|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  29  / 11 / 2014                                 علي فهد ياسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مقارنة بين حارس الوطن وحارس الرئيس ..!

علي فهد ياسين

في كل مرة يصل فيها الى مسامع العراقيين فعلاً مشرفاً لأحد أبنائهم النجباء ، تستدعي ذواكرهم قوائم طويله من أسماء الفاسدين الذين يخوضون في برك الوحل التي تحوّلت الى بحيرات ، بفعل حماتهم من العناوين العريضة التي تصدّرت أحزابها وكتلها المشهد السياسي بعد سقوط الدكتاتورية البغيضة ، في مقارنة واجبة لكفتي ميزان الوطنية الذي لا يقبل الخطأ على مدى التأريخ .

فقد أعلن وزير السياحة والآثار العراقي السيد ( عادل فهد الشرشاب ) في مؤتمر صحفي في مدينة الناصرية يوم الأحد الماضي (23 / 11 / 2014) ، على هامش افتتاحه معهد السياحة والفندقة في المحافظة ، أن الحارس في موقع أور الأثري (ضايف محسن) , أبلغ الجهات المختصة قبل أيام عن عثوره على (لوح أثري من الرخام الأبيض يجسد اله الشمس في الحضارة السومرية ، ويعود الى العام 212 قبل الميلاد) ، وعلى اثره قامت مفتشية آثار ذي قار بانتشال اللوح ونقله الى متحف الناصرية .

اذا كان هذا الفعل الذي قام به السيد (ضايف محسن) طبيعياً في البلدان الأُخرى ، فأنه في عراق اليوم يمثل صورة مضيئة أمام لوحة عريضة من أفعال (نهب الآثار) التي بدأتها القوات الأمريكية منذُ اليوم الأول لاحتلالها العراق ، ولازالت تُديرها عصابات مافيا منظمة تمتد أصابعها على كامل خارطة العراق ، تسندها في نشاطها دوائر عالمية وذيول محلية باعت ضمائرها وأنتمائها الوطني ، وفضّلت عليها مكاسب مادية لا تمثل نسبةً تُذكر من قيمة تلك الآثار وأهميتها في التأريخ الأنساني .

لقد سبق المحتل الأمريكي الى هذا الفعل المشين المتمثل في سرقة الآثار العراقية أشخاص فاعلون في نظام البعث المقبور خلال سنوات الحصار في مطلع التسعينات ، وفي هذا المجال يبرز الى الصدارة أسم المجرم (أرشد ياسين) المرافق الأقدم للجلاد المقبور (صدام حسين) , الذي كان العنوان الأكبر للمتاجرة بالآثار العراقية في ذلك الوقت ، في مفارقة صارخة وفاضحة بين (مبادئ !) قائده ورئيسه ، التي يُفترض أنها مؤسسة على تمجيد التأريخ والتراث ، وبين السلوك المخزي في (بيع رموزه) لأعدائهم المفترضين ! , وهو فعل يمثل نموذجاً للقياس يفضح الادعاءات الفارغة للنظام وفلسفته ، في وقت لم يكن فيه المجرم (أرشد ياسين) بحاجة الى أي نشاط تجاري لتحقيق الثروات ، ناهيك عن المتاجرة بالآثار تحديداً .

الآن يحق لكل عراقي (لم تتلوث سيرته بفعل مضاد لوطنيه) أن يُقارن بين سلوك حارس الآثار في موقع (أُور) السيد (ضايف محسن) وبين حارس الرئيس المقبور (أرشد ياسين) ، (علماً أن عنوان - مرافق الرئيس -  في ذلك العهد كان أعلى درجة يصل لها أحد المرافقين المختارين بأمر من صدام ، وقد تناوب على هذا العنوان ثلاثة من حراسه الشخصيين أصلاً ، هم (صباح مرزا وأرشد ياسين وعبد احميد الذي رافقه الى تأريخ سقوط نظامه) ، ليصل الى نتيجة مفادها ، أن الوطنية لا تُباع ولا تُشترى ، وهي ليست رقماً في البورصة ولا مكسباً في التجارة ، وفرسانها نوعيون وأشراف وأصحاب ذمم نظيفه ، بغض النظر عن عناوينهم الفرعية في تكوين النسيج العراقي ، وليست مرهونة لتواريخ ومواقع جغرافية ، ولا مقتصرة على أعمار وأجناس وعناوين وظيفية ، ولا تعترف بألوان أعلام وأصول عشائرية ولا يفرضها فقر أوغنى ولا يحكمها تحصيل دراسي ومناصب ورتب عسكرية ، بل هي فعل انساني تحكمه الضمائر الحية .

للمفارقة نقول ، أن هذا الفارس الوطني الجميل (حارس الآثار) في موقع أُور ، الذي تناوب على (وظيفته) مُنذ عام (1922) جده ووالده وجاء هو بعدهم مخلصاً ومجتهداً ونظيف الذمه ، هو يحمل شهادة اعداية الصناعة وشهادة الاعدادية بفرعها الأدبي عن طريق الامتحان الخارجي ، وهو قادر على (التفاهم) مع السائحين الذين يزورون الموقع بأربعة لغات هي (الانكليزية والالمانية والفرنسية واليابانية) بفعل عصاميته وحبه لمهنته ومهنة أسلافه ، وهو بخزين المعلومات التي يكتنزها يستحق لقب (دليل سياحي) بأعتراف كل من يعرفه ، كل ذلك ولازال أجيراً بعقد دون تثبيت بعنوان وظيفي يستحقه مُنذ أحد عشر عاما ً ، ولم تبادر مفتشية آثار المحافظة ولا الوزارة الى تقييم قدراته وجهده سعياً الى انصافه !.

تأسيساً على ما تقدم ، ولأننا على يقين من أن هناك الكثير مما فاتنا دون قصد من جهد هذا الانسان الوطني النبيل ، يكون من حقنا وواجبنا أن ندعو السيد وزير السياحة والآثار الاستاذ (عادل فهد الشرشاب) للمبادرة بتكريمه نوعياً ، اضافة الى اعتماد صلاحياته الدستورية لتثبيته وظيفياً بعنوان يتوافق مع مؤهلاته المهنية بعيداً عن السياقات العقيمة التي تحول دون ذلك ، اضافة الى السعي مع القائمين على شؤون معهد السياحة والآثار الذي افتتحه الوزير في الناصرية ، نحو ايجاد صيغة مقبولة لاعتماده (استاذاً محاضراً) في المعهد ، ليكون ذلك حافزاً جديداً له للاجتهاد ، اضافة لما سيقدمه من مساهمة نوعية للجيل الجديد من طلاب المعهد ، خاصة والجميع على يقين بأن تكاليف كل ذلك لا تساوي قطرةً في بحر ما قدمه الرجل الى وطنه على مدى تأريخه وتأريخ عائلته الكريمة ، وسننتظر مبادرةً للوزير يستحقها الحارس الأجير الى الآن السيد (ضايف محسن) .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter