|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد 23/9/ 2012                                 د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

دكتورة إنعام الهاشمي : فيتو

د. عدنان الظاهر

ما كنتُ أحسبُ أني سأقف يوماً مُعارضاً ومُحتجّاً على بعض ما تنشر السيدة الدكتورة إنعام الهاشمي .. فقد نشرت ـ حتى اليوم ! ـ حلقتي حوار أجرته مع السيد عبد الرزاق عبد الواحد لم تقل في أي بلد أو في أية مدينة حصل اللقاء وذاك الحوار. لقد لمّعت السيدة وجهاً ما أشدَّ سواده وساهمت في إخراجه من عزلته ومن الطوق المضروب حوله نتيجة ارتباطه حدّ الذيلية والهبوط الأخلاقي والإنساني المروّعين زمان صدام وحكم البعث في العراق. ربط مصيره بصدام وعَديَ والعالم يعرف والعراقيون يعرفون من كان صدام حسين ومن وما كان ولده عدي ! لقد صرّح السيد عبد الرزاق ذات مرة أنه شاعر العراق وليس شاعر صدام حسين ! الآن .. اليوم ... رفعت السيدة إنعام هذا الرجل درجة أعلى وبوّأته مكانة أرفع مشكوكاً فيها أصلاً لأسباب عدّة سأذكر لاحقاً بعضَها . أسمته [ شاعر العرب الأكبر ] !! أضع أمام السيدة بعض الأسئلة :
أولاً ـ هل أجمع العرب وشعراؤهم أنّ هذا الشاعر هو شاعرهم الكبير فكيف بالأكبر؟
ثانياً ـ هل اجتمع شعراء العرب وقرروا أو اختاروا بالتصويت السرّي أو العَلني هذا الرجل شاعراً أكبرَ لهم ؟
ثالثاً ـ الدكتورة تعرف ، وهي كذلك شاعرة ، أنَّ الشعر والشعراء أصناف هي :
1 ـ شعر وشعراء بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي
2 ـ شعر وشعراء التفعيلة
3 ـ شعر وشعراء البين بين .. أي شعراء البحور والعمود الشعري العربي وشعر التفعيلة معاً
4 ـ شعر وشعراء قصيدة النثر
فعلى رأس أيٍّ من هؤلاء الشعراء يقف عبد الرزاق عبد الواحد كبيراً بل وأكبرهم؟
تؤلمني المجاملات المُبتسرة والسطحية فكيف أتقبّل المداهنة والتدجيل وهل أعزو ذلك إلى الجهل أو إلى التسرّع حدَّ الإنزلاق أم أعزوه للغَفَلة وحُسن النوايا ؟
تأريخ السيد عبد الرزاق عبد الواحد معروف يعرفه عراقيو الداخل والكثير من عراقيي الخارج لذا سوف لن أطيل وقوفي عند هذا الموضوع سوى أنْ أقولَ : كيف ربط هذا الرجل مصيره بمصير طاغية كبير وجلاّد دموي قلَّ نظيره في عالمنا المعاصر .. قتل العراقيين وشرّدهم وحارب بالباطل وغزا حتى أوصل العراق إلى ما هو عليه اليوم ؟ والأنكى أنه ما زال يدافع عن سيّده وولي نعمته صدام حسين حتى اليوم !
أعود لمقامة الشعر والشعراء لأسأل الدكتورة إنعام الهاشمي : على أية أسس قررتِ الحكم أنَّ عبد الرزاق هو شاعر العرب الأكبر ؟ هل أجريت على شعره دراسات نقدية أصولية مُعمّقة وقارنتيها بشعر فحول شعراء العربية بفئاتهم الأربعة سالفة الذِكْر ؟ هل أجرى غيرُك مثل هذه الدراسات ؟ لا أراه إلاّ مجرد ناظم شعر لا يختلف عن نظرائه من شعراء البحور سوى مُكنته من اللغة العربية بحكم الإحتراف لها كمدرس سابق للأدب واللغة في مدارس العراق ثم ارتباطه بدنيا الشعر احترافاً وارتزاقاً . لذا على السيدة إنعام أنْ تعتذر عمّا قالت عنه وما أسبغت عليه أمام الشعراء العراقيين ثم العرب .
لَعَمري ! لم يقل أحدٌ لا قبلُ ولا بعدُ أنَّ المتنبي هو شاعر العرب الأكبر بل قال العراقيون ذلك عن محمد مهدي الجواهري وكان ذلك كذلك خطأ جسيماً لا يُغتفر لا لأنَّ الجواهري ليس بشاعر كبير ولكنْ لأني أراها شطحة غير مُستحبّة ولم تحظَ بإجماع الشعراء العرب . مضى زمنٌ كنّا نسمع فيه أنَّ أحمد شوقي هو أمير الشعراء ! لم أسمع مثل ذاك ولا مثل هذا في تأريخ الشعر لدى الأمم الأخرى سوى ما قال الشاعر الإيطالي دانتي في الكوميديا الإلهية " إنَّ هوميروس هو ملك الشعراء " وما قال الشاعر الألماني غوتيه عن الشاعر الفارسي حافظ " إنه أُستاذي " . وعلى ذِكر المتنبي .. روى السيد عبد الرزاق في حواره مع الدكتورة إنعام الهاشمي أنَّ الجواهري قال له [[ أنا البحتري وأنتَ المتنبي ]] !!. هل يقول الجواهري مثل هذا الكلام ؟؟ سأفترض أنه قاله .. أليس وارداً أنه قاله من باب السخرية والتهكم لأنه العارف بنرجسية وطاووسيّة الشعراء ؟ هَبْه قال ما قال .. فما الذي دعا عبد الرزاق أنْ يحمل هذا القولَ محمل الجد حدَّ روايته للسيدة الهاشمي بحضور الشاعر فائز الحدّاد ؟
سأل أحدهم عبد الرزاق عبد الواحد في زمن صدام حسين : من هو الأعلم باللغة العربية [ شيء قريب من هذا ] فكان جوابه : صدام حسين والمتنبي ! في هذه المحاورة قال عن نفسه : مصدران في اللغة لا يفارقناه هما القرآن والمتنبي ! فمن يا ترى يُصدّق شخصاً كهذا ؟ طبيعي ... كان في ذاك الزمان يرفل بالنعيم والإمتيازات متنقلاً من مديرية عامة إلى أخرى ويسكنُ قصراً مُنيفاً مُطلاّ على دجلة وتحته سيارة مرسيدس .. وكان غيره من مثقفي الشعراء وشعرائهم وأدبائهم يضربون في أرض الله مشرّدين يبحثون عن بلد يقبلهم لاجئين وتحمّلوا وعوائلهم  ما تحمّلوا ولم يخدموا المجرم الدموي الأكبر ولم يقدموا له ولاء الخدم والمرتزقة ولم يخرقوا له البخور ولم بسجدوا له أو يعبدوه كما كان شأن السيد عبد الرزاق عبد الواحد .
يُعجبني في عبد الرزاق عبد الواحد أنه كسابقه الراحل عبد الوهاب البياتي .. لم يشتما الشيوعيين ولا الحزب الشيوعي العراقي إنما فعل ذلك المرحوم بدر شاكر السياب في مقالاته سيئة الصيت " كنتُ شيوعياً " التي  نشرها في جريدة بغدادية يومية زمان عبد الكريم قاسم . إعترف السياب أنه كان شيوعياً لكنَّ الشاعرين الآخرين أنكرا أنهما بالفعل كانا . لا أعرف هل كان البياتي عضواً في الحزب أو كان مُرشّحاً لعضويته لكني أعرف أنَّ السيد عبد الرزاق عبد الواحد كان عضواً في الحزب الشيوعي العراقي وقد جاء الحلة عام 1961 منقولاً من بغداد للتدريس في ثانوية الحلة للبنين وجاء بعده بقليل الترحيل التنظيمي الأصولي فتم ضمّه إلى تنظيمات مدينة الحلة .
الأخوة المندائيون يعرفون جيداً ما ومَن هو عبد الرزاق عبد الواحد ودوره التخريبي في محاولات تحويل كتابهم المقدس ( كنزا ربّا ) إلى نسخة من القرآن الكريم . وما دام قد ذكر في محاوراته اسم طارق عزيز وقال عنه إنه شاعر ولديه شعر جيّد ..  فلا بأس من المقارنة بين هذين الرجلين فطارق أساء لدينه وللمسيحيين عامة بإغرائهم أو إجبارهم على الإنخراط في حزب البعث .. وحذا عبد الرزاق عبد الواحد حذوه في توريط أبناء دينه وحثّهم على الدخول في حزب البعث فما كانت النتائج يا عبد الرزاق أيها " الصابئي الشيعي " كما يحلو لك أنْ تنعت نفسك ؟ أنت فررتَ وسلمتَ بجلدك لكنْ بقيت جاليتك في العراق تعاني من القتل وسرقة الممتلكات والتهجير القسري وقد أفلح آخرون منهم في مغادرة وطنهم العراق وقبول التشرّد في أقطار هذا العالم .
محطات مع الأستاذ عبد الرزاق عبد الواحد :
1 ـ جاء الحلة في العام الدراسي 1953 / 1954 مدرّساً في متوسطة الحلة للبنين وكان معروفاً عنه أنه رجلٌ صابئي شيوعي . كنتُ وقتذاك ما زلتُ طالباً في الخامس الثانوي أدرس في ثانوية الحلة للبنين وما كانت بيننا معرفة
2 ـ تم فصله من وظيفته عام 1954 لأسباب سياسية
3 ـ أكملت دراستي الثانوية وانتقلتُ إلى بغداد فكنتُ أراه في محل للصياغة في شارع النهر يمتلكه رجلٌ مندائي لحيته بيضاء طويلة .. كنت أراه مشغولاً بمصوغة فضية تلميعاً أو جرخاً أو حكّاً فكان واضحاً أنه كان يعمل صائغاً أو مساعداً في محل صياغة
4 ـ وفي نفس تلك الفترة كنت أحياناً أراه جالساً في حديقة كلية الطب وما كنتُ أعرف أنَّ فتاة كانت تدرس في هذه الكلية هي خطيبته وابنة خالته السيدة سلوى عبد الله وكان يلتقي بها هناك
5 ـ كرَّ الزمنُ كما هو شأنه يكرُّ ولا يفرُّ ... فحدث ذات أمسية من أمسيات إتحاد الأدباء العراقيين ـ كنتُ حاضرها ـ عام 1961 أنْ قرأ عبد الرزاق عبد الواحد قصيدة عنوانها ( يا خالَ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا .. يقصد الجواهري ) جارى فيها قصيدة الجواهري ( يا أمَّ عَوفٍ عجيباتٌ ليالينا .. ) وكانت تحمل الكثير والمرير من الشكايات حول ما آلت إليه الأوضاع السياسية في تلك الحُقبة حيث الإغتيالات والتصفيات والتنكيل والإقصاء من الوظائف والإبعاد عن مدائن الموظفين إلى مدن بعيدة عن مساقط رؤوسهم فقد أتى الحلة موظفون ومدرّسون من أهالي الشطرة وهيت وعنه وراوة والموصل وكردستان . لم تصبر حكومة عبد الكريم قاسم طويلاً إذْ سرعانَ ما صدر أمرٌ بنقل عبد الرزاق من معاون مدير معهد الفنون الجميلة في بغداد إلى مدرّس في ثانوية الحلة للبنين.
كان الأخ والصديق الدكتور محمد إبراهيم الربيعي حينذاك مُديراً لهذه المدرسة وهو يعرف الكثير عن عبد الرزاق ! عرفت عبد الرزاق معرفة جيدة وكان قد باشر في وظيفته وأنا كنتُ أدرّس في متوسطة الحلة للبنين ( نفس المدرسة التي سبق ودرّس عبد الرزاق فيها عاماً واحداً ثم فُصل من وظيفته حين كان ما زال محسوباً عليها ) وتوطدت العلاقات فيما بيننا لأسباب يعرفها هو ولا بدَّ أنه يتذكرها بكافة تفاصيلها فذاكرة الرجل قوية . وحين آنَ أوان مغادرتي العراق لألتحق بزمالة للدراسة في جامعة موسكو طلب مني أنْ أحمل ديوانه الشعري معي إلى موسكو وأنْ أنقل للشاعر عبد الوهاب البياتي ( كان وقتذاك ما زال معاونَ ملحق ثقافي ) رجاءه في أنْ يحاولَ إعادة طبع الديوان بسبب ما فيه من أخطاء مطبعية كثيرة . إعتذرتُ ! قلتُ له أنت تعرف ظروفي السياسية وأخشى أنْ تكتشفَ الكتابَ شرطةُ المطار فيحدث لي ما قد يحدث وأنا مغادر العراق . إقتنع الرجل بحجّتي وكنتُ صادقاً فيها . حصلت مناسبة في جامعة موسكو كنتُ حاضرها وكان البياتي هناك . عرّفته بنفس ونقلت له رجاء عبد الرزاق فأجاب على الفور : أنا نفسي أواجه صعوبات في طبع كتبي فكيف أساعد غيري ؟ المهم أني نقلت للبياتي رجاء عبد الرزاق .
6 ـ ثم كرَّ الزمنُ الكرّارُ .. أكملتُ دراستي وعدتُ للعراق ـ وما كان يجب أنْ أعودَ ـ فوجدتُ عبد الرزاق عبد الواحد مُدرّساً في إحدى مدارس مدينة الدور . بعد فترة نُقل مُحرراً في مجلة المعلم أو أقلام وكانت إدارتها في وزارة الثقافة والإعلام في الباب الشرقي .. وكان عبد الجبار البصري رئيساً أو مديراً لتحريرها . زرته عام 1972 مرّات قليلة وكان يزوره كذلك صديقه يوسف الصائغ .. كما كنتُ أرى هناك المرحوم عبد الجبار عبّاس [ عبّوسي ] الناقد المعروف الذي رحل مُبكّراً للأسف .
7 ـ كان عبد الرزاق أحد ثلاثة من الأدباء المعروفين درسوا في كلية الآداب [ أو التربية ] أواسط سبعينيات القرن الماضي للماجستير تحت إشراف الراحل الدكتور علي جواد الطاهر ونالها ثلاثتهم بجدارة وكانت تلك مناسبة فريدة في بابها تندّر بها المثقفون والشعراء طويلاً لأنهم جميعاً كانوا قد كبروا وجاوزوا سنَّ الدراسة المألوف وكانوا جميعاً موظفين . الآخران هما المرحوم هاشم الطعّان ثم يوسف الصائع .
8 ـ تركتُ العراق فجر التاسع من شهر تموز عام 1978 ولم أتابع موضوع عبد الرزاق عبد الواحد لأني كنتُ أتوقع أنه سينجرف فيسقط في فخاخ البعث وهذا ما حصل .
 

 

22.09.2012

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter