|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  5 / 3 / 2015                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إيليّا بيضا

د. عدنان الظاهر

[ أعينونا يا أهلَ حلبٍ. أضيفوا جديداً وصححوا الخطأً الذي قد تجدون فأهلُ مكّةَ أدرى بشعابها ]

من هو إيليّا بيضا ؟
فنّانٌ شَهُرَ في أواخر أربعينيات القرن الماضي ولا سيّما في عام 1948 بأغنية انتشرت في ربوع مدن العراق على نطاق واسع وغنّاها شبابُ تلك الحقبة بمن فيهم ابنُ خالة لي هو المرحوم فاضل مُزاحم الكَفَلي وكان طفلاً ضريراً لكنه كان متعدد المواهب يُربّي ويبيع الطيور النادرة ويعزف على الناي ويحفظ الأغنيات بمجرد سماعه لها ولو لمرة واحدة.

ما كانت تلك الأغنية التي طبّقت شهرتها الآفاق في العراق خاصة في عام 1948 عام نكبة فلسطين ؟ إنها أغنية [ يا ويلو الميخاف ربّو يتبغددْ علّلي يحبّو ].

ميّزتْ واكتنفت تلك الأغنية وصاحبها المطرب إيليّا بيضا أمور أوجزها كما يلي:

1ـ إختلف الناس في أصل هذا الرجل ... فمن قائلٍ إنه يهودي سوري من مدينة حلب ( لهجته ليست حلبية ) ... وقال آخرون قريبون منه إنه مسيحي من لبنان فما حقيقة أصل ودين هذا الفنان ؟

من جهتي أرجّحُ كونه يهودياً ... وأحكم عليه من لهجته وطريقة نطقه ومخارج ألفاظه فإنها جميعاً أجدها كثيرة القرب من لهجة وطريقة نطق يهود العراق للغة العربية والفاظها. وأزيدُ ... إنه لم يغنِ لقضية فلسطين ونكبتها، على حدِّ علمي، بعد قرار التقسيم عام 1947 ثم قيام دولة إسرائيل في شهر مايس عام 1948 في حين غنّى مطربون عربٌ آخرون لفلسطين وأبدعوا في إلهاب مشاعر الحماس والوطنية والقومية بين أجيال الشباب بشكل خاص. أتذكر منهم الفنانة اللبنانية سهام رفقي الإفيوني التي كرّست العديد من أغانيها للقضية الفلسطينية ومنها أغنية [ يا فلسطين جينالك يا فلسطين جينالك جينا لنشيل احمالك .. ] وأغنية [ يا لاعباً بالسيف يابو الفروسية .. ] وغير هاتين الأغنيتين. أما في العراق ففي العامين 1948 و 1949 غنّى بعضُ المطربين العراقيين لفلسطين غير أنها كانت جميعاً أغنيات هابطة فنيّاً ومحتوىً من قبيل أغنية [ حسقيل العبْ كلةْ / أبوكْ لأشعلةْ / لا حولَ ولا ولا لا حولَ ولا ]. لم أتابع عامي 1948 / 1949 ما غنّى المطربون العرب في باقي البلدان العربية فتلك كانت مهمة شاقة وغير عملية بالنسبة لطفل مثلي لم يبلغْ الثانية عشرة من عمره.

2ـ أعود لأغنية [ يا ويلو الميخاف ربّو ... ] فماذا يميّزها عن غيرها من أغاني ذاك الزمان ؟ يرد في مطلع هذه الأغنية فعل جديد غير مسبوق من حيث الأصل والإشتقاق : إنه الفعل " يتبغدد " فمن أين أتى هذا الفعل وكيف كان اشتقاقه ؟ إنه مُشتقٌّ في الأصل من " بغداد " عاصمة الخلافة الإسلامية العبّاسية حيث عُرفت في بعض حقبها بالترف والتنوع الثقافي وبالغناء والرقص يأتيان مع الترف والفسحة في العيش وانتعاش الأسواق واتساع الفتوحات مع ما تجنيه من أموال وسبايا وجواري وسراري ومحظيات ومعهن يأتي الرقص وباقي أنواع الفنون والمجون حتى غدت بغداد مضربَ المثل في اللذائذ واتساع نطاق المحرمات وشاع التغنّج والدلع فصار الشاب المتغنج يُنعت بأنه " يتبغدد " والشابة بأنها " تتبغدد " فذاع صيت هذا الفعل ووصل زماننا عن طريق بعض الكتب ثم بفضل بعض المطربين من أمثال صاحبنا إيليّا بيضا.

3ـ غنّى إيليّا بيضا أغنية " يا شادي الألحانْ آهْ واسمعنا رنّة العيدان "
وأغنية " يا حمامْ يا مروّح " ثمَّ أغنية " قدّك الميّاس يا عمري " في أربعينيات القرن الماضي ( وربّما قبل ذلك ) أي أنه سبق بعقود المطرب السوري المعروف صباح فخري الذي ما ارتفع صيته كفنان إلاّ بهذه الموشحات وأضرابها.
صوت إيليّا بيضا ليس جميلاً ولا مؤثّراً ولا شجيّاً ولا يجلب للسامع طرباً لكنه صوتٌ قويٌّ شديدُ ضربةِ نبرةِ أوتار حنجرته الصوتية والنغمية تسمعه فتتأثر به . لماذا أقول هذا الكلام ؟ أقوله لأنني سأقارنه بصوت مطرب سوري آخر معروف غنّى كلاهما نفس الأغنية :

4ـ أنه الراحل فريد الأطرش . حكايته مع إيليّا بيضا كما يلي :
غنّى إيليّا في عام 1933 أغنية لحّنها ملحن فلسطيني هو مُحيي اللبابيدي .. ويقال إنَّ ملحنها هو فريد غصن ! المهم ... طلب فريد من أصحاب هذه الأغنية السماح له بأنْ يؤدّيها بصوته مع إجراء بعض التغييرات على بعض كلماتها وطريقة تلحينها وأدائها فحصلت الموافقة . ما كانت تلك الأغنية التي غنّاها فريد لحساب الإذاعة المصرية في عام 1935 فجلبت له من الشهرة ما لم يكنْ يتوقع ؟ إنها أغنية " يار يتني طير لطير حواليك ". إذاً غنى هذه الأغنية كلٌّ من إيليّا بيضا وفريد الأطرش فلم تجلبْ للأول أيَّ حظٍ من النجاح لا في لبنان ولا في سوريا في حين رفعت الشابَ الشامي الُرزي فريد الأطرش في القاهرة إلى الأعالي. مَنْ يسمع الجزء الأول من هذه الأغنية بصوت إيليّا يحسب أنه صوتُ فريد الأطرش ... ولكن حين يتواصل أداء إيليّا يحس السامع بالفروق بين صوتي وأدائي الرجلين وأكثر ... يُصبح أداء إيليّا ثقيلاً ومُملاّ وبعض الكلمات غير واضحة ولا مفهومة. أي نجح فريد فاشتهرت الأغنية وشَهُر بها هو نفسه ولم تنجحْ وتنتشرْ بصوت صاحبها الأصل الفنان الآخر إيليّا.

5ـ مفاجآتان وضعتهما الصدف أمامي : أنَّ إيليّا بيضا هو صاحب أغنية " يا ويلو الميخاف ربّو " التي سمعتها عام 1948 وحفظت كلماتها وبعض مقاطع قصيرة من لحنها بفضل جهود ابن خالتي الضرير المرحوم فاضل مزاحم الكَفَلي الحلّي. أما المفاجأة الثانية الأكبر من الأولى فهي سماعي ولآول مرة أغنية " يا ريتني طير لأطير حواليك " بصوت إيليا بيضا صاحب يا ويلو الميخاف ربّو والقدود الحلبية ....

6ـ هل هاجر إيليّا بيضا بلده الأصل سوريا أو لبنان إلى إسرائيل بعد قيام دولتها ـ مفترضاً أنه يهودي ـ أم واصل حياته هناك في سوريا أو في لبنان ولم يهاجر وربما فارق الحياة في أحد هذين البلدين أعني سوريا ولبنان ودُفن تحت ترابهما ؟ نورّونا يا عارفون ولكم أجر الدنيا والآخرة.

7ـ نُتف متفرقة من أغنية يا ويلو الميخاف ربّو :
( محروم النومْ على شانك وانتَ بهناكْ )
( ترضي العُذّال وتمرمرْ قلب اليهواكْ )
( يا نور العين باللهْ )
( إرحمْ كرمال اللهْ )
( آه يا ويلو ... آه يا ويلو .. يا ويلو الميخاف ربّو )
( وتزيدْ في الشوق ناركْ )
( تحرقْ يا زينْ داركْ )
( آه يا ويلو ... آه يا ويلو )
( يا ويلو الميخاف ربّو )

8ـ أغلب ظنّي أنَّ إيليا بيضا هو مؤسس ومالك ستوديوهات " إسطوانات بيضافون " المعروفة للتسجيلات الصوتية ولعلها من أقدم ستوديوهات التسجيل في العالم العربي.

 

آذار 2015

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter