|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  19  / 9 / 2019                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ذئاب عبد ننة

د. عدنان الظاهر
(موقع الناس)

زار مدينة ميونيخ الألمانية الأستاذ الفنان والشاعر والكاتب السيد ذياب مهدي آل غلام يومَ الإثنين المصادف 29.7.2019 حاملاً لي مشكوراً 15 نسخة من كتابي المنشور حديثاً في مدينة الحلة بعنوان [حواريات مع المتنبي] مع مجموعة كتب بين شعر وقص وكتاب طريف جداً يحمل عنوان [مقهى عبد ننة / إرث نجفي عراقي حضاري] مزدان ببعض الصور يؤرخ فيه لحقب معينة وأحداث مرت على النجف عاصرها ووثقها بدقة وأمانة بل وثبّت بعضها وعضدها بشهادات حية لأصدقاء ما زال بعضهم على قيد الحياة. كانت مقهى نجفية معينة هي المركز والبؤرة وقلب الأحداث النابض [ مقهى رجل نجفي إسمه عبد ننة ]. إرتبط هذا الرجل صاحب المقهى وأولاده جميعاً أو بعضهم بنضال الحزب الشيوعي العراقي وتحملوا جرّاء ذلك ما تحمل الشيوعيون من قتل وسجون وتعذيب ذكرهم المؤلف بالأسماء المفصلة وتفاصيل ما واجهوا فأجاد وأبدع.

لفتت نظري أسماء بعض من ذكر الأستاذ ذياب آل غلام في كتابه هذا ممن ربطتني بهم علاقات متفاوتة الطابع والعمق غطت سنواتٍ وعقوداً من العمر ، أفضل إدراجها حسب تسلسل سني العمر وسياقات الزمن :

المرحوم معن جواد [ أبو حاتم ]
معرفتي به قديمة تعود لأواخر أربعينيات القرن الماضي حيث كنا تلاميذ مدارس إبتدائية مرة في مدرسة المحاويل الإبتدائية للبنين ومراتٍ في بعض مدارس الحلة المتوسطة والثانوية . أبو حاتم في الأصل من منطقة " ألبو مصطفى " على نهر الفرات التابعة والقريبة لناحية المحاويل [ الآن قضاء المحاويل ]. أكمل معن جواد دار المعلمين الإبتدائية في مدينة الحلة لكنه لم يمارس التعليم فلقد تفرغ للعمل السري في صفوف تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي / لجان الفرات الأوسط. كُلفتُ ذات يوم من أيام شتاء 1961 بنقل أحد الرفاق بسيارتي من الحلة إلى مدينة النجف . قال الذي كلفني بهذه المهمة " إنك تعرفه " وحدد لي ساعة ومكان الإلتقاء على طريق الحلة ـ النجف العام . لم يقل لي من هو . وبالفعل كانت مفاجأة كبيرة. أوقفت سيارتي في الوقت والزمن المحدد على كتف الشارع العام. فتح باب السيارة شاب طويل نحيف متلفعاً بعباءة فلاح قروي جوزية اللون يغطي رأسه ومعظم عينيه وما أن أزاح غطاء رأسه حتى احتضنته بشوق وحرارة لأننا لم نرَ بعضنا لسنين طوال. عاتبته على بعض الأمور التنظيمية فاعتذر أنه غير مطلع عليها. في النجف دلني على شارع معين عريض غير معبّد وطلب مني العودة للحلة وحيداً.

في أحد أيام العام الدراسي 1976 / 1977 زرت مدينة الحلة بتكليف من هيئة تحرير جريدة طريق الشعب لإجراء مقابلة مع الشيخ الأستاذ يوسف كركوش ناقشنا فيها موضوعات متشعبة كثيرة سياسية وثقافية واجتماعية وتربوية نشرتها من ثم صحيفة طريق الشعب على الصفحة المخصصة للتعليم والمعلم فغطت هذه الصفحة كاملة. بعد هذه المقابلة قمت بزيارة مقر الحزب الشيوعي ولم يكن بعيداً عن بيت الشيخ يوسف كركوش. وكانت فرحة كبيرة أخرى إذ فوجئتُ هناك بوجود السادة معن جواد وعباس مجيد البياتي ومحمد حسن مبارك [أبو هشام] الكادر النجفي المتفرغ للحزب منذ زمان عبد الكريم قاسم وكان إذّاك معروفاً لدى تنظيمات الحلة من خلال جولات الإشراف التي كان يقوم بها بالتناوب مع ثلاثة آخرين نقلتهم مرة إلى طويريج فنزلَ فجأةً نث خريفي خفيف طلبوا مني التوقف فنزل أحدهم ومسح زجاج السيارة بعباءته وكانوا بالطبع مختبئين ويرتدون ملابس شباب الأرياف... أظن أحدهم هو عدنان عباس والآخر حسين سلطان. كانت تلك آخر مرة أرى فيها معن جواد لكننا تكلمنا ذات يوم مع بعضنا بالتلفون يوم كان هو في السويد وأنا في ألمانيا.
غادرتُ العراق في السادس من شهر آب عام 1962 وعصفت بالعراق أحداث ومصائب وكوارث أثناء فترة غيابي التي طالت حتى خريف عام 1969 وكان إنقلاب الثامن من شهر شباط 1963 أشدها وقعاً على العراق وعلى عموم العراقيين ولا سيما على الشيوعيين كما هو معروف. كان المرحوم معن جواد أحد ضحايا ذلك الإنقلاب كما فهمت فيما بعد حيث ناله وباقي الشيوعيين ما ناله من سجن وتعذيب وملاحقات ثم فصل من الوظيفة. الغريب أنَّ وزارة المعارف [التربية يومذاك] أصدرت أمراً وزارياً بفصلي من وظيفتي السابقة مدرّساً في متوسطة الحلة للبنين .... فصلتني هذه الوزارة من وظيفة لا وجدودَ لها لأنني كنت قد قدّمتُ إستقالتي شرطاً للموافقة على إلتحاقي بزمالة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدارسة كيمياء التحولات النووية في جامعة موسكو ! تابعت بعد تغيير الأمور في عام 2014 موضوع خدماتي التقاعدية لدى الجهات المختصة في مديرية تربية بابل فلم نعثرعلى أي أثر للسجل الخاص بخدماتي السابقة مدرساً في متوسطة الحلة للبنين للأعوام 1960 / 1962 . بلى، وجدنا سجلات الأعوام الدراسية السابقة لهذه الأعوام والسنين التي تلتها كاملةً ! أي لا وجدودَ لي بين زملائي السابقين أعضاء هيئة التدريس في هذه المدرسة !

كما لفت نظري ورود اسم الشهيد النجفي الشيوعي البطل المرحوم " حسن عوينة "
متى وكيف تعرفت عليه ؟ أنهيتُ دراستي في كلية التربية / جامعة بغداد في حزيران 1959 فغادرت بغداد ملتحقاً بأهلي في مدينة الحلة وكان قد صدر أمر وزاري بتعييني مع باقي زملائي من خريجي الكلية لذلك العام مدرسين على الملاكين المتوسط والثانوي وكان نصيبي مدرس كيمياء في ثانوية المسيب للبنين .... سجّلت مباشرتي في هذه المدرسة وكان المدير أستاذي السابق ألأستاذ حسن هادي الأنباري ولكن .... صدر فوراً أمر إداري بنقلي مديراً وكالةً إلى متوسطة الكفل وكانت فتحاً جديداً . نعود للشهيد البطل حسن عوينة . لا أعرف طبيعة موقعه ومهماته الحزبية في مدينة الحلة في تلكم الفترة [عطلة عام 1959 الصيفية] لكنه كان معروفاً أنه مسؤول ورئيس تحرير جريدة " الفرات الأوسط " للحزب الشيوعي العراقي. إتصلت به في مقر تحرير هذه الجريدة وسلمته قصيدة شعر جديدة لي بتوقيع " سوسن ". مر أسبوع واحد فقط فوجدتها منشورة تغطي صفحة كاملة. لم يطل وجودها إذْ توقفت عن النشر واختفى الأستاذ رئيس التحرير ولم أره بعد ذلك لا في شوارع الحلة ولا في داخل تنظيمات الحزب ولا من بين المشرفين الحزبيين. غير أني قرأتُ ذات يوم وصفاً لما عانى قادة الحزب الشيوعي العراقي من صنوف التعذيب في قصر النهاية على أيدي عتاة مجرمي حزب البعث وكان حسن عوينة أحد هؤلاء الضحايا حتى استشهد هناك سوية مع ثلثة من كبار شخصيات الحزب وكان فيهم سلام عادل نفسه.

ورد ذِكْر أشخاص آخرين في كتاب الأستاذ ذياب مهدي آل غلام باعتبارهم من مرتادي مقهى عبد ننة ومن أصدقائه أو ومعارفه أو من الشخصيات المعروفة بوطنيتها وشاءت الصدف المحضة أنْ أتعرف عليها هنا أو هناك أو أنْ ألتقيها في عهود متباينة مختلفة أذكر منهم :
ـ مهدي الأعسم : درس الكيمياء في كلية التربية وكانت تربطني به علاقة زمالة متينة باعتبارنا زملاء قسم واحد غير أنه كان بعدي بثلاثة أعوام . كان هادئاً لطيفاً ودوداً مؤدباً.

ـ الزميل أديب عجينة : هو ألاخر كان بعدي في كلية التربية بثلاث سنوات لكنه كان يدرس اللغة العربية والأدب. كانت علاقتي به علاقة رسمية ـ حزبية ولفترة قصيرة جداً .

ـ جاسم الحلوائي / أبو شروق : تبادلنا بعض الرسائل بالبريد الألكتروني لفترة من الزمن وناقشنا معاً بعض المسائل الفكرية وعرّجنا على مس بعض الأمور الحزبية ثم توقفت هذه المراسلات. أعجبتني كثيراً شخصية الرجل أبو شروق وسعة ثقافته وأسلوبه في المناقشات .... وأثار عجبي في أنه يمت بصلة قربى وعلاقة حميمة بإحدى زميلاتي في كلية التربية وأنه على علم دقيق ببعض خصوصيات هذه الزميلة.

ـ ذكر الأستاذ ذيبان آل غلام أسماء أشخاص آخرين من رواد مقهى عبد ننة أو من بين معارفه وأصدقائه وممن جمعتني الصدف ببعضهم فوجدتها مناسبة سانحة لذكرهم وتخليد بعض أدوارهم في الحياة من بينهم :
الأستاذ عبد الباقي الجزائري [أبو أسعد] الأستاذ النجفي الذي تعرفت عليه في عام 1956 حين كان مديراً لناحية البطحاء التابعة إلى لواء الناصرية [محافظة ذي قار] كنت ما زلت وقتذاك طالباً في كلية التربية في بغداد وكنت أزور بيت شقيقتي وصهرنا المرحوم عبد الجبار عبيد السلطاني مدير مدرسة البطحاء الإبتدائية في حينه. ثم زارنا الأستاذ عبد الباقي بمعية قريبه الشيخ عبد الكريم الجزائري وتناولا طعام العشاء معنا وكانت إحدى مناسبات الحياة النادرة.

كما ورد اسم الدكتور حكمت شبّر الذي رأيته في موسكو مرة أو مرتين لأنه درس في جامعة ليننكراد حين كنت أدرس في جامعة موسكو وكان هناك قبلي بعام واحد ودرستني اللغة الروسية نفس المدرسة التي قامت بتدريسه [آنّا ستيبانوفنا سركوفا] وأكيد يتذكرها دكتور حكمت. أما في العراق فكان تدريسياً في كلية القانون حين كنت تدريسياً في كلية العلوم / جامعة بغداد لذلك، ولأسباب أخرى، لم نلتق في العراق أبداً لكنَّ اسمه ما كان بعيداً عن سمعي لكثرة الزملاء المشتركين ولكثرة ما بين هؤلاء الزملاء من مُشتركات قديمة ومُستجّدة. دكتور حكمت نجفي ومن عائلة نجفية عريقة معروفة.

إعتذار :
أمر بظرف صحي حرج .. لذا لا أستطيع تقديم دراسة أو قراءة خاصة وافية لأشعار العزيز الأستاذ ذياب مهدي آل غلام وليتني أستطيع ذلك ذات يوم فشعره يستحق دراسات مستفيضة من لدن عاشقي شعر الرومانس. وهنا لا بدَّ من ذكر ملاحظة أراها جديرة بالذكر تتعلق بديوان [سونيتة الغجر] حيث وردت في هذا الديوان أخطاء مطبعية غير قليلة وأخرى إملائية وأعجب : كيف فاتت عزيزنا الأستاذ محمد علي محيي الدين الذي تفضّل فكتب مقدمة الديوان ؟ كما لديَ تحفظ كبير على عنوان الديوان [سونية الغجر!] . الأفضل القول "سوناتا الغجر" بدل سونيتة ..... أو توظيف مفردة عربية أخرى تضاهي سوناتا وهي الأصل.

مصدر هذه المقالة :
مقهى عبد ننة (إرث نجفي عراقي حضاري ، ذياب مهدي آل غلام 2015) دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة، السنة 1436 هجرية 2015 ميلادية.



أيلول 2019




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter