موقع الناس http://al-nnas.com/
حكومة انقاذ وطني ، أم ...
أنقلاب ؟
يوسف ابو الفوز
الاوضاع في العراق لا تسر احدا . انفلات امني
مخيف . فوضى شاملة . فساد اداري مريع . سياسيون بدون حولة ولا قوة . حكومة شبه
عاجزة . ميليشيات طائفية مستهترة . نزيف الدم اليومي يخلق حالة من الخوف والرعب تشل
قدرة المواطن عن التفكير السليم فلا يجيد سوى محاولة النجاة بنفسه وعائلته . قوات
الاحتلال تتفرج على حال يخدم بشكل جيد ستراتيجيتها في المنطقة . تدهور الاوضاع يصب
فقط لصالح انصار الديكتاتورية المقبورة وحلفائهم التكفيرين ، ومنتهزي الفرص والفوضى
الجاهزين للنهب والاثراء على حساب ثروة الوطن ومستقبل المواطن البسيط ، الضحية
الاولى لما يجري .
وسط كل هذا يثار الحديث هنا وهناك ، بخجل او بصوت عال ، في بعض وسائل الاعلام ، وفي
اوساط بعض السياسين ، وفي بعض اوساط الشارع العراقي ، عن فكرة حاجة العراق الى
تشكيل حكومة انقاذ وطني ، انطلاقا من امل ان هذه الحكومة ربما تكون هي الحل الذي
يمكن ان يخرج بالعراق من حافة الهاوية التي يقود اليها الفلتان الامني ، والاحتقان
الطائفي ومسلسل الفساد المريع ، الذي ينخر جسم الدولة ويشل فعاليتها ، وتعدد
المليشيات المنفلتة خارج اطار اي قانون ، وايقاف مسلسل الدم اليومي في ساحات وشوارع
الوطن الذي صار فيه المواطن ينتظر اي حل يمكن ان يفتح له ولو كوة امل في هذا النفق
المظلم .
لكن من الضروري القول هنا ، والتذكير ، بأن العراق الان ، ووسط دوامة الاحتقان
السائدة ، هو امس الحاجة الى تعزيز العملية السياسية الديمقراطية ، التي يمكن ان
تواصل العمل الجاد في عملية المصالحة الوطنية وخلق اجواء تعاون وتوافق وتعزيز دور
الدولة والقانون ، وليس الانقلاب على الممارسة الديمقراطية وما تحقق من نتائج
ايجابية ، ونسف العملية الدستورية تحت ستار الخروج من الازمة التي تهدد بكارثة . ان
تعزيز العملية الديمقراطية يتطلب تفعيل مجلس النواب ليكون المرجعية الاساسية
الحقيقية للعملية السياسية وياخذ دوره الحقيقي والمباشر في توجيه العملية السياسية
. من الواضح تماما لكل متابع محايد ، من ان الحكومة العراقية الحالية ، التي شكلت
وفق الاستحقاقات الانتخابية ، باعتبارها حكومة وحدة وطنية ، هي بالحقيقية لا تمتلك
روح الكمال في كونها حكومة " قوس قزح " وطني متكامل الالوان والاطياف فهناك العديد
مما يمكن قوله لغير صالح هذه الحكومة ، ولكنها مع كل ما يمكن قوله من الملاحظات
الصحيحة ، فانها تبقى حكومة شرعية حضيت بثقة مجلس النواب الشرعي ، وقدمت برنامجا
اقر ونال الثقة من مختلف الكتل السياسية . وعليه فالحكومة الشرعية الحالية بحاجة
للدعم المباشر والواضح من قبل كل الاطرف السياسية ، ويتطلب دعم العملية السياسية
ونشاط الحكومة وفقا للبرامج والالتزامات التي اقرت رسميا . ولمحاولة تجاوز ما يقال
عن روح المحاصصة التي سادت اثناء تشكيل الحكومة وتركت بصماتها عليها ، يتطلب وبدون
ابطاء تفعيل مجلس الوزراء للحكومة العراقية كمحاولة لتجاوز التناقضات التي تحملها
معها .
ان العراق الان ليس بحاجة الى حكومة انقاذ وطني ، فانها لن تكون اكثر من انقلاب
واضح الشكل وصريح على العملية السياسية الديمقراطية ، التي ناضلت غالبية الاحزاب
السياسية الوطنية من اجلها . ان بناء دولة ديمقراطية حديثة لا يمكن ان يتم من خلال
نسف العملية الديمقراطية واجهاضها . ربما يظن البعض ان حكومة الانقاذ الوطني ،
ستساهم في ايقاف التدهور الامني ، لكن يغيب عن البال ان مقومات حكومة الانقاذ
الوطني لا تتوفر في العراق حاليا ، اذ لا يوجد لدينا مؤسسة عسكرية ، قوية ومستقلة ،
حتى يمكن للقوى السياسية ان تتحالف معها لتشكيل هذه الحكومة ، فهل يتم التحالف مع
القوات الاجنبية المتعددة الجنسية لتشكيل حكومة الانقاذ الوطني المطلوبة ؟ اي شكل
مريع وساخر من حكومة انقاذ وطني هذا ؟
ان نظرة سريعة الى تجارب الشعوب ، يجب ان ترشدنا وتحذرنا ، وتجعلنا نمتنع عن
التفريط بما حققناه من خطوات صحيحة في المسيرة الديمقراطية ، بالرغم من كل
الملاحظات الصحيحة عليها والسلبيات التي صاحبتها ، وبالرغم من كل التدهور في الوضع
الامني ، الذي يأتي كنتيجة منطقية للصراع السياسي القائم بحكم طبيعة بعض من الاحزاب
السياسية العراقية ، التي للاسف نجد ان اجندتها تترتبط بشكل مباشر بأجندة قوى
اقليمية في المنطقة تريد ان تحول العراق الى ساحة صراع لتصفية حسابتها مع بعض
الاطراف الدولية . وعلينا ايضا ان نواجه بقوة وحزم ، من يستهين بقدرات شعبنا
العراقي ، ويتستر بدعاوى ان شعبنا العراقي غير مؤهل لممارسة الديمقراطية ، ومن
يتعكز بالقول ان النخب السياسية الحالية غير مؤهلة لبناء الديمقراطية بحكم نوعية
اجندتها ، ومن الافضل الانقلاب عليها بحكومة انقاذ وطني تاتي بسلطة مركزية ، فهذا
ليس الا دعوة صريحة لعودة الديكتاتوريات باشكال جديدة .
سماوة القطب
20 تموز 2006