها البياتي بإشارات تعريفية، أوضح فيها الأسلوب النقدي للمؤلفين (كريكوري كورن، واركادي اركانوف)، اللذين تمكنا من رصد الكثير من الظواهر الاجتماعية في العهد السوفيتي، ونقدها بطريقة فكاهية ساخرة. وينوي البياتي إصدار هذه المسرحيات في كتاب مستقل خدمة لحركة المسرح العربي.

ومن الترجمات التي إعتز بها البياتي كتاب (أساطير القرم)، الذي ضم أربعاً وثلاثين حكاية أسطورية من شبه جزيرة القرم، تمثل الموروث الشعبي الذي تتناقله الأجيال، أغلب الأماكن التي تدور فيها أحداث هذه الأساطير قد زارها وعايشها البياتي لأكثر من مرة. تمكن شاعرنا من نشر البعض منها في المجلات العراقية، واحتفظ بمسودة الكتاب جاهزة للنشر، ولكن للأسف لم ترَ النور لحد الآن. كل هذه الحكايات مجهولة المؤلف عدا واحدة للأديب الكبير مكسيم كوركي. جوهر هذه الحكايات الصراع الذي يدور حول قيم الخير والشر، معظم أبطالها سحرة وساحرات وقوى خارقة، غير أن البطل الأساس هو الشعب، بالإضافة إلى اعتمادها على المظاهر الطبيعة المختلفة كالجبال والتلال والغابات وغيرها، ومنها ما هو غير طبيعي من صنع الإنسان كالقلاع والأبراج وغيرها. كل أسطورة لها متعة جمالية راقية لما تحمله من أفكار وقيم وحكم ومواعظ أخلاقية.

واحتل الشعر حيزاً كبيراً في مجال ترجمة الأعمال الإبداعية، فلم يكن إختيار الشاعرة الأرمنية المشهورة (سيلفا كابوتيكيان)، إلا لجودة قصائدها المكرسة للتعبير عن واقع الحياة وقضاياها العامة، وتنوع مواضيعها في مجالات الوطن والحب والحرب. فشعرها مفعم بعواطف الحب الإنساني اللامحدود لأرض الوطن والناس. وقصائدها الذاتية ملتهبة بكل الأحاسيس والانفعالات الإنسانية من سعادة وشقاء ووئام وخصام ولقاء وفراق، وغيرها من آثار تصب في عمق مفاهيم الحياة المغلفة بالأفراحِ والأحزان. انتقى البياتي أربع قصائد من مجموعتها الشعرية المختارة، نشرها في مجلة (صوت الجامعة) الصادرة من جامعة البصرة سنة 1979.

وفي إطار التنوع ترجم شاعرنا خمس قصائد رائعة للشاعرة البلغارية (ليليانا ستيفانوفا)، نشرها في مجلة الثقافة الأجنبية في بغداد 1996. وقع إختياره على هذه الشاعرة لأنها قدمت نفسها بأنها شاعرة غنائية ذات نبرة أنثوية وحس وجداني عاطفي جذاب بنزعة فلسفية اكتسبتها من تجاربها الحياتية، وهي تكتب بالطريقتين التقليدية والحرة، اكتسبت شهرتها لكونها كاتبة وصحافية وشخصية اجتماعية معاصرة تخطت شهرتها حدود وطنها إلى آفاق أوسع، فتألقت في تطوير مواهبها الشعرية والأدبية، متأثرة بعمالقة الشعر البلغاري والروسي. امتازت بتناول موضوع وطنها الأم بلغاريا إضافة إلى مواضيع أخرى كالزمن بكل أبعاده.

والشاعر الروسي الاجتماعي السياسي (سميون كيرسانوف) كان له نصيب وافر في ترجمة قصيدته القصصية الطويلة، بعنوان (آثار على الرمال)، التي قدمها في مهرجان الشعر في موسكو 1960، هذا المهرجان الذي حضر البياتي جوانب من فعالياته. نُشِرت القصيدة في مجلة الثقافة الأجنبية في بغداد سنة 1991. لقد احتلت القصائد القصصية الطويلة للشاعر كيرسانوف، بمضامينها الاجتماعية، التاريخية، الفلسفية، مكانة كبيرة في أعماله الإبداعية، لأن شعره امتاز بتنوع الإيقاعات وبالدقة والذكاء في اختيار الألفاظ المناسبة لأجواء قصائده التي طغت عليها الفلسفة – الوجدانية النابعة من عمق التأمل في طبيعة علاقة الإنسان بمجتمعه وبالتاريخ وبدائرة الكون الذي يحيط به.

وتضمن القسم الأول ترجمة قصتين الأولى، (الإثم) للكاتب الروسي ميخائيل جيخوف، كتب البياتي مقدمتها ونُشِرت في مجلة آفاق عربية في بغداد في آذار 1988. يذكر البياتي أن ميخائيل مترجم أدبي متمكن أتقن الإنكليزية والفرنسية ثم الإيطالية، وقد نشر نتاجه الأدبي في معظم الصحف والدوريات وبعدها ظهرت آثاره الإبداعية بطبعات مستقلة. وموضوعات ميخائيل واقعية مرتبطة بالوجود الإنساني، مُشبعة بالأحاسيس النبيلة التي يحملها أصحاب القلوب البيضاء. وهو من المعروفين بمحاربة الخرافات وضيق الأفق والابتذال. فمن خلال الاطلاع على قصة الإثم ندرك جيداً عمق ثقافة ميخائيل وقدرته في الغوص في الأحداث الاجتماعية الواقعية وإشكالاتها في أثر الدوافع الاقتصادية ومدى حاجة شرائح اجتماعية تعاني العوز، فتندفع من منطلقات ذاتية إلى الإيغال في التجني على القيم الإنسانية.

والقصة الثانية (إبريق الشاي)، في نهاية القسم الأول، للكاتب الروسي المعاصر يوري كوفال، الذي تألق في مجال أدب الأطفال، بالإضافة إلى إهتمامه بأدب الكبار. ترجم شاعرنا القصة ونشرها في جريدة الجامعة في بغداد 1989. إمتازت أعماله القصصية القصيرة بإيجاز العبارة، والميل إلى الأمثولة والحكايات التي فيها مغزى، وذات اسلوب ساخر. فمن خلال الحوار والتجاذب مع إبريق الشاي، والشخصيات التي تفاعلت مع تقنيات العصر، ندرك بأن القصة تحمل سمات الحداثة.

 

* عراقي مقيم في لندن
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter