|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  30 / 4 / 2015                                 يوسف أبو الفوز                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية .. فيلم "السقوط " أنموذجاً ! *
(2 ــ 3)

يوسف أبو الفوز

المخرج الكندي الاصل دانيال بيتري (1920 ـ 2004) ، الذي يعتبر صيادا للجوائز في العديد من افلامه الجادة، للتلفزيون والسينما، اخرج عام 1974 فيلم "الفأري"، وفي بعض البلاد الاوربية عرض بعنوان " القط والفأر"، وفيه نرى الممثل كيرك دوغلاس يلعب دور جورج أندرسون، المدرس الوديع ،المسالم، لحد ان الطلبة يمنحوه سخرية لقب " الفأري " أي الخجول والمسالم.

في الفيلم تنتقل لورا، زوجة جورج أندرسون، لعبت دورها الممثلة جين سيبرغ (1938 ـ 1979)، وتتركه لتتزوج عشيقها ديفيد ريتشاردسون، لعب دوره الممثل جون فيرنون (1932 ـ 2005)، لكن لورا تأخذ معها ابنه المراهق سيمون، تمثيل الممثل ستيوارت جاندلر (مواليد 1974)، الذي يرغب اندرسون ان تكون تربيته له على يده. فيثيره الامر ويغضبه خصوصا حين يعرف ان ابنه يود البقاء معه وعلى مقربة منه، فيقرر بيع كل ممتلكاته ويترك وظيفته ويلحق بهم الى مونتريال. وحين يواجه بالرفض من قبل لورا وتشكك بجديته ورجولته يهددها بانه سيرتكب اعمال عنف من باب التحذير لها، ويقوم باستدراج أمرأة شابة ويقتلها بوحشية، ثم يقتل المخبر الخاص الذي وظفه عشيق زوجته لمتابعته. يحاول جورج اندرسون اثبات رجولته وشخصيته من خلال ممارسته العنف، وهو هنا عنف مريض، وبالتالي مخالف للقانون، يدفع حياته ثمنا له. المخرج الامريكي جويل شوماخر (مواليد نيويورك 1939) ذو الاصول السويدية، والذي عرف باخراجه لعدد من افلام سلسلة الرجل الوطواط ، يقدم لنا في فيلم "السقوط" ، من انتاج عام 1993 ، وعن سيناريو الممثل والكاتب ايدي روي سميث ، دراسة عميقة في اسباب ولادة العنف في المجتمع الغربي الرأسمالي. الكثيرون يتحدثون كثيرا عن مساويء النظام الاجتماعي الراسمالي، الذي هو طريقة للحياة يعتمد عليها مليارات البشر، الذين يخرجون كل يوم للحصول على لقمة عيشهم، وسط افرازات وضغوطات هذا النظام الاجتماعي. ان حقيقة استلاب الانسان واغترابه، وكونه مسلوب الهوية وأنه ملغى بدون قيمة في هذا المجتمع، نابعة من الدوافع الاقتصادية التي تمليها الظروف المحيطة وبالتالي الظروف الاجتماعية. فيلم "السقوط" والذي عرض في بعض البلدان الاوربية تحت عنوان "يوم عصيب"، يتوقف بحذاقة ومهارة عالية عند العوامل التي تغير من سلوك وليم فوستر الموظف العادي في خدمات الدفاع الامريكية، والذي لعب دوره الممثل مايكل دوغلاس (مواليد 1944)، الذي صرح في اكثر من حديث بأنه واحد من افضل ادواره التمثيلية، ويحكي لنا أزمته التي تتصاعد بالرغم من أرادته. نعرف من خلال الفيلم ان وليم فوستر فقد وظيفته من شهر كامل، واخفى ذلك عن والدته، ولديه أمر تقييدي من المحكمة بعدم الاقتراب من طليقته لأكثر من مئة متر ـ في فيلم "الفأري" كان هناك نفس القرار التقييدي ــ ، ووليم يرغب بلقاء ابنته بمناسبة عيد ميلادها. تقول عنه طليقته أنه لا يدخن ولا يشرب لكن يمكن ان يكون عنيفا، وتقول عنه أمه انه يخيفها بكونه متوترا دائما.

يفتتح الفيلم بمشهد الازدحام، ويعرفنا ببطل الفيلم من خلال لوحة سيارته المكتوب عليها 'D-Fens' ، الذي يصبح اسمه المتداول بين شخصيات الفيلم ويلفظه البعض 'Defense' (دفاع)، مما يحمل معه ايحاءا وتورية، بحال هذا الانسان المتأزم، المحاصر بعدة ضغوط، تتوالى عليه في يومه، تدفعه لممارسة العنف والتصرف بشكل مجنون وثم التحول الى قاتل. في المشاهد الاخيرة من الفيلم ، اذ يقف بطل الفيلم مقابل عريف الشرطة يصرخ : "كيف وصلت الى هذا الحال؟" بسؤاله هذا يكاد يلخص لنا هدف الفيلم وموضوعه. كيف يصل المواطن البسيط والعادي الى حافة الجنون ويتحول الى مجرم عنيف؟ لم يكن وليم فوستر يحمل من جواب على اسئلة الذين يريدون معرفة الى اين يمضي، وهو يقطع شوارع المدينة، سوى جواب واحد : "اريد الذهاب الى البيت؟". في أكثر من حادث تكرر السؤال، وسمعنا ذات الجواب.

على الطريق الخارجي، في مدينة لوس انجلس، يترك وليم فوستر سيارته وسط الازدحام والحر الخانق حاملا حقيبته الدبلوماسية الصغيرة، ولاختصار الطريق يعبر تلة ليدخل في الاحياء الفقيرة فيتابع حياة المهاجرين، الازدحام والفقر والفوضى، ويرى احدهم يرفع لافتة مطالبا بالعمل مقابل اطعامه، ومهاجرون يبيعون اغذية وحاجات رخيصة على مفترق الطرق، يحاول مهاتفة طليقته فيكتشف انه لا توجد لديه قطع معدنية كافية فيدخل محل بقالة يديره رجل كوري، يرفض ان يغير له قطع النقود دون شراء شيء ما، واذ حاول شراء علبة عصير لاحظ غلاء الاسعار وحين بدأ يحتج صده صاحب البقالة وحاول طرده بأستخدام مضرب البيسبول، فيثور ويستولي على المضرب، ويبدأ بتحطيم البضائع غالية السعر، ويبدأ يحتج غاضبا ضد الغبن في حياته ويتحدث عن امور لا يفهمها صاحب البقالة. ويخرج حاملا المضرب بعد ان يشتري شيئا بالسعر المعقول ويدفع ثمنه ويأخذ قطع معدنية للتلفون. حاول الاستراحة اعلى التلة المشرفة على الحي الشعبي، وسرعان ما هاجمه مراهقون من اصحاب العصابات باعتباره جلس وتعدى على صخرتهم التي تحمل علامة عصابتهم، وقرروا عقوبته بسلبه حقيبته، لكنه دافع عن نفسه بمضرب البسيبول وطردهم واستولى على سكين احد المهاجمين واحتفظ بها.

ما ان نزل ثانية الى الشارع ووقف عند كشك الهاتف ليحاول تكرار الاتصال بطليقته حتى هاجمته عصابة المراهقين وهذه المرة مزودين بالاسلحة النارية لكنهم يخطأونه ويرتكبون حادثا بالسيارة التي يستقلونها، فيستولي على حقيبة معهم محملة بمختلف انواع الاسلحة ويقتل احد الجرحى. ويواصل طريقه بأتجاه بيته، مخترقا ضواحي شوارع لوس انجلس، لكن المفارقات لا تنتهي في يومه العصيب ،فحين رغب بتناول فطوره يجد ان مطعم الوجبات السريعة وبفارق ثلاث دقائق توقف عن تقديم وجبة الفطور ليقدم وجبة الغداء، فيصر على وجبة الفطور، ويحاول ان يتناولها تحت تهديد السلاح، ويكتشف الغش في عمل المطاعم، الفارق بين ما يقدمونه للزبائن وما يعلنون عنه. ويواصل الاحتجاج والحديث عن ازمته وأشياء لا يفهمها من يستمع له.

في خط متواز مع جولة وليم فوستر في المدينة نرى الشرطي الذي يعيش يوم خدمته الاخير وفي طريقه للتقاعد المبكر بسبب من ضغوطات زوجته المريضة. لعب دور الشرطي الممثل المتألق دوما روبرت دوفال (مواليد1931) ، ونراه كيف يعاني من بيروقراطية مديره ، الذي لا يقيم جيدا امكانياته التحقيقية ، فيربطه الى وظيفة مكتبية، وبعد خدمة خمسة عشر عاما نرى ان مديره لا يعرف شيئا عن حياة الشرطي أن كان متزوجا ام لا ، ولا يعرف انه سبق وان فقد ابنته حين دهسها سائق مخمور، فيكون الحادث سببا لمرض زوجة الشرطي النفسي، والتي يحبها ويحرص على تلبية كل طلباتها حتى الغريبة منها، مثلا ان يغني لها بالتلفون وهو في ساعات العمل في مركز الشرطة. الشرطي يربط بمهارة خيوط الاحداث ببعضها، التي وصلت عنها شكاوي الى المركز.

كان الشرطي متواجدا عند مشهد الأفتتاح وازدحام السيارات حين ترك وليم فوستر سيارته وصرخ انه ذاهب الى البيت، وتذكر انه كان يرتدي ملابس موظفي الشركات الرسمية، قميص بنصف كم وربطة عنق زرقاء، وهو نفس الوصف الذي قدمه، صاحب المتجر الكوري الذي اتهم فوستر بسرقة عصا البيسبول وتحطيم بضائعه، وافادت احد الفتيات المرافقات للمراهقين بنفس الوصف مع القول انه دافع عن نفسه بعصا البيسبول، وانه ترك المراهقين القتلى في سيارتهم بعد ان استولى على اسلحتهم التي دخل مطعم الوجبات السريعة مصطحبا اياها معه. تم تحديد مساره وتم تحديد هويته من خلال سيارته وعلامة لوحتها 'D-Fens' التي صارت اسما له، وبذكاء يقدم لنا الفيلم هنا رؤية نقدية لحال الانسان في المجتمع الراسمالي فهو هنا مجرد شيء، كنية او مجرد رقم .

يواصل وليم فوستر رحلته، ومن الطرف الثاني لأحد الشوارع يقف يتابع موظفا ، يرتدي نفس ملابسه تماما، يقف عند باب احد البنوك ، متظاهرا، محتجا لوحده ضد السياسة البنكية في منح القروض فتعتقله الشرطة هو ولافتته، وقبل ان تختفي سيارة الشرطة يمد المعتقل رأسه من الشباك ويصرخ بوليم فوستر : تذكرني ! ، واذ يصل الشرطي وشريكته باحثين عنه لمكان تواجده، يدخل فوستر محلا لبيع الاحذية. حين جلس فوستر يستريح اعلى التلة مراقبا المدينة، فحص حذائه فوجده مثقوبا، فوضع فيه بعض الصحف لسد الثقب ، وفي واحدة من مشاهد الفيلم المعبرة، وهو يفحص حذائه نراه ينظر للمدينة من ثقب حذائه ويتابع الضباب والغبار يغطي المدينة. في محل بيع الاحذية يساعده صاحب المحل على التخفي عن الشرطة التي تبحث عنه ، كان قد لمح الاسلحة في حقيبته ، فظنه مثله، من صنفه. يكتشف فوستر ان صاحب محل الاحذية، نازي ويعلق في خلفية المحل صور هتلر وشعارات نازية ضد الملونيين والمهاجرين ، ويسأله لماذا ساعدتني فيخبره النازي: لاننا متشابهان فيصرخ به : "لسنا متشابهان، انا اؤدي وظيفتي في صنع اسلحة للدفاع عن وطني وانت حمار"، ويقتله بعد صراع، ويغير ملابسه ويرتدي بدلة عسكرية وجدها هناك . واذ يترك النازي القتيل، يأخذ معه من اسلحة النازي هذه المرة قذيفة بازوكا اضافة لحقيبة الاسلحة ويحاول سلك طريق المترو فيمنعوه لان هناك تصليحات ، وتحت تهديد السلاح يقر احد العاملين ان لا مشكلة في نفق المترو وان الشركة تنفذ اعمالا ترميمية وهمية لاجل ضمان الحصول على مدفوعات، فيوجه قذيفة البازوكا لمعدات الشركة ويفجر كل شيء.

 

* المدى العدد رقم (3351) بتاريخ 2015/04/30

 

دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية .. فيلم "السقوط " أنموذجاً ! (1 ــ 3)




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter