| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 

 

 

 

 

الجمعة 21/7/ 2006

 

 

حكومة انقاذ وطني ، أم ... أنقلاب ؟
 


يوسف ابو الفوز

الاوضاع في العراق لا تسر احدا . انفلات امني مخيف . فوضى شاملة . فساد اداري مريع . سياسيون بدون حولة ولا قوة . حكومة شبه عاجزة . ميليشيات طائفية مستهترة . نزيف الدم اليومي يخلق حالة من الخوف والرعب تشل قدرة المواطن عن التفكير السليم فلا يجيد سوى محاولة النجاة بنفسه وعائلته . قوات الاحتلال تتفرج على حال يخدم بشكل جيد ستراتيجيتها في المنطقة . تدهور الاوضاع يصب فقط لصالح انصار الديكتاتورية المقبورة وحلفائهم التكفيرين ، ومنتهزي الفرص والفوضى الجاهزين للنهب والاثراء على حساب ثروة الوطن ومستقبل المواطن البسيط ، الضحية الاولى لما يجري .
وسط كل هذا يثار الحديث هنا وهناك ، بخجل او بصوت عال ، في بعض وسائل الاعلام ، وفي اوساط بعض السياسين ، وفي بعض اوساط الشارع العراقي ، عن فكرة حاجة العراق الى تشكيل حكومة انقاذ وطني ، انطلاقا من امل ان هذه الحكومة ربما تكون هي الحل الذي يمكن ان يخرج بالعراق من حافة الهاوية التي يقود اليها الفلتان الامني ، والاحتقان الطائفي ومسلسل الفساد المريع ، الذي ينخر جسم الدولة ويشل فعاليتها ، وتعدد المليشيات المنفلتة خارج اطار اي قانون ، وايقاف مسلسل الدم اليومي في ساحات وشوارع الوطن الذي صار فيه المواطن ينتظر اي حل يمكن ان يفتح له ولو كوة امل في هذا النفق المظلم .
لكن من الضروري القول هنا ، والتذكير ، بأن العراق الان ، ووسط دوامة الاحتقان السائدة ، هو امس الحاجة الى تعزيز العملية السياسية الديمقراطية ، التي يمكن ان تواصل العمل الجاد في عملية المصالحة الوطنية وخلق اجواء تعاون وتوافق وتعزيز دور الدولة والقانون ، وليس الانقلاب على الممارسة الديمقراطية وما تحقق من نتائج ايجابية ، ونسف العملية الدستورية تحت ستار الخروج من الازمة التي تهدد بكارثة . ان تعزيز العملية الديمقراطية يتطلب تفعيل مجلس النواب ليكون المرجعية الاساسية الحقيقية للعملية السياسية وياخذ دوره الحقيقي والمباشر في توجيه العملية السياسية . من الواضح تماما لكل متابع محايد ، من ان الحكومة العراقية الحالية ، التي شكلت وفق الاستحقاقات الانتخابية ، باعتبارها حكومة وحدة وطنية ، هي بالحقيقية لا تمتلك روح الكمال في كونها حكومة " قوس قزح " وطني متكامل الالوان والاطياف فهناك العديد مما يمكن قوله لغير صالح هذه الحكومة ، ولكنها مع كل ما يمكن قوله من الملاحظات الصحيحة ، فانها تبقى حكومة شرعية حضيت بثقة مجلس النواب الشرعي ، وقدمت برنامجا اقر ونال الثقة من مختلف الكتل السياسية . وعليه فالحكومة الشرعية الحالية بحاجة للدعم المباشر والواضح من قبل كل الاطرف السياسية ، ويتطلب دعم العملية السياسية ونشاط الحكومة وفقا للبرامج والالتزامات التي اقرت رسميا . ولمحاولة تجاوز ما يقال عن روح المحاصصة التي سادت اثناء تشكيل الحكومة وتركت بصماتها عليها ، يتطلب وبدون ابطاء تفعيل مجلس الوزراء للحكومة العراقية كمحاولة لتجاوز التناقضات التي تحملها معها .
ان العراق الان ليس بحاجة الى حكومة انقاذ وطني ، فانها لن تكون اكثر من انقلاب واضح الشكل وصريح على العملية السياسية الديمقراطية ، التي ناضلت غالبية الاحزاب السياسية الوطنية من اجلها . ان بناء دولة ديمقراطية حديثة لا يمكن ان يتم من خلال نسف العملية الديمقراطية واجهاضها . ربما يظن البعض ان حكومة الانقاذ الوطني ، ستساهم في ايقاف التدهور الامني ، لكن يغيب عن البال ان مقومات حكومة الانقاذ الوطني لا تتوفر في العراق حاليا ، اذ لا يوجد لدينا مؤسسة عسكرية ، قوية ومستقلة ، حتى يمكن للقوى السياسية ان تتحالف معها لتشكيل هذه الحكومة ، فهل يتم التحالف مع القوات الاجنبية المتعددة الجنسية لتشكيل حكومة الانقاذ الوطني المطلوبة ؟ اي شكل مريع وساخر من حكومة انقاذ وطني هذا ؟
ان نظرة سريعة الى تجارب الشعوب ، يجب ان ترشدنا وتحذرنا ، وتجعلنا نمتنع عن التفريط بما حققناه من خطوات صحيحة في المسيرة الديمقراطية ، بالرغم من كل الملاحظات الصحيحة عليها والسلبيات التي صاحبتها ، وبالرغم من كل التدهور في الوضع الامني ، الذي يأتي كنتيجة منطقية للصراع السياسي القائم بحكم طبيعة بعض من الاحزاب السياسية العراقية ، التي للاسف نجد ان اجندتها تترتبط بشكل مباشر بأجندة قوى اقليمية في المنطقة تريد ان تحول العراق الى ساحة صراع لتصفية حسابتها مع بعض الاطراف الدولية . وعلينا ايضا ان نواجه بقوة وحزم ، من يستهين بقدرات شعبنا العراقي ، ويتستر بدعاوى ان شعبنا العراقي غير مؤهل لممارسة الديمقراطية ، ومن يتعكز بالقول ان النخب السياسية الحالية غير مؤهلة لبناء الديمقراطية بحكم نوعية اجندتها ، ومن الافضل الانقلاب عليها بحكومة انقاذ وطني تاتي بسلطة مركزية ، فهذا ليس الا دعوة صريحة لعودة الديكتاتوريات باشكال جديدة .

سماوة القطب
20 تموز 2006