|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  22 / 6 / 2013                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مقامات قتيل الزمان السَهَرْ عندي

د. عدنان الظاهر

 12
مع عبد الكريم قاسم .. قتيل العراق وزمانه

أخذتُ موعداً لمقابلته في إستراحته الخاصة في منطقة البتاويين في بغداد . كان الرجل في إستقبالي ، رحّب بي وقادني إلى حجرة بسيطة التأثيث كأنها أعدّت لإستقبال الضيوف وهم على العموم ندرة نادرة . قال ما تشرب ، بارداً أو شايا ؟ قلتُ بل أشربُ شاياً . كان وحيداً في بيته في ذلك اليوم ولعله وحيد في سائر الأيام . لا من أحدٍ يقوم بمهام إدارة شؤونه الشخصية والمنزلية . لا خادمٌ ولا أختٌ ولا زوجٌ . أتى بصينية فيها كأسان من الشاي الجيد التخدير . ما كان يسأل بل كان ينتظر أسئلتي ويبدو عليه أنه قد أعد نفسه لكافة الإحتمالات ودرس العديد من الأجوبة على أسئلة مُحتملة وهذا شأن العسكري الذكي الناجح . أنهيتُ كأس الشاي وشرعت أقلّبُ أوراقي باحثاً عن قائمة الأسئلة التي فكّرت فيها ثم أعددتها ليلة أمس .

سيادة الفريق الركن : سوف لا أسألك عن أمور معروفة سألها قبلي غيري وتناولتها وسائل الإعلام العراقية وغير العراقية . سأسألك عن مسائل يعتورها الغموض وربما دارت حولها شائعات وتكهنات عديدة . لذا أرجو أنْ يتسع صدركم لمثل هذه الأسئلة وأنْ أسمع منك رأيك فيها وإجاباتك عنها . بكل سرور ... أجاب الزعيم .

أنا : كيف فرّطتَ برفيق السلاح وتنظيم الضبّاط الأحرار السرّي ومحرر بغداد فجر الرابع عشر من تموز عام 1958 ؟

الزعيم : تقصد عبد السلام محمد عارف ؟

أنا : نعم . أعفيته من مسؤولياته وزيراً للداخلية ونائباً للقائد العام للقوات المسلّحة العراقية وعيّنته سفيراً للعراق في بون الألمانية . كيف هان ذلك عليك ولم يهنْ على غالبية العراقيين العظمى فهو الذي اقتحم بفوجه بغداد قبلك وهو من أذاع بيان الثورة فأعظمه الناس وأكبروه . ما كان يومذاك متآمراً ولا خانك ولا خان الثورة لكنك مع ذلك أقصيته حتى عن وطنه العراق وأبقيت رجالاً لا علاقة لهم بثورة تموز إلاّ ربما من بعيد أمثال محمد صالح العبدي ـ الحاكم العسكري العام ـ ويحيى أحمد حقي ـ وزير الداخلية ـ وإسماعيل العارف ـ وزير المعارف ـ هذه نماذج فضّلتها على عبد السلام وقرّبتها منك وأنطتَ بها مسؤوليات كباراً . وأسوأ من ذلك أنك أعدت الإعتبار لضابط متقاعد أو مطرود من الجيش العراقي وأعدته للخدمة الفعّالة قائداً لإحدى الفرق العسكرية لكنه سرعان ما خانك وخذلك في ظرف حرج دقيق وأعان خصومك على الإطاحة بك وبحكومتك وبثورة تموز التي كنتَ تنسبها لنفسك .

الزعيم : كان ذلك واحداً من أخطائي الكبيرة لكنه كان خطأً مفروضاً عليَّ وما كان أمامي من سبل أخرى لتجنب وقوع ذلك الخطأ . كنت حينها واقعاً تحت ضغوط شتّى من قبل ضباط كبارٍ كانوا أعضاء في اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار .. فضلاً عن ضغوطات من قبل جهات سياسية مدنية كان تأثيرها في الشارع كبيراً . ثم لا تنسَ أخطاءه هو التي عرفها الداني والقاصي على رأسها غروره واستهانته بي وبموقعي من الثورة وقيادة البلاد ثم تهوره الذي دفع به للتهديد بقتلي على مائدة طعام جمعته وعبد الناصر في القاهرة . كان عبد السلام يتكلم بحرارة وثقة عن الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة فسأله عبد الناصر : وما موقف عبد الكريم قاسم ؟ أجاب بالحرف الواحد ، كما وصلني الخبر ، هذا ـ يقصدني ـ حقّه رصاصة واحدة ! يعني أنه سيقتلني ويتخلص مني بإطلاقة واحدة من مسدسه .. وهذا ما حاوله معي بعد ذلك بشهور قليلة في وزارة الدفاع بعد زيارته للقاهرة تلك إذْ أخرج مسدسه من جيبه فطوّقته وانتزعت المسدس من يده وكان الوزير فؤاد عارف حاضراً واعترف في محكمة الشعب أنه رأى في يد عبد السلام مسدساً لكنه أفاد أنّه ربما أراد الإنتحار كما ادّعى أمام هذه المحكمة .

أنا : وهل تشكك في نزاهة إفادة السيد فؤاد عارف ؟

الزعيم : اللهُ أعلمُ ! لا من أحدٍ يستطيع إجباره على قول الحقيقة . ضميره فقط هو الفيصل وهو وحده قادر على إجباره على قول الحقيقة .

أنا : أظنُّ أنَّ فؤاد عارف كان متواطئاً مع عبد السلام أو أنه كان متعاطفاً معه لأسباب كثيرة . لذا أخفى الحقيقة وادّعى ما قد ادّعى فبرّاَ ذمّته من الإقدام على قتلك .

الزعيم : ....

أنا : لكنَّ محكمة الشعب أصدرت بحقه حكماً بالإعدام فعلا صوته صارخاً : تحيا العدالة أو يحيا الشعب !

الزعيم : كان ذلك حكم المحكمة وإني لم أصادق عليه كما يعلم الجميع . عفوتُ عنه متنازلاً عن حقي الشخصي وأُطلق سراحه بعد أنْ مكث في السجن فترة عامين تقريباً وكان راتبه الشهري جارياً خلال فترة سجنه .

أنا : أفلم تجدوا طرقاً أخرى للتعامل مع هذا الضابط الجسور الجرئ غير تجريده من منصبيه ونفيه خارج العراق وإنْ بدرجة سفير ؟

الزعيم : غدا وجوده خطراً عليَّ وعلى ثورة تموز وعلى العراق . وما كان مُريحاً بالنسبة لقادة الفِرق وكبار ضباط الجيش العراقي فقد كان يتعالى عليهم باعتباره محرر بغداد الأول وأول من دخلها يقود فوجه وكان أقل رتبة منهم فكان عقيداً وكانوا زعماء [ عُمداء ] وهذا أمر له اعتباره الكبير بالنسبة لتسلسل الرتب العسكرية .

أنا : ولكنْ أفما كان ممكناً ترقيته إستثناءً حتى يكونَ في مستواهم أو حتى أعلى منهم رتبةً وقد فعل هذا جمال عبد الناصر مع عبد الحكيم عامر ؟

الزعيم : ...

أنا : هل كنتم تشعرون سيادة الزعيم أنَّ عبد السلام كان منافساً خطيراً لكم ؟

الزعيم : كان منافساً نعم لكنه ما كان بالنسبة لي خطيرَ الشأن . كان مغروراً ومتكبّراً وكان متهوّراً لا سيطره له على لسانه . ما كان نظيف اللسان وقد انكشف أمره خلال زياراته وخطاباته المتعددة في مدن العراق حتى غدا أُضحوكة لسامعي خطاباته تلك وخاصة في الحلة والرمادي .

أنا : إذا كان الرجلُ كذلك فلِمَ اخترته ووثقتَ به دون باقي كبار الضباط الأحرار وأشركته معك في دقيق الأسرار ثم أمرته بتنفيذ المهمة الأكثر مغامرةً وخطورة فامتثل لأمرك وقاد فوجه وأذاع بصوته بيان الثورة الأول وحدث بعد ذلك ما حدث كما يعرف الجميع؟

الزعيم : نعم ، وثقتُ به لأني كنتُ أعرفه ضابطاً وطنياً وشجاعاً مقداماً وكثير الحماس للإطاحة بالنظام الملكي والتحرر من ربقة الإستعمار البريطاني الذي أذاق العراق والجيش العراقي شتى صنوف المذلّة والهوان ولعلك تعرف ما جرى لهذا الجيش في حركة رشيد عالي الكيلاني . قيّد المستعمر البريطاني العراق بمعاهدات كان آخرها ربطه بحلف بغداد مع إيران وتركيا والباكستان المعادي للإتحاد السوفياتي الصديق للشعب العراقي ولحركات التحرر العربية وخاصة مصر أيام جمال عبد الناصر .
ما كنتُ أعرفه مغروراً أو بذئ اللسان وقد كنتُ أعلى رتبة منه لذا كانت علاقتي به علاقة ضابط أعلى بضابط دونه رتبةً يحكمها الضبط والربط العسكريان . ما كانت علاقاتنا علاقة [ ميانة ] وعليه كنتُ أجهل خفاياه وسجاياه التي غلبته بعد نجاح الثورة وطغت على تصرفاته .

أنا : ذكّرتني يا سيادة الزعيم بحلف بغداد حيث كان أغلب العراقيين ضده وكنت حينذاك ما زلتُ طالباً في كلية الطب الملكية كما كانت تُسمى حينذاك حيث تم الإتفاق بيننا أنْ نُعلن الإضراب ومقاطعة الدوام وحضور المحاضرات . كان ذلك أوائل شتاء عام 1955 . قاطعنا المحاضرات وتجمّعنا في وسط الكليّة فعلا هُتاف أحد الطلبة داعياً إلى سقوط حلف بغداد ففوجئنا بحضورعميد الكليّة الدكتور صائب شوكت الذي مشى مسرعاً محاولاً اللحاق بالطالب الذي هتف بسقوط الحلف [ فالح مهدي الخنّاق ] لكنه جرى ثم اختفى . كيف عرف العميد اسم هذا الطالب إذْ ناداه باسمه حين تتبعه ليُلقي القبضَ عليه ؟ مَنْ أمر بتسجيل أسماء الطلبة الذين قاطعوا هذه المحاضرات ومَن الذي نفّذَ الأمر وقام بالتسجيل ؟ كان واضحاً أنَّ بعض الطلبة حضرَ المحاضرة ولم يقاطع كما فعلت الغالبية . وأنَّ أحد هؤلاء أو أحد موظفي الإدارة والتسجيل قام بتسجيل أسماء الحاضرين وكانوا قلّة . شاركت في تلك التظاهرة فئات ثلاث هي الإخوان المسلمون والشيوعيون والبعثيون . وكان من بين الطلبة الذين قاطعوا المحاضرات وشاركوا في التظاهرة معارف وزملاء معي في السنة الأولى أذكر منهم محسن الشيخ راضي ولطفي علي وآخرين أتذكّر منهم وداد المُفتي وصادق حميد علوش . وكان من بين نشطاء الشيوعيين زميلاي ضياء الحسني وصلاح أحمد . لم أعرف من نشطاء الأخوان المسلمين إلا الزميل المصلاوي مؤيّد وكان بلحية خفيفة وخلل في قدمه . نشرت الكلية إعلاناً تطلب فيه إبراز مبرر للغياب ففعل البعض منّا إذْ دبروا تقارير طبية وأبى الباقون ـ وكنتُ أحدهم ـ فنالوا عقوبة إنذار أرسلتها لذوينا أجهزة مديرية التحقيقات الجنائية وليس عمادة الكليّة ! حقّكم يا زعيم أنكم ثرتم ضد نظام الحكم الملكي في العراق وإلاّ هل يحدث مثل هذا في بريطانيا مثلاً ؟ هل تحرّم الحكومات البريطانية على شعبها حق التظاهر وإبداء الرأي ؟ أين الحرية إذاً وأين دمقراطية الإنكليز ؟ سلمت أيديكم يا زعيم .
وعلى ذِكر ثورة رشيد عالي الكيلاني في مايس 1941 فقدنا ابن خالتي الشهيد لطيف عبد علي إذْ سارع للتطوع لقتال الإنكليز فُقتل في معركة سن الذبّان ولم نعثر على قبره .

الزعيم : ذكرتَ أشياء وغاب عنك الكثير !

أنا : نعود للحديث عن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 . هل صحيح أنَّ أوّلَ خلاف جدّي بينكم وعبد السلام عارف كان حول مّنْ يكونُ آمرَ اللواء الأول في حامية المسيب .. أنت رشّحتَ ابنَ خالتك فاضل عبّاس المهداوي ورشّح عبد السلام العقيد يومذاك أحمد حسن البكر ؟

الزعيم : نعم ، ولكنْ لم يكن ذاك هو الخلاف الأول وما كان خلافاً حادّاً . الخلاف الأول والأكثر جديّةً كان حول الموقف من الجمهورية العربية المتحدة ، أراد عبد السلام وحدة فورية وما كان هذا الأمر متفقاً عليه قبل الثورة بل وما كان مُدرجاً في برنامج الثورة ثم لم يحصل عليه بعد الثورة إجماع من قِبل كبار عناصر تنظيم الضباط الأحرار وقادة الفرق العسكرية . وأكثر من ذلك .. كان الشارع السياسي منقسماً حول هذا الموضوع ، كان البعثيون والقوميون وراء عبد السلام مع الوحدة الفورية ، بينما كان الشيوعيون واليسار العراقي مع الإتحاد الفدرالي . ما كنا ضد الوحدة وكان الرأي أنَّ الوقت والظرف غير ملائمين لقيام وحدة فورية إندماجية والعراق على فوّهة بركان تُحيق به مخاطر كثيرة من جهات شتّى فإنه مُطوّق بالأعداء : حلف بغداد تمثلانه إيران شرقاً وتركيا شمالاً ثم الأردن غرباً والسعودية والكويت جنوباً . كانت أمامنا مهمات ومسؤوليات جسيمة لتحرير العراق من ربقة الإستعمار البريطاني وبناء إقتصاد وطني وتصفية الإقطاع والنهوض بمستويات الفقراء وذوي الدخل المحدود والقضاء على الأميّة . هذه مهام خطيرة وجسيمة ينبغي إنجازها قبل التخطيط لمشروع الوحدة العربية . للأسف الشديد وقف عبد الناصر من ثورة تموز موقفاً غير وديّ وحرّض فاصطف بذلك مع دوائر ومخططات حلف بغداد خاصة مع أمريكا وبريطانيا التي تعهدت بعودة [ الحصان الهارب إلى الحظيرة ] . ما كان الضباط الأحرار ضد الوحدة ولكنْ كان الإجماع أنها سابقة لظروفها .

أنا : هل كان لتمرد آمر حامية الموصل العقيد عبد الوهاب الشوّاف في آذار 1959 علاقة بموضوع الوحدة ؟

الزعيم : لا .. أبداً . كان الرجل مع الرأي الغالب في هذا الموضوع ... أنْ لم يحنْ الوقت بعدُ للإنضمام للجمهورية العربية المتحدة . أما إنشقاقه وتمرده العسكري فكانت له أسباب أخرى .

أنا : بعد محاولة إغتيالك الفاشلة في خريف عام 1959 حصلت إنعطافات وتطورات سياسية رأى فيها كثيرون تراجعاتٍ وتنازلات بل وإنحراف عن منهج وعقيدة ثورة 14 تموز كان من أبرزها عودة نفوذ الإقطاع والإقطاعيين فأدّى هذا إلى هجرة آلاف مؤلفة من فلاحي أرياف العراق إلى بغداد بالدرجة الأولى هرباً من بطش وإنتقام الشيوخ وكبار ملاّك الأراضي . ثم حدث تطور خطير آخر في مواقف الزعيم من اليمين العراقي فغضَّ النظرعن نشاط حزب البعث والقوميين وبعض رجال الدين ـ مثل محسن الحكيم ـ رافق ذلك ونجم عنه تمدد كبير لنفوذ هذه الفئات في كافة أنحاء العراق وغدت الأعظمية على سبيل المثال منطقة مقفلة للبعثيين ولمناوئي الزعيم والأطراف الأخرى التي تضررت بقيام ثورة تموز . كذلك مدينة الموصل ولواء الرمادي [ محافظة الأنبار ] وتكريت وراوة ومدينة عنه فضلاً عن منطقة الكرخ في بغداد. رافقت ذلك وسبقته عمليات إغتيال واسعة خاصة في الموصل وبغداد نفّذتها عناصر بعثية وقومية طالت العديد من العراقيين الدمقراطيين واليساريين وكل مَنْ لم يدخل تحت خيمة ورحمة حزب البعث وفلول العهد الملكي . جرى كل ذلك حين كنتَ أنتَ ترفع شعار ( أنا فوق الميول والإتجاهات ) و ( القطار يسير ) فاستغل خصومك وأعداء الثورة هذين الشعارين وعاثوا في الأرض فساداً تحت سمع وبصر حكومتك فهددوا وتوعدوا وانتهكوا الحُرمات وقتلوا من قتلوا وزوروا إنتخابات نقابة المعلمين وباقي النقابات والتنظيمات المهنية والجماهيرية وملأوا دوائر الحكومة برجالهم وأعوانهم وعبأوا الكلية العسكرية وكلية الشرطة وغير هاتين الكليتين بالعناصر الموالية لهم تمهيداً واستعداداً ليوم الحسم وساعة الصفر معك التي دقّت صباح الثامن من شهر شباط عام 1963 ووقع ما وقع وما حصل لك معروف ! كنتَ سيادة الزعيم متناغماً ومنسجماً مع كل هذه التطورات لأنك إلتزمتَ الصمت وأعلنت الحياد كأنَّ حياة الناس ومستقبل العراق لا يعنيك أو يهمّك . وأسوأ من ذلك أنك أبعدتَ الضباط المخلصين لك ولثورة تموز عن وحداتهم القتالية وجعلتهم تحت ( إمرة الإدارة ) وأقصيت آخرين ملحقين عسكريين في خارج العراق وأحلت البعض الآخر منهم على التقاعد .. فهل خدعتك وضللتك أجهزة المخابرات العسكرية وأجهزة ومديريات الأمن ؟ كان على رأس مَنْ خان الأمانة رئيس جهاز المخابرات أو الإستخبارات العسكرية الذي كان يشغل مكتباً في وزارة الدفاع قريباً من مكتبك . ظهر أنه كان متعاوناً مع الإنقلابيين. الحديثُ طويل يا سيادة الزعيم وإنه لذو شجون .

الزعيم : يصعب الإتفاق معك حول الكثير مما عرضتَ من أمور . يرى الناس هذه الأمور من زوايا خاصة ومستويات للتقدير والرؤية تختلف جوهرياً عمّا يرى المسؤول ويُقدّر ويزن . مستوى رؤية هذا المسؤول أعلى وأكثر كثافة ولديه ما لديه من أجهزة ووسائل وآليات للتخطيط والتنفيذ ليست مُتاحة لكافة الناس . كان العراق مُحاطاً بالأعداء وقد خرج من حلف بغداد ومنطقة العملة الأسترلينية وكان يفاوض شركات النفط بعد أنْ قلّص إلى حد كبير مناطق التنقيبات عن النفط ثم جرى إعداد القانون رقم 80 الذي لم يرَ النور إلأ في اليوم الثامن من شباط 1963 في ساعات الإنقلاب الأولى . كان العالم الرأسمألي والكثير من أخوتنا العرب يتهمونني بالشيوعية وما كنت كذلك . جيّش بعض كبار رجال الدين الجيوش ومارسوا أعلى أشكال التحريض ضدي وضد عراق الثورة وأصدر بعضهم فتاوى بتحريم بعض العقائد السياسية فخانوا بذلك أماناتهم ومسؤولياتهم كرجال دين لا سياسة فأساءوا للدين كما أساءوا للسياسة . نعم ، ندمتُ ساعةَ أدركتُ أني خسرتُ معركتي مع الإنقلابيين في وزارة الدفاع خاصة حين بلغني أنَّ وصفي طاهر وعبد الكريم الجِدّة قد سقطا شهيدين على أرض المعركة في هذه الوزارة ! ندمتُ ولكنْ لاتَ ساعةَ مندمِ ! ندمتُ أني أبعدت عني أكثر الناس إخلاصاً لي ولثورة تموز ولا سيّما النخبة الممتازة من ضباط الجيش .

أنا : أخيراً يا سيادة الزعيم أعاتبك بشدّة أنك في ساعة الشدّة وأنت تجادل خصومك في مبنى الإذاعة والتلفزيون أنك طلبت منهم السماح بمغادرة العراق ! كيف سوّلتْ لك نفسك أنْ تتقدمَ بهذا الطلب لإنقاذ رأسك ولم تطلبه للرجال الأفذاذ الذين ظلّوا معك حتى آخر لحظة في حيواتهم .. أقصد طه الشيخ أحمد وفاضل عبّاس المهداوي والضابط الشاب كنعان خليل حدّاد ؟

الزعيم : .... ؟

 



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter