|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 1  / 1 / 2018                                 علي فهد ياسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ديمقراطية الشلغم

علي فهد ياسين
(موقع الناس)

وأنت تتجول في (سوق الخضرة) في مدينتك العراقية، ستلمس بالمطلق واحدة من (بركات) الديمقراطية، حيث اتاحت لك الحكومات المتعاقبة في زمن (الديمقراطية) فرص تذوق المحاصيل الزراعية المستوردة من دول الجوار، ودول اخرى تبعد عن العراق آلاف الكيلومترات، لتقارن بينها وبين المنتجات الزراعية العراقية المفقودة من الاسواق في بلد النهرين، وبلد النفط الذي يوفر لخزينة الدولة مئات المليارات من العملة الصعبة سنوياً .

لم يألف العراقيون على مدى تأريخهم، هذا الاغراق الجارف لاسواقهم بمنتجات زراعية غير عراقية حتى في زمن الحصار، فقد كان ما ينتجونه من (الخضر والفواكه والدواجن والبيض والثروة الحيوانية ومنتجاتها) يسد حاجاتهم اليومية في اقسى الظروف، وكانت اسعارها محكومة باشراف الدولة، تخدم المنتج والمستهلك على حد سواء، وتساهم في ضبط ايقاع الاسواق وتأثيراتها على الاقتصاد، خلافاً لفوضى الاسعار التي تتحكم بها الحيتان المسيطرة على تجارة الاستيراد والتسويق، العابثة بالاسواق العراقية .

الخراب العام في العراق وضمنه في واقع الزراعة، جاء نتيجة طبيعية للادارة الفاشلة للدولة العراقية، بعد اعتماد احزاب السلطة منهج المحاصصة الطائفية، واختارت طواقم ادارة الوزارات والمؤسسات الحكومية من كوادرها بعيداً عن الكفاءة والمهنية، لتضمن مصالحها الحزبية على حساب المصلحة العامة .

لقد ساهمت سياسة اغراق السوق بالمنتجات الزراعية المستوردة في التدهور المستمر للانتاج الزراعي في العراق، بالتوازي مع ضعف التخطيط والدعم المالي الحكومي والتجاوزات الخطيرة على الحصص المائية للمحافظات، التي تتحكم بها الولاءات والعلاقات الشخصية على حساب خطط توزيع المياه المقرة وفق التوقيتات والمناسيب الموسمية في وزارة الري والزراعة ووالوزارات الساندة الاخرى .

ان اعادة الحياة لعراقية أسواق (الخضر والفواكه والمنتجات الزراعية) تتطلب في المقام الأول، تحديد الاستيراد وفق الحاجة الفعلية الحقيقية، والغاء الاعفاءات الكمركية، وتبني منظومة وطنية من التشريعات والبرامج لتطوير الانتاج الزراعي بكل فروعه، ودعم الصناعات الزراعية وحقول الدواجن والثروة الحيوانية، واعتماد الكفاءات العلمية في ادارة المؤسسات، بعيداً عن الولاءات السياسية والطائفية .

من المعيب ان تعلن وزارة الزراعة قبل أيام تحقيق (الاكتفاء الذاتي) من محاصيل (اللهانة والشلغم والشونذر والقرنابيط والخس)، وتعتبره انجازاً تحقق نتيجة دعمها للفلاحين بالبذور والاسمدة والمبيدات والمعدات الزراعية، بعد أن كانت مبالغ استيرادها ضمن قوائم مزاد العملة في البنك المركزي العراقي، وكأنها محاصيل ستراتيجية ..!.

الكرة الآن في ملعب المستوردين لـ (الشلغم واخوانه الأربعة)، يستطيعون رفع دعوة (تظلم) للمحكمة الاتحادية ضد قرار وزارة الزراعة، لتكون سابقة تحسب لهم تحت عنوان (ديمقراطية الشلغم) العراقية ..!.



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter