|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  28 / 4 / 2015                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

نازحو الأنبار

د. عدنان الظاهر
 


أولاً : مارش الموت نحو بغداد

إرحلْ ...
رَحَلتْ قبلكَ أقوامُ
إعداماً برصاصٍ مصهورِ
أو شَنْقاً بحبالِ سقوفِ التعليقِ
تاريخُ القتلِ معارضُ لوحاتِ الفنِ السوريالي
يختلطُ الميزانُ الحاضرُ فيها بالغابرِ والماضي
اللونُ الظاهرُ باللون المخفي
والنائمُ بالصاحي !
الشارعُ صارٍ وشِراعٌ يتقدّمُ كوكبةَ الموجِ البَشري
الهجرةُ أفضلُ في الليلِ عبوراً للجسرِ
للطفلِ العاري والجسدِ الهاري المُنهارِ
الجسرُ شهيدُ الجسرِ وبغدادُ حصارُ
" عبّاسُ الفِرناسُ " وتمثالُ المنصورِ سواءُ
أصنامٌ من صخرِ
تفترسُ الأخضرَ واليابسَ لا تستثني
وَرَقاً من تِبنٍ أو وَرَقاً من تِبرِ
قبّتُها سوداءٌ ظلماءٌ في كرخةِ أطواقِ عبورِ الجسرِ
الدنيا غامتْ
وتَغيمُ شتاءً ـ صيفا
نَكَثتْ بغدادُ وخانتْ
كانت قَبْلاً أُمّاً بغدادُ
إستشرى فيها السوسُ وهدّمها أُسّاً أُسّا
فلماذا جاءوها يمشونَ عرايا والصيفُ الصيفُ شتاءُ ؟
بغدادُ أسيرةُ قاتلها وضحيةُ قتلاها
لا ظلَّ ولا مأوى تحتَ أساطينِ حديدِ الجسرِ
الماءُ الموبوءُ جِدارُ
فمتى تصحو ومتى تتعافى ومتى ومتى ومتى ... ؟
الأمَدُ المتمدّدُ موتورٌ مُصفرُّ
ينهارُ الإنسانُ النازفُ من فَرْطِ الجورِ
لا يتحمّلُ أعباءً أُخرى
يستسلمُ يأسا
يدفعُ موجاتِ الغيمِ الأسودِ دَفْعا
أو يدفنُ من يأسٍ رأساً في الرملِ ...
الوردُ المورودُ نِفايةُ شقٍّ في عُمْقِ الجُرْحِ
لا تنفعُ شكوى
لا ينفعُ تشخيصُ مطبّاتِ التطبيبِ
حيثُ الصحوُ المُرُّ رمادُ
والأفقُ المفتوحُ سوادُ
يتأخرُّ لا يمضي
قَدَمٌ من تحتِ الأقدامِ يسيرُ
يتقاطعُ والخطَّ المرسوما
هذا دربٌ يستهلكُ مِنهاجَ الرؤيا
غابوا أمْ آبوا.
الغيمةُ فوقَ السعفةِ خضراءٌ ـ سوداءُ
النخلُ جذورٌ عجفاءٌ أعجازُ
لا فُلْكٌ يطفو لا بحرٌ يحملُ عيدانَ الأفلاكِ
أينَ الرَبّانُ وأينَ الإنسانُ ؟
الجسرُ المتهرئُ لا يكفي
يستهترُ غضبانُ
يشكو ممّا حمّلهُ القدَرُ الخافي
يهتزُّ الجسرُ فتهتزُّ جذوعُ النخلِ كما يهتزُّ الإعصارُ
من خَلَلِ البشرِ النازحِ مطروداً صفّاً صًفّا
قافلةٌ تتبعُها قافلةٌ أُخرى
في الصفِّ الأوّلِ أطفالُ
في الثاني والثالثِ أشباحٌ ونساءُ
الموتُ يدكُّ مداءنهمْ دكّاً دَكّا
الحشدُ يغدُّ السيرَ وئيدا
النهرُ وراءُ
البحرُ أمامُ
بغدادُ سجونٌ لا تؤوي مطروداً مسحوقا
عَرَباتٌ تدفعُ ـ تسحبُ أطفالا
لا تسألُ عمّا حَمَلتْ عَرَباتٌ أخرى
هذي بغدادُ فحطّوا أثقالَ السَفَرِ المُرِّ
فارقتمْ ليلاً جسراً يتهافتُ للموتِ
دجلةُ لا تحملُ جسراً يطفو فوق الماءِ
دجلةُ أضعفُ عودا !


ثانياً : أُمّي مع النازحين

إرحلْ ...
رَحَلتْ ورحلتُ
أنقَذْني .. قالتْ وتهاوتْ
فوق دروجِ السطحِ العالي
مَنْ ينقذُ مَنْ
مَنْ فينا الأقوى
مَن قامَ ومن نامَ على ذيلِ الأفعى
القدسُ هنا في الحفرةِ لا في الأقصى
يا كوكبَ أرضٍ سقطتْ فوقي واسوَدّتْ
يا ربّةَ عرشِ مناحةِ أسفاري
ماتَ جناحي
ماتتْ أطرافي وحَراكُ مجسّاتِ لساني
أسمعُ دقّاتِ الصدرِ المعطوبِ
أسمعُهُ بالكادِ
يتخبّطُ خبطَ حمامِ الدوحِ المذبوحِ
لا أتبرأُ لا أحزنُ أحرنُ لا أمشي
أمطرُ نفسي بالسخْطِ رصاصا
أبحثُ في الغيبِ عن السرِّ الممهورِ
الكونُ المدُّ ظلامُ
وشِعابُ الريحِ القصوى تقفلُ أبوابي
فأراها في ظلِّ الحائطِ مسماراً أسودَ في نارِ
عيناها خلطةُ دمعٍ صافٍ في كحلِ
هيكلها يرتجُّ
قفصٌ في صدرِ
يتنفسُّ معلولاً قارا
أنعشني عِطرُ تُرابٍ فيها
جاءتْ بالعلّةِ تسعى
قطعتْ صحراءَ الربعِ الخالي
بحثاً عن جرعةِ ماءِ
( ما حَمَلتْ مِصرُ لبُغدانِ ؟ )
حملتْ ما وسِعتْ عيناها ...
جاءتْ من بيتٍ في الأنبارِ
تتحدّى الألغامَ وتفخيخَ الأجسادِ
عبرتْ حافيةً جسراً جسرا
وجدتْ في حشدِ الموتِ الزاحفِ مُتّسعا
ضاعتْ منّي
فقدتْ عينا
حالتْ ألوانُ زجاجِ الطيفِ الشمسي
ها قد تركوا الأنبارَ وجاءوا مشيا
هاجتْ بغدادُ وجاشَ الثرثارُ !



نيسان 2015

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter