|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  13  / 1 / 2016                                 علي فهد ياسين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الفاسدون يتجوّلون ..!

علي فهد ياسين
(موقع الناس)

لم يتعرض العراق على مدى تأريخه الحديث الى مخاطرجدية تهدد كيان الدولة برمتها مثلما يتعرض له الآن، ليس فقط في مواجهته للارهاب المسلح (بالرغم من كونه العنوان الأبرز)، انما في خطورة تفشي الفساد الذي تجاوزكل الخطوط الحمراء المعتمدة لمحاربته في العالم، وتحوّل الى (كيان) داخل المؤسسات الرسمية، أدق تنظيماً وأقوى تأثيراً وأعلى سلطةً منها، ليشكل (الدولة العميقة) التي تتحكم بالمال العام، الذي (فاض) في السنوات العشرة الماضية بمناسيب غير مسبوقة، عجزت عن توظيفها الادارات غير الكفوءة التي تشكلت بعد سقوط الدكتاتورية على اسس المحاصصة الطائفية، التي استبعدت الكفاءات واعتمدت الولاءات الحزبية للهيمنة على مؤسسات الدولة.

كانت (الخلطة السياسية الطائفية) بعد الاحتلال نموذج مُعاق لادارة البلاد، خططت له الادارة الأمريكية ونفذته بدءاً من تشكيل (مجلس الحكم)، ثم كتابة الدستور وتمريره على عجل، واجراء انتخابات قبل تصفية آثار جرائم النظام السابق، لتؤسس الى بؤرة صراع في المنطقة الخضراء، توفر لها آليات التحكم بالعراق من خلال قادته الجدد، وهذا ما حصل وحاصل الى الآن، بعد ثلاثة عشر عاماً على سقوط الدكتاتورية.

لقد وفر هذا (التأثيث) الملغوم للمسرح السياسي العراقي من قبل الأمريكيين، الأرضية المثلى لادامة التناقضات بين أطراف السلطة، فكان اخفاق السلطات العراقية الجديدة في تنفيذ تعهداتها للشعب هو العنوان الأبرز الذي فاز به الأمريكيون على حساب العراقيين بامتياز، والفضل في ذلك يحسب للفاسدين الذين تكفلوا بزراعة الفساد ورعايته وقطف ثماره !.

لا تخلو المؤسسات الرسمية في دول العالم من مستويات للفساد، لكن جميع الدول تعتمد تطبيق القوانين الرادعة وتقدم الفاسدين الى القضاء لينالوا جزائهم، الا في العراق يستمر مسلسل الفساد بتصاعد وتحدي للقوانين، وينعم الفاسدون بحماية واسناد من مراكز القرار،التي تتبادل التهم فيما بينها اعلامياً بتوقيتات مدروسة، وتغلق ملفات الفساد بالتوافق حمايةً لمصالحها، ويبقى الفاسدون الكبار يتجولون في مواقع انشطتهم ومدنهم بحرية تامة .

الى الآن لم يُعلن في العراق عن تقديم شبكة فساد (رئيسية) الى القضاء، ولم يتم القاء القبض على (رأس) مهم من رؤوسه، بالرغم من ازدحام رفوف البرلمان وهيئة النزاهة والمحاكم بآلاف الملفات الكبيرة لنهب المال العام التي اتهم بها سياسيون كبار كانوا يديرون وزارات ومؤسسات مهمة في الدولة، وكانت (ومازالت) قرارات القبض عليهم تصدر بعد مغادرتهم للعراق، في مسلسل يدعو للحزن وللسخرية، حين يتجوّل هؤلاء المجرمون في عواصم العالم بحرية مطلقة، ولم تسعى الحكومات العراقية المتعاقبة الى الآن للقيام بجهد حقيقي لاستقدامهم وتقديمهم للمحاكم!.

اذا كان العقاب لا يطال الهاربين خارج البلاد، فما بالك بالفاسدين الموجودين بالداخل، من المسؤولين الحكوميين ومن العناويين غير الرسمية، من اصحاب الشركات الموجودة كياناتها أو الوهمية، تلك التي لم تفي بالتزاماتها في تنفيذ المشاريع، ومن التجار المستوردين للبضائع الفاسدة وغير المطابقة للمواصفات ومن المتهربين من الضرائب وتجار المخدرات والمزورين، ومن على شاكلتهم من اصحاب الضمائر الملوثة، هؤلاء جميعاً كانوا ومازالوا يتجولون في العاصمة والمدن العراقية، ويغادرون العراق ويعودون بحرية تامة، غير مبالين ولا مهتمين ولا خائفين من العقاب، لانهم في الاصل ضمن شبكات فساد مدعومة سياسياً وأمنياً من مراكز القرارالتي تتحكم بالسلطة كما أرادها الامريكيون .







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter