|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  8  / 12 / 2014                                 علي فهد ياسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المنطقة الخضراء عاصمة الفضائيين

علي فهد ياسين

قد يكون ملف (الفضائيين) الذي فتحه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، أخطر الملفات التي تواجه حكومته بعد ملف (داعش) ، لأسباب عديدة ، أهمها أرتباط الملف بدخول عصابات (داعش) وتمددها داخل الأراضي العراقية ، وما نتج ولازال عن ذلك من جرائم خطيرة وخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة منذ سقوط الدكتاتورية ، اضافة الى مسؤولية أحزاب السلطة (بما فيها حزبه) عن هذا الملف تحديداً ، لأن القائمين عليه لابد أن يكونوا في مراكز القرار ، أو مخولين منهم .

تعريف (الفضائي) في هذا الملف ، هو (الوهمي) غير الموجود ، وهو بمستويين ، الأول أن تكون جميع الوثائق الدالة عليه (مزورة) ، أي أنه غير موجود أصلاً ، والثاني هو المُعّين بوثائق حقيقية ، لكنه لا يؤدي عملاً في موقعه الوظيفي ، وفي كلتا الحالتين تكون رواتب هؤلاء قانوناً هي أختلاس للمال العام ، ناهيك عن التداعيات الخطيرة لوجودهم على كل المستويات ، ومنها الملف الأمني الذي لازال الشعب يدفع ضرائبه الباهضة منذ عشرة أعوام .

لقد كشف أحتلال الموصل وتداعياته الى الآن هذا الملف المسكوت عنه منذُ سنوات ، بعد انهيار غير مسبوق لقطعات الجيش العراقي في المدينة وحولها ، لم يحدث على مدى تأريخ العسكرية العراقية المشهود لها بالمهنية العالية منذُ تأسيس الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني عام 1921 ، ومهما تكن ظروف وتبريرات هذا الانهيار الغريب من قبل القائمين على القرار السياسي والعسكري ، فأن أخطرها جميعاً هو ضعف (أُسس) بناء الجيش الجديد وأساليب أدارته ومتابعة تفاصيل أدائه وتجهيزه وبرامج تدريبه ونوعية ومهنية قادته ، حتى جاءت أخطر نتائجه ظاهرة (الفضائيين) التي أطاحت بهيبة الجيش وعموم المؤسسة الامنية والحكومة التي تديرها .

لكن المتابع للشأن العراقي خلال العقد الماضي وقبل (فضيحة داعش) ، لابد أن يكتشف أن (الفضائيين) في المؤسسة الأمنية يمثلون جزء من (جمهورية الفضائيين) التي هي الجمهورية الرديفة لـ (جمهورية العراق) ، هياكلها موجودة في جميع الوزارات والمؤسسات العراقية ، وفروعها في جميع المحافظات ، ولها تمثيل معروف ومؤثر في السفارات العراقية بالخارج ، وعاصمتها هي المنطقة الخضراء في بغداد .

أذا كان عدد (الفضائيين) الذي أعلنه رئيس الوزراء (50) خمسون ألفاً في (4) أربع فرق في الجيش العراقي من مجموع (17) فرقة ، وأذا أُضفنا لهم رقماً (متواضعاً) في باقي الفرق العسكرية هو (50) الفاً ، فأن تكاليف هؤلاء (النخبة المخزية) ستتجاوز المليارات شهرياً ، قبل أن نضيف لها (أقرانهم) في الشرطة وباقي الأجهزة الامنية وباقي مؤسسات الدولة ، لنصل الى تفسير لا يقبل الجدل لمنافذ تبديد المال العام خلال السنوات الماضية ، قبل أن نضيف اليه قوائم الاختلاس والسرقات المعلن عنها في ملفات النزاهة ، التي قام بها وزراء ومتنفذون منتمون لأحزاب السلطة ، وصولاً الى قناعة ربما تكون عامة للعراقيين هي (لو تم القضاء على ظاهرة الفضائيين في مهدها ، لكانت ميزانية العراق أنفجارية منذ سنوات) (*).

لكن الأخطر هو وجود (الفضائيين المنتخبين) ، هؤلاء الذين تناوبوا على كراسي البرلمان العراقي والمواقع التنفيذية والقانونية خلال الدورات الانتخابية منذ سقوط الدكتاتورية البغيضة ومازالوا يتبادلون المواقع فيها ، دون أن ينجزوا واجباتهم الدستورية في أنقاذ الشعب العراقي من مأساته المستمرة منذ نصف قرن ، وقد تقاضوا رواتبهم وأمتيازاتهم وفق قوانين شرّعوها لأغراضهم الشخصية والفئوية والحزبية ، وتناسوا شعاراتهم وخطبهم وأدبيات أحزابهم التي سوّقوها للشعب قبل وصولهم لمواقع السلطة ، هؤلاء لا يختلفون عن أصل مفهوم (الفضائيين) في أن وجودهم كان ولا يزال بوثائق وطرق قانونية ، لكنهم لم يقوموا بواجباتهم التي حددها القانون ، وليس أدل على ذلك من أن البرلمان العراقي الجديد قد أعاد الى الحكومة قبل اسابيع ، وفي هذا الوقت العصيب (400) أربعمائة قانون كانت أرسلتها الحكومات المتعاقبة للبرلمان خلال دوراته المتتالية ، دون أن ينجز منها قانوناً واحداً ، ناهيك عن توافق هؤلاء (الفضائيين المنتخبين) على عدم مناقشة قوانين مهمة للعراقيين ، مثل قوانين (الأحزاب والنفط والغاز والتعداد العام للسكان والمناطق المتنازع عليها) والقوانين الأخرى التي كانت ستغير من الاوضاع المتردية التي يعيشها العراقيون ، لكنهم أنجزوا قوانين هامشية مثل تصديق الاتفاقيات مع البلدان الأخرى وقوانين الايفادات والمخصصات وغيرها من القوانين التي لا تهم المواطن العراقي المفجوع بمصائبه منذ عقود .

اذا كانت خطوة رئيس الوزراء العراقي في فتح ملف (الفضائيين) هي أوسع وأجرأ خطواته المتلاحقة في تغيير الأداء لمنصبه التنفيذي ، وقد لاقت مثل كل خطواته التي سبقتها ، تأييداً ومساندة من الشعب العراقي ولاقت استحساناً وتفاعلاً من المحيط الاقليمي والدولي ، فأن خطورة نتائجها تتطلب منه قرارات لاحقة تؤكد منهجه المستهدف تصحيح مسار الحكومات التي سبقت حكومته ، وصولاً الى تحقيق الاهداف التي تخدم الشعب الذي ضحى ولازال من أجل حياة كريمة يستحقها ، لكن صعوبة ذلك تتمثل في أن (فرسان) الفضائيين وقادتهم هم جميعاً من جيرانه في المنطقة الخضراء ، ومن أذرعهم الفاعلة في هياكل الدولة في الوزارات وادارات المحافظات ، فهل يختار الرجل شعبه في صراعه معهم قبل منصبه وحزبه ليكون مثالاً للوطنية الحقيقية التي سبقه اليها عراقيون لازالوا وسيبقون في ذاكرة الشعب كما نتمنى له ذلك وندعمه ؟ ، أم ستلفه رياح المنطقة الخضراء (عاصمة الفضائيين) بعباءة المقبولية والتوافق التي أطاحت بسمعة وتأريخ الكثير من رفاقه السابقين ؟ .

نقولها للتأريخ ، أنها فرصة نادرة توفرت الآن لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، بعد عقد من الاداء السياسي الهزيل لكل نخب الاحزاب التي قادت البلاد من المنطقة الخضراء وتوابعها في المحافظات ، وخاصة الحزب الذي ينتمي اليه ، وهي بتوقيتها ودلالاتها وتأثيراتها اللاحقة ، ستصنع مجداً نوعياً للرجل ولتأريخه وتأريخ حزبه ، أذا أصر على كشف ومحاسبة كل الرؤوس المافيوية التي خططت ونفذت وأدارت وأغتنت من ملف (الفضائيين) ، لأن نتائج هذا الملف الخطير كانت مدفوعة أثمانها من دماء العراقيين وتطلعاتهم وأمانيهم بالحياة الآمنة والكريمة لهم ولأجيالهم اللاحقة ، وهي فواتير موجبة الدفع منه في هذا المنصب التنفيذي للشهداء العراقيين جميعاً ، قبل الأحياء منهم الذين أنهكتهم الأفعال المشينة للدجالين والوصوليين والمزورين والقتلة ، وبعكسه سيضاف الى قائمة لا تليق بالوطنية العراقية التي يعرفها هو وعموم الشعب .


*
عبارة كتبها الصديق الفنان التشكيلي ( علي الجنوبي ) في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) اليوم ، وكانت حافزاً لكتابة هذا المقال ، له خالص شكري وأعتزازي .




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter