|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  9  / 10 / 2018                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كَبْشٌ أم تيسٌ ؟
(
وفدّيناهُ بذِبحٍ عظيم /
سورة الصافات، الآية 106)

د. عدنان الظاهر
(موقع الناس)

1ـ إبراهيم في التوراة
أكبر خدعة في تأريخ البشر هي أسطورة إبراهيم بن تارحْ أو تارخْ كما جاء الإسم في التوراة، أو آزرْ كما ورد في القرآن.
تدّعي التوراة أنه وُلد في أور الكلدانيين في زمن الملك الجبّار نمرود بن كوش ( ... وأخذ تارحُ أبرامَ ابنهُ ولوطاً بن هاران ابن أخيهِ وساراي كنّته امرأة أبرامَ فخرجوا معاً من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرضِ كنعان فأتوا إلى أرض حاران وأقاموا هناك ... فذهب أبرامُ كما قال له الربُّ ... وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان ... وكان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض. وظهر الربُّ لأبرامَ وقال لنسلك أُعطي هذه الأرض. ... وحدث جوع في الأرض فانحدرَ أبرامُ إلى مصر لأنَّ الجوعَ في الأرض كان شديداً ) (
التوراة ، تكوين، الصفحات 18 و 19 ).

لنتابع مهزلة أصل الدين وكيف نشأ وكيف انتشر ومعه خرافة لا أعظم منها ولا أسخف ولا أشد خطراً على البشرية جمعاء ( ... وقال الربُّ لأبرامَ بعد اعتزال لوط عنه ارفعْ عينيك وانظرْ من الموضع الذي أنت فيهِ شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لأنَّ جميعَ الأرض التي أنت ترى لك أُعطيها ولنسلك إلى الأبد ... قُمْ امشِ في الأرض طولها وعرضها لأني لك أُعطيها /
تكوين، الصفحة 20 ). من هو هذا الرب الذي يكلم خرافة اسمها أبرام ويعقد معه صفقات تسليم أراضي الكنعانيين في فلسطين وغير فلسطين وكافة بلاد الشام وعلى أي أساس ؟ على أساس هذه الخرافة المضحكة قامت دولة إسرائيل وتوسّعت بالحرب والإستيطان وتظلُّ تتوسع بهما كليهما. الكنعانيون هم أصحاب هذه الأراضي الأصليون هم ومعهم أقوام أخرى ذكرتها توراة اليهود ( ... في ذلك اليوم قطع الربُّ مع أبرامَ ميثاقاً قائلاً لنسلك أُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات. القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين / تكوين، ص 23 ).

كيف آمنت البشرية بهذه الخرافات وكيف قبلتها وتمسكت بها منذ ذلك العهد الضارب بالقِدم حتى يومنا هذا ؟ الدين الإسلامي حلقة ثالثة في هذا المسلسل الكوميدي الذي عبر فوق رؤوس الناس وعبر واخترق المسافات وعبث بالعقول وبه قامت حروب وحروب وما زالت تقوم وستبقى حتى تقوم القيامة.

هذا هو أب الأديان طرّاً وهذا هو مؤسس أول دين توحيدي لأنه حطّم أصنام قومه التي هم صنعوها ودعا لعبادة صنم واحد لم يروه ولم يصنعوه ولا عهدَ لهم به على ما يبدو !

أوراليوم ناحية تابعة إلى محافظة ذي قار، أكانت أور في الزمن القديم كلدانية؟ لا أظن ذلك. كانت أور يومذاك سومرية والسومريون ليسوا كلدانيين بل كانوا وما زالوا مجهولي الأصل حسب إجماع كافة المؤرخين. بابل قرب مدينة الحلة كانت كلدانية منذ الملك نبوخذّنُصّر. وعليه فالكلام عن " أور الكلدانيين " كلام فارغ أو في أقل تقدير مشكوك ومطعون فيه. وعليه فحكاية التوراة الخرافية عن أصل ومولد الشخص المدعو إبراهيم لا تصلح أساساً لوجود رجل يُدعى إبراهيم ليكون فيما بعد ـ حسب توراة اليهود ـ مؤسس اول دين توحيدي في حياة البشرية.

إنها أسطورة مكتوبة بإحكام مسبق من أجل تثبيت أقصوصة خرافية تخدم فكرة أنَّ الشرق الأوسط هو مُلكٌ صرف ( طابو ) لبني وذرية إبراهيم من بعده وفق عقد وقّعه إبراهيم مع ربه. فساحت أخيلة وأحلام كتبة التوراة وحركت إبراهيم، المولود في العراق، في كل أرض الشام حتى حرّان ليعود فيزور مصر الفرعونية وحسب العقد أو الميثاق المبرم بين هذا والرب فإنَّ العراق وبلاد الشام " سوريا ولبنان وفلسطين " ومصر التي وطِئتها أقدامُ إبراهيمَ هي ملك صرف لليهود من ذُريّته. أي خبث وأية مؤامرة لم يرَ العباد مثلها وها إنّا نعاني من تطبيقاتها على الأرض في الشرق الأوسط.

الأكثر مدعاة للضحك الممزوج بالبكاء هو أنَّ البشر جميعاً أو أغلبهم صدّقوا أكذوبة إبراهيم وصنفوه نبيّاً بل أول وأب جميع الأنبياء وأول من عبد ربّاً واحداً فأي رب هذا الذي يخترعه رجل مشكوك فيه ولا وجود له على الإطلاق ؟ كيف إذاً تأسست باقي الأديان غير اليهودية وكيف راجت ولقيت الأنصار واتسعت حتى وصلتنا لتقتل منّا ما ومن قتلت وأحرقت من أحرقت وبها قامت إمبراطوريات وبها قامت في زماننا دولة اسمها إسرائيل ؟

2 ـ إبراهيم في القرآن
زاد القرآن أسطورة إبراهيم بهاءً وجلالاً وأضاف لها قدسيّة مُفرطة فإبراهيم هذا رجل مُضادٌّ للنار، لا يحترق بالنار ( ... فما كان جوابُ قومهِ إلاّ أنْ قالوا اقتلوهُ أو احرقوهُ فأنجاهُ اللهُ من النارِ إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقومٍ يؤمنون /
سورة العنكبوت، آية 23 ). ونقرأُ في سورة الأنبياء كلاماً مشابهاً مع خيال سينمائي لا يخلو من مسحة شعرية جميلة ( قالوا حرّقوهُ وانصروا آلهتكم إنْ كنتمْ فاعلين. قُلنا يا نارُ كوني بَرْداً وسلاماً على ابراهيم / الآيتان 67 و 68 ). هذا اختراع علمي جبّار سابق لأوانه أنْ تتحول النار إلى برد وسلام أي تنطفئ وينجو إبراهيم سالماً من نار الحريق. يحترق إبراهيمُ أو لا يحترق تلك مسألة لا أعيرها إلاّ الحد الأدنى من الأهمية ... إنما يمضّني ويشغلني ويثير حميّتي وغيرتي أمر جعل هذا الكائن الخرافي مؤسساً لأول دين توحيدي بل ونبيّاً مسلماً ( ما كان ابراهيمُ يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكنْ كان حنيفاً مُسلماً وما كان من المشركين. إنَّ أولى الناسِ بإبراهيمَ لَلذين اتبعوه وهذا النبيُّ والذين آمنوا اللهُ وليُّ المؤمنين / سورة آل عمران، الآيتان 66و 67 ).

ما هي الحنيفية ومّنْ هم الأحناف؟ تلك مسألة كانت ولم تزل قضية غير محسومة والخلاف حولها ما زال قائماً. لكنْ أنْ يكون الخرافي المدعو إبراهيم رجلاً مُسلماً قبل التبشير بالإسلام ديناً في مكة والمدينة بما لا يقل عن ألفي عام أو أكثر فتلك مسألة لا تستقيم مع قوانين الحياة والطبيعة والمجتمع البشري. لم نسمع ولم نقرأ كلمة الإسلام إلاّ في القرآن .. لا في التوراة ولا في الأناجيل. نقرأُ في سورة البقرة ( وإذْ يرفعُ ابراهيمُ القواعدَ من البيتِ واسماعيلُ ربّنا تقبّلْ منّا إنّكَ أنتَ السميعُ العليمُ. ربَّنا واجعلنا مُسلمينَ لك ومن ذريّتنا أُمّةً مُسلمةً لك وأرِنا مناسكنا وتُبْ علينا إنكَ أنتَ التوّابُ الرحيم /
الأيتان 126 و 127 ).

حتى يعقوب، حفيد إبراهيم، يسألُ أبناءه وهو على فراش الموت ( ما تعبدون من بعدي قالوا نعبدُ إلهكَ وإلهَ آبائكَ إبراهيمَ واسماعيلَ وإسحقَ إلهاً واحداً ونحن له مسلمون /
سورة البقرة، الآية 132 ).

ما كان قصد الرسول محمد من ربطِ ديانة قدامى أنبياء اليهود بدين جديد جاء به وأسماه الإسلام ؟ ولماذا انتسب لإبراهيم كما رأينا في سورة آل عمران ( إنَّ أولى الناسِ بإبراهيمَ لَلذين اتبعوهُ وهذا النبيُّ .. ). قد يقولُ قائلٌ إنَّ محمداً، نبي الإسلام، لكي يُنسب نفسه إلى إبراهيم لا بُدَّ من جعل هذا مُسلماً وهذا منطق وتفسير مقبولان. ما هي حقيقة انتساب محمد لإبراهيم سلالياً ؟ الجواب بسيط : إنَّ اسماعيل ، إبن إبراهيم من زوجته المصرية القبطية أو البربرية هاجر، هو جد العرب في جزيرة العرب وأنَّ محمداً وذويه من ذريّة هذا الجد الأكبر. ربط جيد أحسن الرسول صنعه وينسجمُ مع تسلسل الأحداث وما جاء في خرافات الدين من تفاصيل كثيرة مُملّة قرأناها في كتاب العهد القديم ثم في القرآن. إنه براءة إختراع يستحق عليها محمدٌ جائزة نوبل مُضاعفة عشر مرّاتٍ.

إبراهيم الخُرافي الكذّاب والدجّال والسارق المفتري كان مسلماَ إذاً حسب شهادات وإفادات نبي الإسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ! في سورة البقرة ست عشرة آية ( 123 ـ 139 ) كلها تصبُّ في هذا المصب وتؤكّد هذا المنحى المنحرف والمسئ للدين الإسلامي أصلاً. في القرآن آية نادرة سافرة في وقاحتها وشططها تدّعي أنَّ إبراهيم هو الذي سمّى أتباع محمد مسلمين، في حين لم تذكر التوراة ولا الأناجيل المسيحية كلمة إسلام أو مسلمين أبداً. أختتم هذا الفصل بما ورد في سورة الحج من تأكيد قطعي عالي النبرة يمنحُ إبراهيم شرف تسمية الناس بالمسلمين ( وجاهدوا في اللهِ حقَّ جِهاده وهو اجتباكم وما جعلَ عليكم في الدين من حَرَج مِلّةَ أبيكم ابراهيمَ هو سمّاكم المسلمين من قبلُ وفي هذا ليكونَ الرسولُ شهيداً عليكم وتكونوا شهداءَ على الناس فأقيموا الصلاةَ وأتوا الزكاةَ واعتصموا باللهِ هو مولاكمْ فَنَعمَ المولى ونعمَ النصير /
الحج ، الأية 77 ).

3ـ إبراهيم في الطبري / المجلّد الأول *
سأترك خرافة شخصية إبراهيم ( أبرام في الأصل ) وعلاقته المضحكة بالإسلام لأوجّه وجهي وجهدي لمسألة أخرى تخص علماء وأئمّة تفسير القرآن وهل يستحقون شرف حمل هذه الشهادات والألقاب والرتب العالية في سلّم المعرفة وسبر علوم الدين لغةً وفقهاً وتفسيراً؟ سأتناول عقدة هذه المسألة فيما أختلف فيه (هؤلاء الفطاحل وفلتات الزمان) في تفسير بعض آيات القرآن. وما دام هذا المبحث مختصاً بإسطورة إبراهيم وعلاقته بالإسلام أجد أمامي الطريق سالكاً لأتطرق إلى مسألتين أساسهما واحد : مَنْ مِن أولاد هذا الأبرام كان مرشّحاً للذبح تنفيذاً للرؤيا التي رآها أبرامُ في منامه : إسماعيل أم إسحق ؟ وما كان البديلُ الذي أرسله ربُّ أبرام ليقدّمه هذا قُرباناً للرب لحظةَ أنْ شرع في ذبح ابنه ؟ ورد النص في القرآن ( وفديّناه بِذِبحٍ عظيم /
سورة الصافات، الآية 106 ). شرّق (علماءُ وأحبار التفسير وأكابر الصحابة ) وغرّبوا ولم يتفقوا على تحديد الحيوان الذي أرسله ربُّ إبراهيم ليكون بديلاً من ابنه . أترك موضوع الخلاف بين هؤلاء وغيرهم حول مّن كان المرشح للذبح ومن كان الإبن الأول لإبراهيمَ، إسماعيل أو إسحق لأعود إليه فيما بعد ... لأنصرف إلى مهزلة الخلاف حول تحديد صفة الذِبح العظيم . في سورة الصافات :
[ فلما أسلما وتلّهُ للجبين 102. وناديناهُ أنْ يا إبراهيمُ 103. قد صدّقتَ الرؤيا إنّا كذلكَ نَجزي المُحسنينَ 104 . إنَّ هذا لَهوَ البلاءُ المُبينُ 105. وفديّناهُ بِذِبحٍ عظيمٍ 106 ].

إذا اختلف علماء الدين حول أيٍّ من وَلَدي إبراهيم هو الذبيح ( علماً أنه لم يُذبح ... الذبيح لُغةً تعني المذبوح ... قتيل مقتول ) وأيهما كان الإبن الأول البِكر إسماعيل من هاجر أو إسحق من سارة فلهذه المسألة أكثر من وجهة نظر ولكن ما أهمية أنْ يختلف القوم في ما كان ذلك الحيوان الذي قدّمه الرب ليكون القربان بدل ابن إبراهيم ؟ ما كانت قرابين العرب وسواهم من الأمم في ذلك الزمن السحيق؟ كان الكنعانيون يذبحون الإبن البِكر الذكر قرباناً لألهتهم بعل. أقام إبراهيم ، كما تقول الأسطورة، بين الكنعانيين في بلاد الشام ولا يُستبعد أنه تعلّم منهم وأخذ هذا التقليد كما تعلّم الختان من فراعنة مصر وقد عاش في مصر معهم ردحاً من الزمن.

فلنتابع ما عرض الطبري في كتابه من أقوال واجتهادات لا تخلو من طرافة وإنْ خلت من الجديّة والوجاهة. أضع هذه الإجتهادات مُسلسلة مع مّنْ قطع في نوع هذا القربان :
1ـ عبد الله بن عبَاس / كبش ... خرج من الجنة قد رعاها قبل ذلك أربعينَ خريفاً .. وإنَّ رأس الكبش لمُعلّقٌ بقرنيهِ في ميزاب الكعبة.
2ـ عن عليّ عليه السلام / كبش أبيض أقرن أعين مربوط بسمر في ثبير.
3 ـ عن ابن عبّاس / الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام هو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتُقبّل منه.
4ـ عن سعيد بن جُبير / كان الكبش الذي ذبحه إبراهيم رعى في الجنّة أربعين سنة وكان كبشاً أملح صوفه مثل العِهن الأحمر ! [ كيف جمع الأملح والأحمر ؟ ]
5ـ عن ابن عباس / كان وعلاً .
6 ـ ... عن الحسن / ما فُديَ إسماعيلُ إلاّ بتيس كان من الأروى أُهبطَ عليهِ من ثبير .

ما رأي القرّاء الكرام ؟ مَنْ مِنْ هؤلاء السادة من علماء التفسير عايش إبراهيم وعاصر ما وقع في ذلك الزمان من أحداث ؟ مَن منهم رأى ذلك الحيوان حتى عرفوا لون صوفه وسعة عينيه ورأى قرونه ؟ كيف عرفوا أنه رعى في الجنة أربعين عاماً وهل في الجنة حيوانات ترعى أم رجال مؤمنون وحورٌ عين وولدان مخلّدون ؟ ما كان يأكل هذا الكبش في الجنة ؟ هناك تكهّن متواضع مؤدّاه أنَّ أضاحي عيد الأضحى لدى مسلمي اليوم، الخراف، هي امتداد للتقليد القديم. وتأسيساً على هذا يُمكن التكهن أنَّ قربان إبراهيم كان خروفاً لا تيساً من تيوس الجنّة ولا وعلاً ولا إروى.

مَنْ هو الذبيحُ ... إسماعيلُ أو إسحق ؟
للإجابةِ على هذا السؤال أرى أنْ نعرف مَنْ كان الأول مولداً من بين هذين الأخوين غير الشقيقين. ليس واضحاً حسب التوراة منْ كان المولود الأول لإبراهيم ولكن يمكن المجازفة بالقول إستنتاجاً إنَّ إسماعيل كان الأول بدليل أنَّ زوج إبراهيم سارة، وهي أخته لأبيه، كانت عاقراً لذا زوّجته جاريتها المصرية القبطية أو البربرية ، هاجر، فأنجبت هذه ولداً ذَكَراً لم تعرّفه التوراة بإسم .. لم تسمهِ إسماعيل . أما القرآن فقد ذكره مرّاتٍ عدّة وجاء ذِكره قبل إسحق في كافة المرات عدا مرة واحدة جاء فيها اسم إسحق قبل إسماعيل. لماذا تجاهلت توراة اليهود هذا الحدث وهي تذكر أنَّ المصرية قد أنجبت لزوجها إبراهيم ولداً. في التوراة دليل، وقد يبدو للبعض ضعيفاً، أنَّ إسحق، وليد سارة، كان المولود الثاني لإبراهيم ( وافتقدَ الربُّ سارةَ كما قال وفعل الربُّ لسارةَ كما تكلّمَ فحبلتْ سارة وولدتْ لإبراهيم ابناً في شيخوخته في الوقت الذي تكلم اللهُ عنه. ودعا إبراهيمُ اسم ابنه المولود له الذي ولدته سارةُ إسحق. وختنَ إبراهيمُ إسحقَ ابنه وهو ابن ثمانية أيام كما أمره اللهُ. .... ورأت سارةُ ابنَ هاجرَ المصرية الذي ولدته لإبراهيمَ يمزحُ فقالت لإبراهيمَ اطردْ هذه الجارية وابنها لأنَّ ابنَ هذه الجارية لا يرثُ مع ابني إسحق /
سفر تكوين، الصفحتان 30 و 31 ). إبن هاجر لا يرث أبيه ! هذه بداية الخلاف بين اليهود من نسل إسحق وابنه يعقوب من جهة والعرب من نسل اسماعيل ابن هاجر المصرية الذي تزوج من فتاة عربية من آل جُرهم بعد أنْ تركهما إبراهيم بوادٍ غير ذي زرع !

هل يصلح بعض ما جاء في القرآن دليلاً قاطعاً بخصوص ثنائية إسماعيل ـ إسحق ... مَن الأولُ ميلاداً مثلاً ؟ نجد في القرآن ست آيات في الأقل يأتي فيها ذِكْرُ ابراهيم ثم إسحاق ويعقوب ولا من ذكرٍ لإسماعيل :
1 ـ وامرأتهُ قائمةٌ فضحكتْ فبشّرناها باسحق ومن وراءِ إسحاق يعقوبَ /
سورة هود، الآية 70
2 ـ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللهِ وهبنا له إسحاق ويعقوبَ وكُلاًّ جعلنا نبيّا /
سورة مريم، الآية 48
3 ـ ووهبنا له اسحاقَ ويعقوبَ كُلاًّ هدينا ونوحاً هدينا .... /
سورة الأنعام، الآية 83
4 ـ ووهبنا له إسحاقَ ويعقوبَ وجعلنا في ذُرّيتهِ النبوّةَ والكتابَ وآتيناهُ أجرهُ في الدنيا وفي الآخرةِ لَمِن الصادقين /
سورة العنكبوت، الآية 26 .
5 ـ وبشّرناهُ بإسحاق نبيّاً من الصالحين. وباركنا عليهِ وعلى إسحاقَ ومن ذريتهما مُحسنٌ وظالمٌ لنفسهِ مُبين /
سورة الصافات، الآيات 111و 112
6 ـ واتّبعتُ مِلّةَ آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ ما كان لنا أنْ نُشركَ باللهِ من شئٍ .... /
سورة يوسف، الآية 27 .
7 ـ ووهبنا إسحاقَ ويعقوبَ نافلةً وكُلاًّ جعلنا صالحين /
سورة الأنبياء / الآية 71 ... واسماعيلَ وإدريسَ وذا الكفلِ كُلٌّ من الصابرين / الآية 84
هنا يظهر اسمُ اسماعيلَ ولكن بعد ذِكرِ اسمي إسحاق ويعقوب، وهي المرة الوحيدة التي يكون السياق فيها كذلك في القرآن ( سورة الأنبياء ).
شذَّ القرآنُ عن هذا النهج في سورة البقرة فذكر اسماعيلَ فقط بعد ابراهيمَ في آيتين هما :
ـ ... وعهدنا إلى ابراهيمَ واسماعيلَ أنْ طهّرا بيتي .... /
البقرة، الآية 124
ـ وإذْ يرفعُ ابراهيمُ القواعدَ واسماعيلُ ... /
البقرة، الآية 126
لكنه ذكر اسماعيل وبعده إسحاق في آيات ثلاث وكما يلي :
ـ ... نعبدُ إلهكَ وألهَ آبائكَ ابراهيمَ واسماعيلَ واسحاقَ إلهاً واحداً ونحنُ له مسلمون /
البقرة، الآية 132
ـ قولوا آمنا باللهِ وما أنزلَ إلينا وما أنزلَ إلى ابراهيمَ واسماعيلَ واسحقَ ويعقوبَ والأسباط ... /
البقرة، الآية 135
ـ أم تقولون إنَّ ابراهيمَ واسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ كانوا هوداً أو نصارى ... /
البقرة، الآية 139 .

هل يُمكن التأسيس والإستنتاج من هذه الآيات وتسلسل ورود الأسماء فيها على مّن كان الأول مولداً إسحاق أم إسماعيل ؟ ومن كان الذبيحُ ؟ هل التواتر الرقمي يصحُّ قياساً، أعني من كان الأول ومن كان الثاني ؟ لا ذِكرَ لإسماعيلَ في ست آيات قرآنية كما هو مبيّنٌ في أعلاه. ولا ذكرَ لإسحاق في آيتين. وذُكر إسماعيلُ قبل إسحاق في ثلاث آيات فقط. النتيجة الحسابية : ست نقاط لصالح إسحاق تقابلها خمسٌ لصالح إسماعيل، الفارق نقطة واحدة.

لنتابع فيلم ابراهيم وذريّته كما جاء في القرآن بعد أنْ تأكدَّ لنا من أنْ لا وجودَ ولا ذكرَ لإسماعيل في التوراة ... وتأسيساً على ذلك فلا من صلة تجمع العرب واليهودَ لا هم أبناء عمومتنا ولا نحن أبناء عمومتهم! أي ليس لمحمد الحق في القول إنه وكل العرب من ذرية إبراهيم عن طريق ابنه إسماعيل الذي لا وجودَ له أصلاً حسب ادعّاء اليهود. إذا لم يكن العرب " المُستعرَبة ، العدنانيون " هم من ظهرِ وذُريّة إبراهيم خليل الرحمن فمن أين جاءوا وما أصلهم ومن كان جدّهم الأعلى ؟ هاجر مصرية قبطية أو بربرية، إسماعيل " المزعوم " تزوج من جٌرْهُمْ وجُرهُم عربٌ فما نسبة الدم العربي في عرب اليوم ؟ ما يقولُ علمُ الجينات ؟

أختتمُ هذا المبحث بالإشارةِ لما قال علماء الدين واللغة والتفسير عمّنْ كان الذبيح ، إسحاق أو إسماعيل متجاوزاً إنكاراليهود لوجود رجل يُسمّى إسماعيل !

الطبري / الجزء الأول، الصفحتان 88 , 89 : ذِكرُ من قال هو إسحاق :
العبّاس بن عبد المطلّب. إبن مسعود. أبو هُريرة عن كعب. أبو هريرة عن كعب الأحبار. إبن سابط. إبن أبي الهُذيل. يوسف بن يعقوب !. إبن مسعود وناس من أصحاب النبي. مسروق.
الطبري / الجزء الأول، الصفحتان 89 ,90 : ذِكرُ مّنْ قال هو إسماعيل :
مجاهد عن ابن عُمر. الشعبي عن ابن عباس. سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس. داود عن عامر. يوسف بن مهران. مجاهد. عوف عن الحسن. محمد بن كعب القرظي. إفادة أحد علماء اليهود في الشام للخليفة عمر بن عبد العزيز.الحسن بن أبي الحسن البصري.

الغريب أننا نجد العبّاس بن عبد المطلب في الفريق الأول ، فريق إسحاق. لكننا نجد ابنه، عبد الله بن عبّاس في الفريق الثاني، فريق إسماعيل.


أيلول 2018
 


تأريخ الطبري / تأريخ الأمم والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المجلد الأول.
راجعه وقدّمَ له وأعدَّ فهارسه نوّاف الجرّاح
دار ومكتبة الهلال ( البلد ؟ )
الطبعة الأولى 2003 م

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter