|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  18 / 9 / 2013                                د. عدنان الظاهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مقامة (20)

مقامات قتيل الزمان السَهَرْ عندي

د. عدنان الظاهر

ديك الجن العراقي

...
إلى فَنِسْ بغداد الأسيرة

كسر ظهرها فتركت وظيفتها وغدت قعيدة الدار . لم تَهُنْ ولم تستسلمْ . بقيت شامخة الرأس عالية القامة . صار يعذّبها جسدياً يومياً ... يذّلها ويجبرها أنْ تركع وتقبّل حذاءه القذر . كانت تركع لأنها عاجزة عنْ أنْ تقاوم . كانت شبه مشلولة . كانت تركع لكنها ترفض تقبيل حذاء زوجها الوحشي . كان يضغط بقوة على رأسها لكي ترضخ وتستجيب . ترفضُ فيضع حذاءه على رأسها حتى يمسَّ فمُها ترابَ البيت. أجاعها وأطفالها . حرمها من أبسط حقوقها ومتطلباتها الإنسانية . حاصرها وراقب تلفونها الشخصي والحاسوب .

أحصى أنفاسها وأمر الأطفال أنْ يتجسسوا عليها ويرصدوا حركاتها فأبوا ولم ينصاعوا . كان تعلّقهم الطبيعي بوالدتهم التي حملتهم وهْناً على وهنٍ وأنجبتهم وأرضعتهم مما يدرُّ صدرها الأمومي حتى كبروا ودخلوا المدارس تباعاً حسب تسلسل أعمارهم . لم يطقْ الوحش ما يرى من صمود نادر وثبات أمام المصيبة وتشبث بكبرياء المرأة ورفعة مكانتها في سلّم الوجود فهي أم الأنبياء ووالدة عظام الرجال فكيف تهون وكيف تقبل الذل ! ما هانت الأسيرة ولا ذلّت فجُنَّ جنونهُ وطفق يهددها تارة بكسر رقبتها أو جدع أرنبة أنفها الرائع التكوين أو حتى قص قطعة من شفتها السفلى ! ولمّا ألفاها لا تأبه بتهديداته الساديّة صار يهددها بالخنق ليلاً أو قتلها بكاتم الصوت أو تسميمها . لم ينفّذْ أياً من تهديداته لا رحمة بها إنما شفقةً على أطفالهم ولتبقى خادمة لهم تعتني بهم بما يتيسر لديها من قوة وطاقة ضئيلة باقية في جسدها وهذا كثير على سيدة مظلومة كسيرة الظهر شبه مشلولة وشبه جائعة تأكل ما يجود به زوجها عليهم من أطعمة شحيحة وبعض المعلّبات الرخيصة . تكيّفتْ وطوّعتْ واعتادت أنْ تجد نفسها محرومة من أبسط طعام للعديد من الأيام . كانت كالصائمة وكل شهورها رمضان ! إكتشفته يخونها مع كل مّن هبّت ودبّت من النساء.

صارحته رافعة الرأس فاعترف كالذي أخذته العِزّةُ بالإثم ولم يُنكر . كيف تتقبلين هذا الهوان والبلاء يا سيّدة ؟ قالت إنه يرفض طلبي الطلاق ، فضلاً عن تعلّقي الطبيعي بأطفالي وخوفي على مصائرهم وهم ما زالوا قُصّراً . سوف لن ترحمهم زوجة أبيهم الأخرى ولن تكونَ لهم أمّاً . وما موقف والديك وباقي أهلك من هذه الكارثة ؟ صمتت بلا دموع . كررتُ سؤالي فرفعت رأسها عالياً ثم قالت : والدي شيخٌ كبير مصابٌ بالسرطان . لي شقيق واحد فقط ترك العراق منذ عقود ولا أعرف عنه شيئاً . ترك العراق غاضباً عليَّ لأني رفضتُ طلبه مني أنْ أتحجّبَ من رأسي حتى أخامص قدميَّ . ثم تضاعف غضبه مني حين علم بقراري أنْ أترك وظيفتي وأغادر العراق للعمل في بلد عربي بالزواج من هذا الرجل ـ الوحش في ملابس بشر . غادرنا العراق على عجل خوفاً من بطش نظام صدام حسين لأنه أُتّهم بالمشاركة في إنتفاضة آذار 1991 . ثمَّ ؟ قالت : عدنا للعراق بعد سقوط نظام البعث فعمل هو متعاوناً مع قوات الإحتلال الأمريكي وانصرفتُ لتربية وتنشئة الأطفال إذْ كانوا مازالوا صغيري السن . والحل ؟ لا أدري . أجابت فَنِسْ ( فينوسْ ) ، آلهة الجمال البغدادية التي لم يخلقْ ربُّها مثلُها في البلاد والعباد .

ودّعتها وفي رأسيَ المصدوع ألف سؤال وسؤال . ما تفسير وأسباب ما حصل وما زال يحصل لهذه السيدة التُحفة ؟ لا بدَّ من سبب إذْ ليس من المعقول أنَّ زوجها يكرهها ويعذّبُها لأنها فاتنة في جمالها ولأنها تحمل شهادة جامعية أعلى من تحصيله الدراسي . باصروني يا ناسي لعلي وإياكم نهتدي ونصل إلى سر أسرار محنة هذه السيدة التي مزّقتني قصتها بل وحرّمتني نوم بعض لياليَّ الشتائية الطويلة . كيف أساعدك يا سيّدة ؟ لا تستطيع ! أجابت . طوق حديديٌّ مضروب حولي بإحكام . نجح في جعل بعض الجيران مخبرين ينقلون له عني الصغيرة والكبيرة بما يُغدق عليهم من إكراميات تأتيه مما يقبض من أموال فإنه أحد مُدلّلي الأمريكان وحلفائهم . يشتري مُخبرين وجواسيس لكنه يُجيع أولاده ووالدتهم شبه الكسيحة . كان إنساناً سويّاً قبل تعاونه مع قوات الإحتلال ، لكنه إنقلب وتغيّرَ بعد ذلك فقد أفسده المال فتكبّرَ وطغى وتجبّر وفقد صوابه . أنا واحدة من ضحايا الإحتلال ، أنا وأطفالي حتى أني أتمنى أحياناً لو كنتُ إحدى قتلاهم برصاص قنّاصاتهم أوحراسات أمنهم أو دبابات سيطراتهم كما حصل لمئات المئات قبلُ وبعدُ . قتيلة أفضل من شِبه قعيدة لا تتحرك إلاّ بمشقة ثم جائعة وتحت التهديدات اليومية المستمرة . لمن أرفعُ شكواي ، لمن ؟

للرئاسات الثلاث ... أجبتها ومضيتُ رافعاً رأسي وعينيَّ صوب سماء غائمة داكنة باردة ولا من مطر .

بين صحوتي ونومتي القلقة رأيت أمراً عَجَباً : رأيتُ أو خيّلَ لي أني أرى شاشة عملاقة يسطع ضؤها في سماء عالية عليها كتابة باللون الأزرق الجميل الغامق . فركتُ بكلتا يديَّ عينيَّ غير مُصدّقٍ ما أرى . قرأت وليتني ما قرأتُ :

[[
وضعوا مع اسمي وصورتي فلماً جنسياً كاملاً
يدور الان في الفيسبوك . أحدسُ أنه من تصميم استاذ جامعي اختصاص حاسوب حاول مراراً ان يقيم علاقة معي ورفضت .
انقطعت الكهرباء ونمت حتى الصباح
عند الظهيرة وجدت صفحتي مليئة بالتعليقات والدنيا مقلوبة
فتحت البريد واذا بالعالم امامي كله غرفة نوم ...
اريد ان اهرب الى دنيا ليس فيها رائحة الرجل
ظلم في الطفولة وفي الشباب وحتى وأنا في الأربعينيات
اليوم حيلي مهدود
متعبة سيدي
بحاجة ان اذرف دموعي على صدرك
واشعر بالامان ويبدو ان لا امان مع وجودي .

سامحني . أعتذرُ .

توقيع : فينوس بغداد الأسيرة
]].


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter